منوعات

ابن زهر الإشبيلي.. وريث الطب وأعظم أطباء الأندلس | قل ودل

عرف ابن زهر الإشبيلي كأعظم الأطباء في بلاد الأندلس الذي كانت عامرة بنور العلم في ظل حكم المسلمين، والذي يعد فخر المسلمين على مر الزمان، حيث اكتشف مرض شلل البلعوم، وله العديد من المؤلفات في الطب.

إذا كنت لا تعرف عنه الكثير، فيمكنك التعرف على طبيبنا وأهم إنجازاته في السطور التالية.

من هو ابن زهر؟

هو أبو مروان عبد الملك بن زهر، يعرفه الكثير من سكان المغرب العربي باسم بالإيادي نسبة لقبيلته إياد العربية العدنانية، وهو لمن لا يعرفه يعد من أعظم الأطباء المسلمين بل وأطباء العالم في كل العصور، اشتغل بالطب وألف العديد من الكتب في الطب.

عرف في المراجع الأوربية باسمه المحرف أفنزور Avenzoar، ويشير إليه المستشرق الألماني الكبير كارل بر وكلمان في كتابه (تاريخ الآداب العربية) باسم «عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن مروان» وهو اسم والده في الواقع.

وينتمي ابن زهر إلى أسرة من الأطباء فوالده طبيب، وابنه طبيب وابنته وحفيدته كلتاهما مارس الطب (خصوصا في مجال أمراض النساء والتوليد)، عاشت أسرة بني زهر في إشبيلية وأنجبت عددًا كبيرًا من الأطباء المشهورين خلال 6 أجيال متتابعة، خلال حِقْبَة تمتد إلى حوالي 300 عام وكان من أشهر هذه الأسرة عالمنا الطبيب أبو مروان بن زهر، الذي كان مولده في (إشبيلية) سنة 486 هـ الموافق 1093 م، وهو طبيب الجيل الثالث من أسرة بني زهر.

تعليمه

درس أبو مروان بن زهر في صباه العلوم الأساسية التي كان يدرسها صِغار السن في ذلك الزمان، ويأتي في مقدمتها حفظ القرآن الكريم، والإلمام بمداخل لعلم الحديث والفقه واللغة والأدب والحساب.

وكان عادة أهل الأندلس في ذلك الوقت التعمق في دراسة العلوم بعد الانتهاء من دراسة العلوم الشرعية، لكن طبيبنا أبا مروان قرر أن يكون مختلفًا، وفاجأ أباه بأنه قرر دراسة علم واحد وهو علم الطب، وبالفعل أعطاه والده فرصة ليتفرغ لدراسة الطب، فصار هو أول من تفرغ لدراسة الطب فقط منذ الصغر مخالفًا بذلك كل العلماء الذين سبقوه في نفس زمانه.

أبو مروان بن زهر في بلاط الحاكم

ابن زهر أعظم أطباء الأندلس

بعد ما ناله طبيبنا الماهر من شهرة واسعة، كان أمرًا طبيعيًا أن يُقربه حاكم البلاد ليستفيد من علمه الزاخر، وكان الحاكم آنذاك الأمير عبد المؤمن بن علي زعيم دولة الموحدين، الذي كان يحكم بلاد الأندلس والمغرب العربي وشمال إفريقيا في ذاك الوقت.

وكان الناس ينقلون نوادر أبي مروان بن زهر في مداواته لمرضاه، وكيف كان يستخدم عقله في التوصل إلى علاج الأمراض من الطبيعة، ومن أشهر هذه النوادر اللطيفة نادرة تحكي عن مرض أصاب الحاكم عبد المؤمن بن علي، وقيل وقتها إن الحاكم كان يصرخ من شدة الألم نتيجة إصابته بإمساك شديد، وكان لا بد أن يتناول دواء يساعد على إنهاء الإمساك.

كانت المشكلة أن الأمير يكره تناول الأدوية، وكان أبو مروان بن زهر يعلم ذلك، ففكر طبيبنا في حل هذه المشكلة، حتى أنعم الله عليه بالحل وهو خلط دواء ملين بالماء الذي يسقي به شجرة العنب في حديقته، وانتظر حتى امتصت جذور الشجرة الدواء، وأصبحت العناقيد تحتوي على نسبة من العَقَار الملين، ثم قطف الثمار وقيل إنه اختار العنب لعلمه حب الأمير للعنب، وبالفعل أسرع الطبيب أبو مروان للحاكم وطلب منه تناوله وبعد أن تناول العنب انتهت حالة الإمساك.

إسهامات أبي مروان بن زهر العلمية

عدّ الطبيب العالم مروان بن زهر موسوعة علمية في عالم الطب، مارس ابن زهر مهنة الطب، وداوى المرضي واكتسب خبرة عميقة في اكتشاف الأمراض حتى إن أهل زمانه كانوا يتعجبون من قدراته على تشخيص الأمراض تشخيصًا صحيحًا، بمجرد النظر إلى المريض، أو جس نبضه، ونال شهرة عريضة تخطت شهرته بلاد الأندلس إلى المغرب العربي وإلى أوروبا، فصار التلاميذ يسعون إليه من البلاد العربية ومن البلاد الأوربية كي يتعلموا على يده مهنة الطب.

إن العالم أجمع مدين لابن زهر في الطب، فقد توصل إلى اكتشافات طبية مهمة وقيمة لم يصل لها غيره من الأطباء، كما وصف أمراضًا غير مسبوقة مثل التهاب غشاء القلب، وشلل البلعوم، والتهاب الأذن الوسطى، وأمراض التهاب القزحية، وكان جراحًا بارعًا، واهتم بالأدوية التي تقوي المناعة ونصح بمتابعة تأثير الدواء على المريض لمدة 3 أيام.

مؤلفات ابن زهر

للطبيب الجراح العديد من المؤلفات في الطب ترجم معظمها إلى اللغة اللاتينية، فكان له أثره في تقدم الطب في العالم، وأهم كتبه كتاب «التيسير في المداواة والتدبير».

أَلَّف ابن زهر كتابا يعد أحد أهم المؤلفات التعليمية في الطب في ذاك العصر، (الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجسام) حيث خاطب فيه الأطباء، وكان به شرح تفصيلي لكيفية التفرقة بين أعراض الأمراض المتشابهة.

ومن مؤلفاته أيضا كتاب (الأغذية)، الذي أهداه للأمير محمد عبد المؤمن بن علي حاكم دولة الموحدين.

آراء علماء الغرب في ابن زهر

يقول العالم (سيديو) في كتابه: «تاريخ العرب العام»: «إن العالم أجمع مدين لأبي مروان بن زهر النابغة، بتقديمه أول وصف لجراحة الجهاز التنفسي، وشروحاته الهامة في جراحة الكسور».

ويقول عنه (رام لاندو) في كتابه: «الإسلام والغرب»: «إن أبا مروان بن زهر هو حجة الطب في أوروبا، بل هو يعد أكثر العلماء تأثيرًا على أطباء أوروبا في عصره».

مروان بن زهر من أشهر أطباء الأندلس، شهد له العلماء في أرجاء المعمورة بعبقرياته واجتهاده، وصار من أكبر الأسماء في تاريخ الطب في العالم.

المرجع:

عباقرة المسلمين في الطب، نظير عبد الجابر، ص 16:3

الكاتب
  • داليا حافظ

    ماجستير في التاريخ، ليسانس آداب من جامعة القاهرة، حاصلة على دبلوم تربوي ودبلوم المعلومات والتوثيق، كاتبة في عدد من المواقع والصحف، من هوايتها القراءة والكتابة.