منوعات

أمي طردت أبي من البيت

السؤال:

الملخص:

رجل يشكو قيام والدته وإخوته بطرد أبيهم من البيت؛ ما أدى لحدوث مشاجرات بينه وبينهم؛ إذ أراد أن يسكن والده في بيت العائلة، ووالدته ترفض، فأثار غضبَ والدته لذلك، وهو حزين لحال والده، ولغضب والدته، ويسأل: ما النصيحة؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا محمدٌ من فلسطين، في الأربعين من عمري، والداي طاعنان في السنِّ؛ فوالدي في السبعين من عمري، ووالدتي في السابعة والستين من عمرها، منذ أكثر من ثلاث سنوات رفضت والدتي أن يسكنَ والدي معها في نفس المنزل لمشاكلَ خاصة بينهما مترسخة في ذاكرة الوالدة؛ حيث تتذكر إساءات والدي لها؛ فاضطُرَّ والدي إلى السكن ببيتٍ قديم بجانب بيت الوالدة (العائلة)، وهو بيت ينقصه بعض الخدمات؛ مثل: الماء الساخن في الشتاء، ويقوم إخوتي ووالدتي بتوفير الأكل لوالدي، ويزور والدتي من حين لآخر، ولكنها لا تحترمه، وفي أغلب الأحيان تضايقه بكلامها، ويذهب لبيته، ولا يأكل معها في البيت، بيتي صغير وفي مدينة أخرى، ولا أستطيع أن أُسكنه معي، أصبح بيني وبين إخوتي ووالدتي مشادات كلامية وشجار؛ لحزني على والدي، وكوني أرغب أن يسكنَ والدي في منزل العائلة، ولكنَّ الوالدة ترفض وإخوتي لا يفعلون شيئًا، والآن أمي غاضبة مني، ولا ترغب بزيارتي لها، حالة والدتي الصحية غير مستقرة؛ فهي مريضة بالضغط والسُّكَّري، ولديها ضعف في عضلة القلب، ورجلها اليمنى ضعيفة؛ بسبب جلطة دماغية قبل سنوات، والوالد مريضٌ بالضغط، ولكن صحته جيدة بشكل عام، أنا حزين على والدي؛ كونه يسكن وحده، ولا أستطيع أن أفعل له شيئًا، وحزينٌ أيضًا من غضب والدتي عليَّ، بمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: ما فعلته الوالدة – شفاها الله – من إخراج الوالد من البيت أمرٌ مُحرَّمٌ عليها؛ لأنه ما دام أنه زوجها، فيجب عليها طاعته في المعروف وعدم إيذائه، ويزداد الأمر سوءًا إن كان البيت ملكًا للوالد، كيف تُخرجه منه؟!

 

ثانيًا: وأبناؤه كلهم وبناته يجب عليهم بر والديهم، وعدم التفريق بينهما في التعامل.

 

ثالثًا: ينبغي عليهم نصح الوالدة بتقوى الله، وإعطاء زوجها حقوقه الشرعية، مهما كانت الاختلافات، وألَّا تتعمد إيذاءه، وأن تصبر على ما قد صدر منه من أذًى سابق، ولا تُعيِّرْه به، وأن تحتسب أجرها عنده سبحانه؛ وتُذكَّر بقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وبقوله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، فتكظم غيظها، وتُحسن إلى زوجها؛ لتنال محبة الله لها، وكفى بها منزلة رفيعة.

 

وتُذكَّر بأنه كما لزوجها أخطاء، فله حسنات، وخيرٌ لها أن تلقى ربها غير ظالمة له، فيقتص منها يوم القيامة.

 

رابعًا: وعلى الأبناء جميعًا السعيُ في الإصلاح بينهما، وتحبيب كلٍّ منهما في الآخر.

 

خامسًا: وألَّا يعاملوا الوالدة فقط بلطْفٍ، والأب بجفاء إرضاء للوالدة.

 

سادسًا: ليعلم الأبناء جميعًا بأن الله سبحانه أمر أمرًا جازمًا ببر الوالدين معًا؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]؛ ففي الآية أمرٌ، والأمر للوجوب في ﴿ وَقَضَى ﴾؛ يعني: أمر وأوجب، ثم في آخر الآية تأكيد على زيادة البر بهما عند كِبَرِ سنِّهما، وبعدم التأفف منهما بكلمة ﴿ أُفٍّ ﴾ وما فوقها أولَى بالنهي؛ ولذا فليتَّقِ اللهَ الأبناءُ والبنات جميعًا، وليستغفروا الله مما بدر منهم، وليستسمحوا من والدهم قبل أن يفجأه الموت؛ فيندموا ندمًا شديدًا.

 

سابعًا: أما أنت، فموقفك سليم جدًّا، وتُشكر عليه، وتمسك به، ولكن تلطَّفْ للوالدة، وانصحها بهدوء وحكمة، وتذكر بأنها هي والوالد قد بلغا عمرًا كبيرًا، وينتظران الموت في أي لحظة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلُّهُم من يجُوز ذلك)).

 

وادعُ لها كثيرًا، ولا تتقالَّ الدعاء؛ فله أثر عظيم، خاصة إذا صدر عن قلب مخلص صادق مُوقِنٍ بالإجابة؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

ثامنًا:ذكِّرها – حفظها الله – بقوله سبحانه: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].

 

تاسعًا: ويُنصح الجميع: الأم والأب والأبناء بالإكثار من ثلاثة أمور؛ هي: الاستغفار، والاسترجاع، والصدقة؛ لأن بعض المآسي بسبب الذنوب، ولأن هذه الثلاثة سببٌ لتفريج الكرب وطمأنينة النفس.

 

عاشرًا: أُكرِّر وأؤكد على الأبناء سرعة التوبة إلى الله من عقوقهم لوالدهم، والاعتذار إليه، وحسن الخلق معه والبر به قبل أن يفجأه الموت، ومن ثم يتحسرون ويبكون على ما بدر منهم.

 

حادي عشر: والوالد كذلك يُناصَح بأنه إن كان أخطأ في حق الوالدة، بأن يعتذر لها، ويبدأ صفحة جديدة، ولا ينسى معروفها له، ويستغفر ربه سبحانه قبل أن يموت ظالمًا، فتقتص منه زوجته.

 

حفظكم الله جميعًا، ورزقكم برَّ والديكم، وأصلح الله شأنهما، وأعاذهما من نزغات الشياطين.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.