منوعات

إدراك الزمن.. ولماذا يمر الوقت سريعا عند تقدمنا بالعمر؟ | قل ودل

في شرحه لنظرية النسبية، استعان ألبرت أينشتاين بمسألة إدراك الزمن عند البشر، باللجوء إلى مقارنةٍ طريفة؛ فمثلًا يشعُر الرجل أن الوقت يمر سريعًا عند جلوسه مع فتاة يحبها، بينما قد يشعر نفس الرجل ببطء مرور الوقت، إذا أجبر على جلوس أعلى موقد لمدة دقيقة واحدة.

بنفس المنطق، ومع تقدُّم الإنسان بالعمر، يشعُر أن الزمن يمُر سريعًا، مقارنةً بفترة الطفولة أو المراهقة، والسؤال: لماذا يمر الوقت سريعًا عند تقدمنا في العمر؟

نظرية صاحب الـ10 سنوات

مبدئيًا وبشكل قاطع، تختلف طريقة قياس الساعة للوقت مع حقيقة إدراك الزمن وتصوره عند البشر، لكن وعلى الرغم من الإجماع العلمي، لا يوجد سبب مباشر لهذا التصوُّر، وعوضًا عن ذلك، نمتلك عددا من التفسيرات، أو النظريات.

أول تفسير منطقي لتصوّر مرور الزمن ببطء عند الطفولة، يعود بالأساس لحقيقة بسيطة؛ وهي أن سنة واحدة بالنسبة لطفل يبلغ 10 أعوام، تمثّل 10% من ذاكرته الواعية، أما نفس السنة بالنسبة لشخص بلغ عامه الـ50، فتمثل 2% من ذاكرته الواعية فقط.

بالتالي، يسترجع الإنسان ذكريات طفولته بشكل أسرع، وينتابه شعور بأنها أوقات طويلة، على عكس فترات النضج، التي لا تشكل ثقلًا على ذاكرته.

بيولوجيًا

إدراك الزمن

تنبع فرضية أخرى مثيرة للاهتمام من حقيقة أن الأطفال الصغار لديهم معدل ضربات قلب أسرع ومعدلات تنفس أسرع من البالغين، لكن كيف يؤثر ذلك على إدراك الزمن عند البشر؟

حسب هذه الفرضية، تمامًا مثل جهاز تنظيم ضربات القلب الذي يعمل على إبطاء إيقاع القلب مع تقدم الأطفال في العمر، فمن المحتمل أن يكون للدماغ أيضًا جهاز تنظيم ضربات القلب الذي يتباطأ مع تقدم العمر، لكن بشكل عكسي ويوفر هذا «المسرع العصبي» إحساسًا داخليًا بمرور الوقت بشكل سريع.

طبقًا لمقال نشره موقع «سيكولوجي توداي»، إذا طلبت من طفل صغير أن يجلس بهدوء، ويغمض عينيه، والإيماء عند شعوره بمرور دقيقة، معظم الأطفال سيبلغون عن مرور دقيقة في 40 ثانية أو أقل، وبإجراء نفس التجربة مع البالغين وكبار السن، ومن المرجح أن يبلغوا عن مرور دقيقة واحدة بعد 60 أو 70 ثانية.

ومن ثم، فإن أدمغة الأطفال تعمل بشكل أسرع من أدمغة البالغين، مما يتيح لهم الحصول على تجارب أكثر وعيًا في وحدة معينة من الوقت الموضوعي، وهذا بدوره يؤدي إلى مرور الوقت ذاتيًا بشكل أبطأ بالنسبة للأطفال مقارنة بالبالغين.

بهذا الصدد، طرح البروفيسور أدريان بيجان تفسيرًا يمتد إلى نظرية منظم ضربات القلب العصبي، مقدمًا حجة تستند إلى فيزياء معالجة الإشارات العصبية، حيث يفترض بيجان أنه بمرور الوقت، يتباطأ معدل معالجة المعلومات المرئية، وهذا ما يجعل الوقت يسرع مع تقدمنا ​​في السن.

الوقت الفعلي ضد الوقت الذهني

تقوم نظرية بيجان المتعلقة بإدراك الزمن على حقيقة منطقية؛ وهي أن وقت الساعة القابل للقياس بشكل موضوعي، لا يتماثل مع الوقت الذهني الذي يشعر به الإنسان، الذي يعرف عادة بالذاكرة.

بالتالي، حسب بيجان، إدراك الزمن عند البشر يمثل التغيرات المحسوسة في المحفزات البصرية، بمعنى أن الإنسان يدرك مرور الوقت لرؤيته تغييرا، والأشياء تتغير دائمًا في اتجاه واحد؛ من السبب إلى النتيجة.

بهذه الطريقة، يمكننا أن نفترض أن تجربتنا مع الزمن هي دائمًا عملية استرجاعية تعتمد على الذاكرة، بالتالي فهي نسبية، وبما أن إدراكنا للوقت يعتمد على الرؤية، بالتالي فإن جزءًا كبيرًا من ذاكرتنا هو بصري.

استنتاج

من هنا وصل بيجان لأول تصور علمي منطقي حول إدراك الزمن عند الإنسان؛ فمع تقدم العمر، تتباطأ معدلات تكوين الذاكرة العصبية للدماغ البشري؛ أي أن الإنسان يحتاج للمزيد من الوقت الفعلي بين تصور كل صورة ذهنية وأخرى.

هنا، يضع الأطفال صورًا ذهنية لكل وحدة زمنية أكثر من البالغين، لذلك عندما يتذكرون الأحداث ‑أي مرور الوقت- يتذكرون المزيد من البيانات المرئية.

مفارقة الإجازة

إدراك الزمن

في عام 2005، أجرت جامعة ألمانية استقصاءً شمل 499 شخصا، طلب منهم وصْفُ شعورهم بسرعة مرور الزمن، بتعبيرات تبدأ من وصفه بأنه يمر ببطء شديد إلى وصفه بأنه يمر بسرعة شديدة.

وقد وجد فريق البحث أنه بالنسبة للفترات الزمنية القصيرة –مثل أسبوع أو شهر، أو حتى سنة- لم يَبدُ أن إحساس المشاركين بمرور الوقت يزداد بتقدم العمر، فقد كان معظم المشاركين يشعر بأن عقارب الساعة تجري بسرعة أكبر، أما بالنسبة للفترات الزمنية الطويلة، كعقد من الزمن مثلًا، فقد برز نمط محدد بين المشاركين؛ إذ كان الأشخاص الأكبر عمرًا أكثر ميلًا إلى الإحساس بأن الوقت يمر أسرع.

وعندما طُلِبَ منهم تأمل ما مضى من حياتهم، فإن المشاركين الذين تجاوزوا سن الأربعين شعروا بأن الزمن مر ببطء في طفولتهم، لكنه بعد ذلك أخذ في التسارع بانتظام خلال سنوات المراهقة حتى المراحل الأولى من النضج.

من وجهة نظر نفسية، أطلقت كلوديا هاموند، عالمة النفس، اسم مفارقة الإجازة على هذه الظاهرة، حيث يتعامل الدماغ البشري مع إدراك الزمن بشكل فريد؛ حيث يعمل دماغ الإنسان على تحويل التجارب الجديدة إلى ذكريات، ويكون حكمنا على الوقت، من المنظور الاسترجاعي، مبنيًّا على عدد الذكريات الجديدة التي نكوِّنها خلال مدة معينة.

بعبارة أخرى، كلما ازداد عدد الذكريات الجديدة التي نكوِّنها خلال إحدى الرحلات في عطلة نهاية الأسبوع، تبدو هذه الرحلة أطول عندما ننظر إليها لاحقًا.

في النهاية وللمزيد من الموضوعية، لا تزال ديناميكية إدراك الزمن عند البشر بلا تفسير قاطع، ما يعني أن ظاهرة مرور الوقت بشكل أسرع مع تقدمنا ​​في العمر ليست سوى واحدة من ألغاز الدماغ المجهولة، التي تجاوزت نظرية النسبية لأينشتاين، النقطة التي بدأنا موضوعنا بالإشارة إليها.

مصدر 1مصدر 2