منوعات

أهلي لا يقبلون من أحب

السؤال:

الملخص:

فتاة أحبت شخصًا ذا خلق ودين، وتقدم إليها، لكنَّ أبويها يرفضانه؛ كونه موظفًا وليس ذا دخل كبير، ولأنه ليس جميلًا بقدرها، وهي حتى الآن تحدثه على مواقع التواصل وفي الهاتف، رغم أنها تعلم أنها أمور محرمة، وتسأل: ما الحل؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم.

أنا فتاة في منتصف العشرينيات، مشكلتي مع والديَّ، والداي طيبان، وأبي تحديدًا ملتزم من حيث الصلاة والعبادات أكثر من أمي، وأنا – بفضل الله – تأثرت بوالدي وبالتزامه، فالتزمتُ بفضل الله، ولكن للأسف أشعر أنني قد نشأتُ على الميوعة وعدم تحمل المسؤولية، حتى إني فشلت كثيرًا في كثير من جوانب حياتي بسبب هذا، بدأ إدراكي للأمر عندما تقدم لي شابٌّ أحسبه على خُلُقٍ ودين، عرفتُه شهرًا قبل أن يتقدم، وأُعجبتُ كثيرًا بشخصيته وأخلاقه، وأحسبه أيضًا أنه كان صادقًا، وهو من عائلة محترمة جدًّا ومعروفة في المنطقة، وبعدها طلب التقدم لي، وعندما تكلمتُ مع أمي في الموضوع لم يعجبها ذلك، بل كانت ردة فعلها حادة؛ وذلك بسبب أنه موظف حكومي، وراتبه قليل، وهي تريدني أن أتزوج من شخص غنيٍّ، وأسكن في العاصمة، وأعمل فيها، وتريد أن يكون لي دخلي الخاص، وألَّا أحتاج إلى زوجي؛ فأمي متأثرة قليلًا بالنسويات، وترى أنَّ نفقة الزوج على زوجته ذُلًّا لها، وتعتبرها شحاذة، وخاصة إذا كان وضعه المادي صعبًا، وعندما جاء إلى منزلنا برفقة إخوته، رفضه أبي لأنه رآه أقلَّ جمالًا مني، ولأن راتبه قليل، ولديه لُثْغَةٌ بسيطة جدًّا بحرف الراء، إلا أن الشاب كان يستطيع دفع المهر وتأثيث منزل، ولا أخفيكم سرًّا فقد أحببته حبًّا جمًّا، ومال قلبي إليه، بل حتى إن شكله كان مقبولًا جدًّا بالنسبة إليَّ، بل والله أراه جميلًا، وهو أيضًا مال قلبه إليَّ، واعترف أننا مخطئون باستمرار التواصل بيننا على مواقع التواصل وفي الهاتف، وتمنَّى من الله أن يجمعني به في الحلال، وأن يتوب علينا، لكنْ والله قلبي لا يقوى، يشهد الله أن قلبي قُهر قهرًا لم أذقْهُ في حياتي، وما زلتُ إلى الآن إذا ذُكر الموضوع، أغضب وأبكي بحرقة، وأحيانًا تصدر مني كلمات لا تجوز في حق الوالدين، وإنني كلما حاولت التحكم بغضبي، فلا أستطيع، وأبحث عن أي أحدٍ لأبثَّه شكواي وما حدث لي، أرجوكم ما العمل؟ أنا ما زلت أريد الشاب، وما زال أهلي معارضين، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فحل مشكلتكِ بمشيئة الله في الآتي:

أولًا: لا بد أن توقني بأن الزوج الذي كتبه الله سبحانه لن يمنعه أحدٌ أبدًا مهما كان؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 50]، وهذا الإيمان يُدخِل على قلبكِ الطمأنينة التامة، وينفي عنه الحزن والكآبة.

 

ثانيًا: بدلًا من الاستسلام للأحزان المُدمرة، الجئي لمالك الملك سبحانه بالتضرع إليه بالدعاء بأن يُيَسِّرَ لكِ ما فيه صلاح لكما، سواء كان بالزواج منه أو بغيره؛ قال سبحانه منوهًا بعظمة الدعاء وبأثره القوي: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

ثالثًا: استرجعي كثيرًا؛ لأن الاسترجاع عبادة جليلة الفائدة؛ وهي قول: ((إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها))؛ فقد قالتها أم سلمة رضي الله عنها لما مات زوجها، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أن تزوَّجها مَن هو خير من كل الرجال، مَن هو؟ النبي صلى الله عليه وسلم.

 

رابعًا: أكثري من التوبة والاستغفار؛ فهما سبب عظيم لتفريج الكرب وتييسر الرزق، لا سيما وأنتِ ذكرتِ أنكِ وقعتِ في شيء من العقوق لوالديكِ؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح:10 – 12].

 

خامسًا: يُذكَّر الوالدان – حفظهما الله – من عقلاء الأقارب أو من إمام الجامع أو من غيرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب إليكم مَن ترضَون دينه وخلقه، فزوجوه؛ إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض))؛ [رواه الترمذي].

 

سادسًا: لا تحملي في قلبكِ شيئًا على والديكِ؛ فهما يُحبان لكِ الخير، واجتهدا فيما يظنَّانِهِ خيرًا لكِ، فاستمري في برهما والإحسان إليهما، مهما فعلا؛ لأن البر ليس مكافأة لهما، بل واجبًا شرعيًّا، وقربة عظيمة إلى الله سبحانه، وسببًا عظيمًا للتوفيق في الدنيا والآخرة، ولإجابة الدعاء؛ قال سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]؛ فلاحظي في الآية الآتي:

وجوب البر في كلمة ﴿ وَقَضَى ﴾؛ يعني: أمر وأوجب.

 

ثم كيف قرن الله تعالى الأمر بالبر، مع الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك في قوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾.

 

ثم لاحظي كيف نهى سبحانه عن مجرد قول كلمة ﴿ أُفٍّ ﴾ لهما، فكيف بما هو أعلى؟

 

سابعًا: تذكري أن ما أصابكِ من رفض والديكِ ربما كان خيرًا لكما، وبسببه صرف الله عنكما شرًّا لا تعلمانه؛ لقوله عز وجل: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

ثامنًا: مما يُسليكِ تذكُّرُ قوله سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].

 

تاسعًا: بعد الدعاء والاستغفار والاسترجاع، يمكن أن يُطلب من الخاطب أن يُعيد المحاولة مع والديكِ، ولكن لعل الأفضل هذه المرة أن يكون ذلك عن طريق رجل عاقل يُحبه الوالد ويُقدره.

 

عاشرًا: فإنْ بعد هذه الجهود كلها استمر الوالدان على الرفض، فلا تحقدي عليهما، واعلمي أن هذا الرفض هو الخير لكما، فارضي وسلِّمي؛ وتذكري قوله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال علقمة رحمه الله: “هو الرجل تُصيبه المصيبة، فيعلم أنها من الله، فيرضى ويُسلِّم”.

 

عاشرًا: أنصحكِ نصيحة مشفقٍ عليكِ إن استمر الوالدان على الرفض أن تنسَي هذا الخاطب تمامًا؛ لأن استمرار تعلقكِ به سيمرضكِ، ولن ينفعكِ بشيء أبدًا، وسيجعلكِ ترفضين الخُطَّاب غيره، ليس كرهًا لهم، ولكن بسبب تعلقكِ الزائد بخطيب لم يكتبه الله زوجًا، ولا تدرين عن مستقبل حياتكِ معه، فكم من فتاة تعلقت بشاب، ورأتْهُ فارسَ أحلامها الوحيد، فلما تزوجها، رأت منه وجهًا آخر، وكرهته وعاشت معه تعيسة، تندب حظَّها ثم طلقها!

 

وقد وصلني العديد من هذه المشاكل المؤلمة حقًّا.

 

حفِظكِ الله، ووفَّق والديكِ للصواب، ورزَقكِ زوجًا صالحًا يُسعدكِ.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.