منوعات

حاشية البنجويني على رسالة آداب البحث والمناظرة للكلنبوي

حاشية البنجويني

على رسالة آداب البحث والمناظرة للكلنبوي

 

صدر حديثًا “حاشية البنجويني على رسالة آداب البحث والمناظرة للكلنبوي“، مع تعليقات مجموعة من الأفاضل، تأليف: “عبد الرحمن البنجويني” (ت 1319 هـ)، حققه وعلق عليه: أ.د. “محمد ذنون يونس الفتحي”، نشر “دار الرياحين” بالتعاون مع “مشروع النبراس العلمي- دولة الكويت“.

 

 

وهي حاشية هامة وضعها العالم الكردي “عبدالرحمن البنجويني” على رسالة هامة في “آداب البحث والمناظرة” لإسماعيل بن مصطفى المعروف بشيخ زاده الكلنبوي (ت 1205 هـ).

حيث كان فن البحث والمناظرة وما يقتضيه من آداب منهجية يعد من المباحث العلمية التي اهتم بها علماء الإسلام قديمًا وحديثًا، وتعمقوا فيها ومارسوها نظريًا وعلميًا، فلابد لطالب العلم أن يعرف آداب المناظرة وأصولها وضوابطها الشرعية، وأن يحذر من آفاتها ومنزلقاتها النفسية، لتكون ثمرة مناظرته تحقيق الإخلاص لله، والاستعانة به، والبعد عن حظ النفس وهواها، وكانت رسالة “الفاضل الكلنبوي” في الآداب بمثابة واسطة العقد في آداب فن المناظرة وآدابها، جامعة لأغلب مسائل هذا الفن، ولشهرتها كانت من المناهج الدراسية المقررة في بعض ربوع بلداننا العربية، وتتميز رسالته بوجازة ألفاظها مع كليات معانيها، جمع في رسالته غرر هذا الفن وقواعده، وحوى فرائد مسائله وفوائده، وقد كثرت تعليقات السادة العلماء على متنه، وإيراد الحواشي عليه، فممن علق عليه وشرح مراد عباراته:

العلامة حسن باشا زادة.

العلامة عبدالرحمن البنجويني.

العلامة عمر القره داغي.

العلامة مصطفى صبري.

العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد.

العلامة عبد الرحمن حسن حبنكة.

وقد تناول الإمام “الكلنبوي” في كتابه كل ما يتعلق بالأخلاقيات التي يجب أن يتخلق بها طالب العلم أثناء المناظرة، مع الاعتناء بالأمثلة الواقعية، والنماذج التطبيقية، والتنبيه على بعض طرق الجدل والمناظرة في بيان قوادح العلة، وأثرها في إبطال الدليل، مع حصر أغلب الآفات التي تعرض لطالب المناظرة وتحيد بها عن هدفها المرجوّ.

والكلنبوي من العلماء الموسوعيين، يقول الأستاذ “محمد زاهد الكرثري” في ترجمته:

“ممن جمع إلى علم الدين معارف عصره من الرياضيات والطبيعيات، في أوائل القرن الهجري المنصرم العلامة “إسماعيل الكلنبوي” صاحب المؤلفات الممتعة في المنطق وآداب المناظرة وعلم أصول الدين والجبر والحساب والهندسة ونحوها من العلوم. وقد لقيت مؤلفاته الشهرة البالغة والطيران الحثيث في الأقطار”.

والكلنبوي هو إسماعيل بن مصطفى بن محمود الكلنبوي (1730- 1790) فقيه وعالم رياضيات عثماني وأستاذ الهندسة في الكلية البحرية في إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية.

ولد في عام 1730 م في بلدة جيلينبي بالقرب من مانيسا، ودرس في اسطنبول حيث ترقى من خلال نظام الامتحانات العثماني إلى رتبة “مدرس” وهي رتبة الأستاذية، في سن الثالثة والثلاثين.

تم تعيينه كأستاذ في الرياضيات في الكلية البحرية الجديدة في قاسم باشا في منطقة “القرن الذهبي” في إسطنبول، بناء على طلب من الصدر الأعظم خليل حامد باشا (1782-1785)، ومن قائد الاسطول البحرية العثماني آنذاك حسن باشا جزايرلي (1717-1790)، حيث عمل مع مصلحين عثمانيين آخرين مثل المهندس العسكري الفرنسي الهنغاري والأرستقراطي “فرانسوا بارون دي توت”. وقد حصل الكلنبوي على جائزة من السلطان سليم الثالث عن حساباته الباليستية الدقيقة للغاية.

نشر الكلنبوي خمس وثلاثون مقالة علمية وله الفضل في إدخال اللوغاريتمات في تركيا.

ومما يدل على براعته في العلوم الرياضية أن مهندسًا فرنسيًا حضر إلى العاصمة إسطنبول وقابل وزير الخارجية رئيس الكتاب متسائلًا عما إذا كان في عاصمة العثمانيين من يجيد العلوم الرياضية ويفهم هذا؛ مشيرًا إلى جدول قدمه في )اللغاريتمة(، فأحال وزير الخارجية ذلك المهندس إلى الكلنبوي وبعثه إلى بيته، ولما رأى المهندس الفرنسي الشيخ وملابسه وحالة بيته اعتقد أنه لم يلق ما ينشده، ومع ذلك ترك الجدول عند الشيخ، وطلب منه أن يجاوبه ليوم عينه، ولما ذهب إليه في الميعاد المحدد وجد الشيخ ألف رسالة ممتعة في )اللغاريتمة( في مقالتين بغاية من الإجادة والتوسع، فتحير المهندس غاية التحير لكون إيجاد جداول )اللغاريتمة( في أوروبا قريب العهد إذ ذاك، وقال لوزير الخارجية:(لو كان هذا العالم في بلادنا لكانت قيمته بقدر وزنه ذهبًا(، ثم طلب من الوزير أن يسمح له في أخذ صورة الأستاذ الكلنبوي، فدعوه إلى الوزارة فلما رأوا ملابسه وجدوها غير صالحة فترعوها وألبسوه فروة من طراز ما كان يلبسه وزراء ذلك العهد، فرسم المهندس صورة الكلنبوي من غير أن يمكنوه من الامتناع، ثم نزع الفروة ونظر إلى الصورة قائلًا: )الحمد ﷲ رأيت نفسي لابس فروة( وكان ذلك سنة 1201 هـ.

وفي عهد السلطان سليم الثالث استعرض الجيش في )كاغدخانة( في الآستانة تحت رعاية جلالة الملك، وأجري هناك تمرينات حربية، ثم أطلقت مدافع إلى هدف معين، لكن القنابل المرمية طاشت عن المرمى ولم تصب الهدف، فغضب جلالة الملك من الخطأ في حساب قوة المدفع، وبعد المرمى مع الغلط في توجيه المدفع، ولم تكن كيفية إطلاق المدافع إذ ذاك وصلت إلى ما وصلت إليه من التمام والكمال، فذكر أحد الأمناء عند جلالته مبلغ براعة الكلنبوي في الحسابات الدقيقة والأمور الميكانيكية، فأحضروه وأمره الملك أن يعدل وضع المدافع، فقام الكلنبوي بحساب قوة المدفع وثقل القنبلة وبعد الهدف، وأتم تعديل وضع المدفع على وفق ذلك، ثم أمر بإطلاقه إلى الهدف، فأصابت الطلقات كلها على التعاقب، تحت تصفيق ألوف من المشاهدين، فلقي عمله هذا الاستحسان العظيم عند جلالة الملك، فصدر الأمر الملكي الكريم بتخصيص اثني عشر رطلًا من الأرز تصرف كل يوم إلى الأستاذ وذريته مدى الدهر، ولم يزل أحفاده يتقاضون هذا المقدار من الأرز.

قال الكوثري في ترجمته للكلنبوي:

وللكلنبوي من المؤلفات سوى رسالتيه في )اللغاريتمة( حاشيته الكبيرة على )شرح العضدية( للدواني في أصول الدين. وكان كتابه هذا في عداد كتب الدراسة يعتني بدرسه غاية الاعتناء وفيه من التحقيقات ما لا تغنى عنه كتب المتقدمين، و له أيضًا )حاشية على كتاب أبي الفتح في تهذيب المنطق( و)حاشية عظيمة على كتاب أبي الفتح أيضًا في الآداب(، ولهما المترلة العليا عند العلماء باعتبار أنهما تعلما طرق التصرف في العلوم وتدربا على وجوه الانتباه والتيقظ للأجوبة المرضية عند النقاد عن الأسئلة الدقيقة في الفنون، وهذان الكتابان يمثلان خير تمثيل – باستطراداتهما في العلوم ما كان عليه علماء تلك البلاد من الغوص في عبارات أهل العلم واستقاء المعاني الدقيقة من مطاوي تلك العبارات على طبق العلوم التي يدرب عليها الطلاب، فالطالب الذي أتم درس الفنون ثم تمرن على ما في الكتابين من طرق الفهم ووجوه الأخذ والرد في العلوم يكون على ثقة من النجاح الباهر في امتحان العالمية الكبرى، وهما مثالان متجسدان يفيدان طريق المناقشات في العلم في تلك البلاد. ومن مؤلفات الكلنبوي أيضًا )تعليقه على الفوائد الضيائية للجامي( و)شرح الأثرية في المنطق)، و)البرهان( وهو كتاب مهذب بديع في المنطق الصوري، و)مفتاح باب الموجهات( المعروف برسالة الإمكان، وكان هذا في عداد كتب الدراسة كالبرهان هناك، و)آداب المناظرة) و)رسائل الامتحان)و)تعيين القبلة) و)أضلاع المثلثات) و)حاشية كبرى على شرح الهداية الأثيرية في الحكمة.(وتلك الكتب كلها مطبوعة.وله أيضًا )العمل بالربع المجيب) و)كسورات الحساب( في الكسورات وسائر الأعمال المهمة في الحساب ومسائل الجبر، و)الحاشية عبد الحكيم السيلكوتي على شرح السعد للعقائد النسفية( والأخيران بدار الكتب العامة بميدان بايزيد في الآستانة، كما أن )حاشيته على أبي الفتح في الآداب( موجودة بها بخطه رحمه اﷲ “.

أما صاحب الحاشية فهو العلامة عبدالرحمن البنجويني (ت 1318 هـ = 1900 م) من لواء السليمانية بالعراق، طبع له بعد وفاته:

حاشيته على رسالة الآداب، القاهرة، 1353 هـ.

حاشية على كتاب البرهان (في المنطق).