منوعات

الأدب بين العالمية والمحلية – مكساوي –

الأدب بين العالمية والمحلية

يثير موضوعُ “المحلية والعالمية في الأدب” نقاشاتٍ كثيرة، هي أكبر من أن تطرح في هذه الورقات، ناهيك عن الحسم فيها، وادعاء هذا الأمر هو أشبهُ بالحلول في أكثر من مكان، في الآن ذاته.

 

إنه موضوع كوسمبوليتي، يأخذك من عالم الأدب وتقاطعه مع الترجمة، إلى عوالمَ تتداخل فيها الأنا مع الآخر، وما تخلقه من نقاشات ترتبط بالاستحقاق والاعتراف، وتتجاوزه إلى ميادينَ سياسية واقتصادية وفكرية.

 

يطرح هذا الموضوع العديد من الأسئلة، من قبيل المعايير التي تجعل الأديب عالميًّا، هل هي الترجمة؟ وإذا كانت الترجمة، فعلى أي أساس يتم الترجمة لمبدع دون آخر؟ هل هي المقروئية؟ وإذا كانت بالمقروئية، فما حظ الكاتب من التوزيع والانتشار؛ لكي يحظى على الأقل بفرصة عادلة في أن يقيم نتاجه على أسس أدبية؟ هل هي الجودة؟ وإذا كانت الجودة، فما المعايير الجمالية التي يحتكم إليها؟ وهل الجوائز هي التي تحدد عالمية الأديب؟ وما نصيب الظروف الميتا -لغوية، في الارتقاء إلى العالمية؟ وما علاقة العالمية بالإعلام؟ ومتى ينتقل الأديب من المحلية إلى العالمية؟ ولماذا يحتاج أصلًا هذا الأديب إلى أن يصبح عالميًّا؟ هل العالمية غاية في حد ذاتها؟

 

هذه أسئلة وأخرى، تثبت بالملموس مدى تشعب هذا الموضوع، وإنني لا أروم من خلال هذه الورقات الإجابة عن كل هذه الأسئلة؛ لأنني أعتقد جازمًا أنها أسئلة بمثابة قضايا تحتاج عمرًا معرفيًّا أطول، ولأنني موقِن بأن المعرفة في العلوم الإنسانية نسبية، ومن هذا المبدأ حتى الجواب سيكون نسبيًّا؛ لذا تظل هذه المحاولة مجرد بسط للرؤى، كما يراها صاحبها، دون ادعاء الإحاطة بها، من كل جوانبها.

 

دعنا نتفق أولًا أن المصطلح يعتريه تشويش؛ لأن مفهوم عالمية الأدب غير محدد بدقة، فإذا كان الأدب العالمي هو: (المحصلة الكمية للآداب القومية لكافة الشعوب طوال التاريخ البشري، بصرف النظر عن المستوى الفني والجمالي لنتاجاتها)، فإن التعريف لا يعنينا هنا؛ لأننا بصدد تناول المفهوم الذي يحيل إلى انتقال الأدب من بقعة جغرافية إلى أخرى، بفعل الترجمة وتطور وسائل الاتصال، وبتعريف أدق ما نعنيه هو: (جماع النماذج الإبداعية المختارة، التي ابتدعتها البشرية بأسرها، وبهذا المعنى، فإن مفهوم الأدب العالمي لا يشمل النتاجات متوسطة القيمة أو الظواهر السطحية الشائعة في الآداب القومية، وإنما يقتصر على الآثار الإبداعية ذات القيمة الفنية والجمالية)، لكن هذا التحديد يظل قاصرًا من عدة جوانب.

 

ويطرح تساؤلات أخرى من مِثل: ما حدود العالمية؟ هل يكفي أن ينتشر المغربي في البلدان العربية، لنسميه أديبًا عالميًّا، أو يحتاج انتشارًا أكبر؟

 

لقد أصبحت العالمية عند البعض، هي أن تترجم له فرنسا أو إنجلترا أو أمريكا ليخال نفسه عالميًّا، متناسيًا أن ترجمة تلك الدول لأعمال معينة ليست بريئة، إنها تخضع لانتقائية ماهرة، مخططٍ لها بعناية، فإذا نظرنا في الكُتَّاب الذين كان لهم حظ الانتشار، ويوسمون بالعالميين في وطننا العربي، فإننا سنجد موضوعاتهم، قد خرجت عن القيم الأصيلة لمجتمعهم المحلي، أو انتهجوا أسلوبًا تحرريًّا وجريئًا، في طرقهم للمواضيع، طرق يخرم الأذواق العامة للمجتمع، ويتجاوز الخصوصية المحلية، لحد التنصل لها في بعض الأحيان؛ لذا نجد احتفاءً بهم في الخارج أكثر مما هو في الداخل، لقد أصبحت المواضيع هي التي تحدد الأدب الذي يستحق أن ينتشر من عدمه؛ لأنه لَمَّا نترجم أدبًا، فإننا نترجم مضمونه، لا أسلوبه، إلا إذا كان المترجم أديبًا، فإنه يحسُن الانتقال بين المستويات الفكرية واللسانية، لتحقيق التوازن المطلوب بين الملفوظين.

 

لقد تَمَّ تمييعُ تلك المواضيع بكثرة استهلاكها، حتى أصبحت مبتذلة، وفقدت معناها، والقول بترجمة عمل ما أدبي؛ لأنه ذو معايير جمالية عالية، لا يكون صحيحًا دومًا.

 

لا نسمِّي أدباءنا عالميين، إلا إذا انتشروا في أوروبا وأمريكا، وهذا ينبئ عن عقدة النقص التي تشعر بها الأنا، اتجاه الأنا المغايرة التي تمتلك القوة.

 

مشكلة المجتمعات المتخلفة أنها تنتظر دائمًا الاعتراف من الآخر لكي تحِسُّ بوجودها، والمفارقة أن التقدير الذي يجب أن يأتي من الذات، لا يأتي منها، بل يأتي من الآخر، وكأن وجودنا رهينٌ بكلمته، لمَّا صِرنا نجلِد ذواتنا، ونلعَن بعضنا، أصبحت كلمة الآخر كلمة عليا، ومنصفة، لو سألنا سؤالًا بسيطًا مفاده: أن أديبًا ترجم في أوربا، وآخر في إفريقيا، أيهما أفضل؟ فإني على يقين تام أن الغالبية ستقول بالذي ترجم بأوروبا، ولو لم يقرأ للأديبين أيَّ عملٍ، هذا ما يسمَّى بخطاب التصورات الجاهزة، أو الانطباعات العرضانية، التي رسختها المركزية الأوربية.

 

لقد أصبح السعيُ إلى معانقة المجد الأوروبي الشغلَ الشاغل للمبدعين هذه الأيام، يظهر ذلك في نوعية الكتابات والموضوعات التي بات يطرقها الأدباء، تقولفاتحة الطايب نقلًا عن كيليطو: “اشتدت شكوى الكُتَّاب العرب من إهمال الغرب للأدب العربي في ظل ازدياد رغبتهم في الظهور في مرآة الآخر، وفي هذا السياق، يرى كيليطو استنادًا إلى شكوى كاتبة عربية من قلة اهتمام الفرنسيين بالأدب العربي، خلال مائدة مستديرة حضرها بباريس، أن الأمر يتعلق في العمق بحكاية حب غير متبادل، قصة غيظ غرامي: العرب مفتتنون بالفَرَنسيين، لكن هؤلاء لا يأبهون بهم، العرب يعطون لكن بلا مقابل، مما ذكره بخطاب تراجيديات راسين: عملت كل شيء من أجلك، لكنك ترفضني وتشيح بوجهك عني)[1].

 

مسألة أخرى ينبغي التطرق إليها؛ وهي مسألة الانتشار، نعلم أن كثيرًا من الأدباء، كُتب لهم الانتشار؛ لأنهم إما كانوا كُتَّابًا ارتبطوا بأحزاب معينة سهلت من مهمة تصعيدهم، بفعل استفادتهم من تسهيلات النشر، والطبع، والتوزيع، فضلًا عن استفادتهم من الظهور الإعلامي، وكذا تمكينهم من النشر في الملاحق الثقافية.

 

هذا الذيوع المحلي مكَّنهم من الانتشار الإقليمي، فالأوروبي؛ لذا يجب التعاطي مع مفهوم “الأديب العالمي” دومًا بحذر بالغ؛ لأنه في المقابل يوجد أدباء لم ينالوا حظَّ الاهتمام، مع أحقيتهم وطليعتهم، وفنيتهم العالية، وما يزكي هذا الأمر هو الاهتمام البالغ لنفس الأدباء بعد وفاتهم، إننا بهذه العملية نميت الأحياء، ونحيي الأموات، يقول الكاتب والفنان التشكيلي “مسينيسه تيبلالي” في نفس الصدد: “تناول موضوع الرواية العالمية والمعايير الأسلوبية والآليات التي من خلالها تُقاس عالميةُ نصٍّ من النصوص الأدبية، في ظاهره واضح نسبيًّا، بل مقنِّن ومُتعارف عليه إلى حدٍّ ما، بيد أن باطنه أعقد من أن يُحصر في بضع نِقاط سنتناولها بإيجاز أسفله، بل سرعان ما تنقلب الأسئلة الأدبية استفهامات فلسفية، وجودية وإستاطيقية بالأساس، تُسائل المُهتم في ماهية الجمال وإشكاليات الذوق وهل تصح أصلًا مناهج المقارنة عندما يتعلِّق الأمر بالإبداع؟ فأما ظاهر الموضوع، فإن النَّص الروائي في أيامنا هذه، يَتَسمَّى بالعالمي إذا ما تحقَّق له ما يلي: الترجمة إلى اللغات العالمية الحية، سعة معينة من الانتشار، ومنه حجم المبيعات الذي يتيح حضوره في الوسائط الأدبية، الحصول على الجوائز المرموقة ذائعة الصيت، وكذا الاحتفاء الذي وجب أن يحظى به النص لدى المجتمع الأدبي العالمي، فأما باطنه، فأعقد بأشواط، ولعلنا سنكتفي هنا بطرح أربع إشكالات قد تُعرِّض للشُّبهات المفاهيم المتفقة عليها حول عالمية النَّص من عدمها: المسافة الفاصلة بين الكِتاب والكَاتب نظريًّا، نشأة أي عمل إبداعي، في جُلِّ المدارس الفنية، مُقترنٍ اقترانًا وطيدًا بما يُتفَق عليه اصطلاحًا بـ“l’état d’ame”، والذي يأخذ بعين الاعتبار مِزاج المبدع أثناء عملية إنتاجه، وكذا مشاعره وحالته الروحية، سواء في وعيه أو لا وعيه؛ لذا ليس من الغريب أن تتفاوت نوعية نصوص وإنتاجات نفس المؤلف، في حين أن عالمية النص غالبًا ما تتقيد أساسًا بشخص الكاتب دون نصه، ولأختصر، أستحضر هنا كلامًا قاله لي شخصيًّا الكاتب الفرنكولبناني أمين معلوف عندما سألته: كيف حزت جائزة الغونكور عن رواية (صخرة طانيوس) على كونها لم تعد يومًا ذروة إنتاجاتك؟ قال: سمرقند وليون الإفريقي قد يكونان أقوى أدبيًّا، لكن المؤلف وقتذاك لا زال مغمورًا نسبيًّا.

 

موضة المدارس والألوان الأدبية: ليس من الغريب أن تُتَوَّج بجائزة نوبل لسنين طوال منتصف القرن الماضي نصوصٌ أدبية ذاتُ نزعة وجودية، كما لم يستغرب أحد بلوغ القصائد السيريانية دون غيرها منابر العالمية في فترة مبكرة من ذات القرن، نفس الشيء نعيشه مع جوائز معاصرة، البوكر مثلًا التي توجت لسنوات عدة الرواية التاريخية… تلك هي موضة المدارس الفنية، تظهر وتفرض نفسها وتبلغ العالمية لمدة معينة، ولأسباب بالإمكان استقصاؤها، ثم تضمَحِلُّ تاركة المنبر لمدارسَ وتيارات أخرى… فهل آليات قياس عالمية النصوص تأخذ بعين الاعتبار (الموضة)، التي لها صلاحية محدودة زمنيًّا؟

 

المسافة الزمكانية بين القارئ والنص: لربما كانت هذه النقطة تتمَّة للتي سبقتها، ولو طُبِّقت لنسفت معظم نصوص (الموضة) التي تسمَّت يومًا ما بالعالمية، ونقصد بالمسافة الزمكانية بين القارئ والنص أن يُؤخذ بعين الاعتبار عاملا الوقت والمكان، فوجب ألَّا يسمى النص نصًّا عالميًّا إلا إذا صمد لفترة معينة في الزمن، مع مراعاة انتشاره مكانيًّا طوال تلك الفترة… اختصارًا: قد لا يمكن الحكم على عالمية نص من النصوص إلا لاحقًا.

 

الأصالة: رسميًّا وبرتوكوليًّا، الأصالة عامل مهم للحكم على نص ما، سواء ترشح للنشر، أو لجائزة ما، فما بالك ليتسمى عالميًّا، وقد جعله الفنان الإسباني الشهير سلفادور دالي في أعلى الجدول الذي رسمه يلخص من خلاله معاييره الشخصية للحكم على عمل إبداعي ما (وذلك في سيرته الشخصية المثيرة للجدل: يوميات عبقري)، ولكن الواقع شيء آخر، وشتان بين التنظير والتطبيق، فقياس أصالة النصوص تقريبًا ضربٌ من ضروب المثالية الأفلاطونية، وهذا بشهادة كُبْرَيَاتِ المؤسسات والمنظمات التي تشتغل في حماية حقوق المؤلف على شاكلة كوبيرايت؛ إذْ لم يهتدوا أبدًا للوصفة المثلى التي تتيح قياس أصالة الإبداع، نصوصًا متكاملة كانت أو أفكارًا طائشة، بين هذا وذاك، وجب التذكير بعامل لطالما صلَح في كل زمان ومكان: السياسة… ما من نصٍّ نال شهرة واسعة إلا وتناغم مع سياسات قائمة أثبتت سطوتها[2].

 

عودة إلى فاتحة الطايب التي تذكر أنه: (لا شك أن غونزاليس محق، وهو يتهم المترجمين بالمساهمة في تكريس هامشية الأدب العربي من خلال تجاهل الروايات القوية عن جهل في غالب الأحيان، واختيار روايات لا تقوى على المنافسة بدافع المجاملة أو لتحقيق مصالح شخصية، ناهيك عن إنجاز ترجمات تضعف الأصل، إلا أن المتأمل في حركة ترجمة الرواية العربية سيستغرب، ولا شك، وهو يلاحظ أن حظَّ بعض الروايات القوية التي استطاعت تحقيق أرقام مبيعات محترمة – كما هو الشأن مثلًا بالنسبة لروايات صنع الله إبراهيم، وإلياس خوري، وإبراهيم أصلان وغيرهم – ليس أحسن حالًا)[3].

 

لا أعتقد بوجود أديب عالمي، وصل إلى العالمية دون أن يتخذ المحلية جسرَ عبورٍ، تخوِّل له السفر بجوازٍ عابر للقارات، كما حدث مع محمود درويش، غابرييل ماركيز غارسيا، باولو كويلو، داستايفسكي، وآخرين…

 

لكن هنا أستحضر مفارقة غريبة قلما تحدث، وهي واقعة محمد شكري، الأديب الثائر، صاحب “الخبز الحافي” و”زمن الأخطاء”، الذي عرَّج مباشرة إلى العالمية، ليعود إلى المحلية من الباب الضيق.

إن الآخر ينتظر منا أن نريَه صورتنا ونسمعه صوتنا، لا أن نردد نسخه التي يراها كل يوم، لقد ملَّ منها لحد السَّأم، إن الجمال موجود في الاختلاف، خصوصًا إذا كان عبارة عن أدب يحفِل بمقومات جمالية، تجعله ينتشر.

 

يقول الكاتب “أحمد دلباني في جوابه عن سؤال العالمية: (في اعتقادي أن سؤال العالمية لا ينفك عن السؤال حول مكانة الخصوصيات الثقافية التي تجد نفسها مهدَّدة وواقعة تحت سنابك العولمة اليوم، وبطبيعة الحال يمثل الأدب وجهًا بارزًا من أوجه الخصوصية الإبداعية لكل ثقافة في محاولتها التعبير عن الكينونة والإنسان، وتوقها الحارق إلى المعنى والجمال، هذا ما يجعل الأدب في قلب المعركة من أجل تصدُّر واجهة الحديث باسم الإنسان من خلال التفاصيل المحلية الحبلى بالأسئلة، فنحن لا نذهب من العالم إلى البيت، وإنما نخرج من بيتنا إلى العالم؛ كما كان يعبر الراحل محمود درويش، ولكن ما الذي يبوأ خصوصية ثقافية ومحلية معينة مكانة عالمية ويفرضها باعتبارها قيمة مرجعية في الفن والجمال ويمنحها سلطة التعبير عن الإنسان في المطلق؟)[4].

 

أما الكاتب الجزائريمولود بن زادي”، والمقيم في بريطانيا فيتحدد موقفه من العالمية، فيما يلي:
(يعتقد كثيرون في وطننا العربي أنه في وُسْعِ الكاتب الارتقاء إلى مِنصة العالمية من خلال شهرته الوطنية أو الإقليمية ومشاركاته في الندوات الأدبية والمهرجانات الثقافية الدولية، ويظنون أن العالمية تتحقق بالفوز بالجوائز الأدبية، فنراهم يتهافتون عليها، ويَخالون العالمية تعني ترجمة المؤلفات إلى لغات أجنبية، فنراهم يصرفون أموالًا طائلة لتحقيق ذلك، وكلها تصورات خاطئة تنُمُّ عن عدم فهم معنى العالمية فهمًا صحيحًا؛ ففوزك بجائزة لا يميزك عن ملايين الفائزين قبلك وبعدك، وترجمة روايتك إلى اللغة الصينية لا يعني بالضرورة قراءة الصيني لها في عالم يعِجُّ بالمؤلفات، وإلا كيف نفسر عدم رواج الأعمال العربية والفرانكفونية المترجمة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية على سبيل المثال.

 

لقد نجح الكاتب العربي والفرانكفوني في إحداث ضجة ودعاية، وأفلح في خطف أنظار الجماهير من حوله، في مجتمعات تهيمن عليها السذاجة والذاتية، لكنه في الواقع فشل في تحقيق العالمية.

إذا أردت تقييم عالمية أي كاتب، ما عليك إلا أن تزور أعظم مدينة في العالم لندن، التي يحط فيها كل أجناس الدنيا، جُبْ أحياءها وشوارعها، وزُرْ معاهدها وجامعاتها، واسأل مثقفيها عن أي اسم شئت ممن تعتقد أنهم بلغوا العالمية، وستعرف مثلما أعرف أنا حق المعرفة أن هذه شهرة مزوَّرة لا تتعدى حدود الوطن العربي، أقول ذلك بكل أسف.

 

في تقديري، لن تتحقق العالمية إلا بوصول اقتباساتنا وأفكارنا ومواقفنا وتأثيراتنا إلى قلوب الجماهير الواسعة في العال، وستدرك أنك عالمي عندما ترى العالم يهتم بكتابك، ويستشهد بقولك، ويشيد باسمك على منوال غابرييل غارسيا ماركيز.

 

لن تفرض نفوذك عالميًّا بمحاكاتك إنجازاتِ غيرك، ولا بفوزك بالجائزة العالمية للرواية العربية، ولا بجائزة غونكور، ولا بترجمة أعمالك إلى كل لغات الدنيا، ولا بمشاركاتك الدائمة في الندوات والمؤتمرات الدولية، في مشاهد ترضخ لهيمنتك، وإنما بانفرادك بشخصيتك وأسلوبك وأفكارك واقتباساتك القادرة على الانتشار ولفت اهتمام الجماهير في أرجاء الدنيا، والسفر إلى الأجيال الآتية)[5].

 

ختامًا لكل ما سبق، أود القول: إن عالمية الأدب ليست ترجمة، أو انتشارًا جغرافيًّا، بل هي أكبر من ذلك، إن مفهوم “العالمية” ينبغي أن يتحدد من خلال الجودة، الجودة هي الوحيدة التي من بإمكانها أن تجعل من الأدب عالميًّا، سواء تُرجم العمل أم لا، وسواء انتشر أم لا، والزمن هو الكفيل بتبيين قيمة العمل.

 

فكما يقول الدكتور “محمد التعمرتي”، الأستاذ المحاضر بجامعة محمد الخامس: (ما هو مستمر في الزمان والمكان، يثبت صدقيته)؛ بمعنى: توافره على مقومات جمالية تجعله يمتد في الزمن.


[1] فاتحة الطايب، الأدب العربي والأدب العالمي:

https://ribatalkoutoub.com/?p=3264

[2] حكيم مالك، الأدب المحلي والعربي نحو العالمية: إرهاصات، رهانات وهواجس:

https://elwassat.dz/

[3] فاتحة الطايب، الأدب العربي والأدب العالمي:

https://ribatalkoutoub.com/?p=3264

[4] حكيم مالك، الأدب المحلي والعربي نحو العالمية: إرهاصات، رهانات وهواجس:

https://elwassat.dz/

[5] حكيم مالك، الأدب المحلي والعربي نحو العالمية: إرهاصات، رهانات وهواجس:

https://elwassat.dz/