منوعات

رسالة إلى الوالدين – مكساوي –

رسالة إلى الوالدين

رسالة إلى كل أبٍ وأمٍّ، إلى مَن أَولاه الله تربيةَ الأجيال، وصناعة الفتية والفتيات، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، حتى يُخرجا لنا إنسانًا قادرًا على حسن المسيرة في هذه الحياة، صالحًا في نفسه وجسده وعلاقاته.

 

أبعث لكما رسالتي هذه وكلي أملٌ أن تصل إلى قلوبكما وسمعكما وجوارحكما، فأنتما صنَّاع الحياة والمجتمع والوطن، قال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”؛ رواه البخاري.

 

قال الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى -: (الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأُهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه، وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملًا، وإنما يكمل ويقوى بالغذاء، فكذلك النفس تُخلق ناقصةً قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم)؛ إحياء علوم الدين (3 /72).

 

أيها الأبوان الكريمان، تُعد البيئة من أهم الأسباب التي تمهِّد للطفل سبيل الحياة الذي يسلكه، فإما أن تجعله سليمًا صالحًا، وإما معوجًا شاذًّا، والبيئة لها أثر واضح في تكوين نفسية الطفل، فإن كانت بيئته صالحة سليمة قويمة، فإن الطفل ينشأ ونفسه قوية، بعيدة كل البعد عن التعرض للإصابة بالمشكلات التربوية والأمراض النفسية.

 

أخي الأب، أختي الأم، الطفل في حال صغره يكون قلبه كالعود الرطب، توجِّهه حيثما أردت، فإذا كبرتْ سنُّه جفَّ هذا العود وبقِي على ما وجِهتهُ عليه، فالصغير يتأثر بأي كلام يَصدر إليه، سواء كان كلامًا عاطفيًّا، أو كلامًا جارحًا.

 

وتظهر آثار تصرفات الطفل بحسب بيئته التي عاش فيها، فإذا رأيت الطفل هادئًا أو لديه بعض التصرفات الجميلة، فالغالب أنه قد اكتسَبها ممن حوله من أبيه وأمه وأخوته وأقاربه.

وإن رأيتَ الطفل لديه بعض التصرفات الخاطئة والغريبة، فهذا بسبب ما يواجه من أخطاء في التربية السلوكية، أو مِن عُقَدٍ نفسية يعاني منها، وهذه العقد إن تمكَّنت من نفس الطفل أو الصبي، فإن علاجها صعب جدًّا، وأكبر عوامل حصولها هي: التحطيم، والاستحقار، وتهشيم الذات والقدرات.

 

إن بعض الأطفال حينما يعانون من هذه الأمور، تتغيَّر أطباعهم وأخلاقهم وسجاياهم، فتظهر فيهم الشكاسة، والشراسة، والشناءة، أو يكون الطفل انطوائيًّا على نفسه، مصابًا بالرهاب الاجتماعي، فتهتزُّ ثقته بنفسه، ويتدنى مستوى تحصيله الدراسي وغيرها من الآثار.

 

فإلى كلِّ مَن حمَّله الله أمانة تربية الأجيال، انتبهوا من مدمرات شخصية الطفل، وأقصِد بها كل سلوك سلبي يقوم به المربي تجاه الطفل، فتكون سببًا في تعثُّره نفسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا.

 

وهي كثيرة؛ منها: الإهمال والضرب والنقد والاستهزاء، وتصوُّر الكمال والحرمان والتهديد والتوقعات السلبية والحماية الزائدة، وغيرها، وبإذن الله في المقالات القادمة سأتحدث عن أقوى مدمرات في نظري لها أثرٌ كبير على شخصية الطفل.

 

أسأل الله أن يُصلح لنا أنفسَنا وأزواجَنا، وأولادنا وذرياتنا، وأن يباركَ لنا في أعمالنا وفي أموالنا وفي بلادنا، وأن ينشُر السعادة في كل بيت، وصلى الله على سيدنا محمد.