منوعات

عاشروهن بالمعروف؟ وإن لم توجد المودة والحب “ما يغفل عنه الأزواج”

عاشروهن بالمعروف؟

وإن لم توجد المودة والحب

“ما يغفُل عنه الأزواج”

هذه قضية يجب أن يتنبه لها المسلمون جميعًا؛ كيلا يُخربوا البيوت.

إن الكثير من المسلمين يريدون أن يبنوا البيوت على المودة والحب فقط، ومن هنا تنبَع المشكلات الأسرية وتتفاقم؛ فالزوج يريد زوجة تحقق له كل متطلبات الحيات الزوجية بأبعادها الخيالية الرومانسية، وهذا لن يكون في الواقع الذي أراده الله لنا في الدنيا، فهي دارُ اختبار وابتلاء، لا دار نعيم مقيم.

 

وكذا يفكر الكثير من الشباب ويبحث في الدنيا عن هذه الأحلام والخيالات ليختار شريكة حياته، فلا يجدها.

 

لقد قابلت الكثير من هذا الصِّنف من الشباب، الذين قد كبُر عمرهم، وخارت قوتهم؛ بحثًا عن هذا الخيال وهذه الأحلام، وقد فقدوا الأمل في الوصول إلى ذلك.

 

كما قابلت كثيرًا من الأزواج الذين تزوجوا تحت هذا الوهم، فكان خراب بيوتهم سريعًا بأيديهم وبفكرهم غير الواقعي، فلم يستطيعوا التكيف والتعامل مع زوجاتهم، فما كان منهم إلا أن يلعنوا الطرف الآخر، ويعلِّقوا سبب فشلهم عليهم.

 

وهناك من تزوَّج تحت هذا الوهم وحاوَل الاستمرار في زواجه، مطالبًا زوجته بتحقيق هذا الوهم بالضغط عليها ومعاملتها معاملة سيئة؛ ما سبب لها الأذى الكبير، فجعلها كالمعلَّقة.

 

وهناك من عدَّد زوجاته؛ بغية الوصول إلى وهمه، مما زاد من مشكلات حياته.

 

وهناك من تقلَّب في الزواج والطلاق أيضًا؛ بغية أن يصل إلى حلمه؛ فأرهق نفسه وغيرَه معه.

 

هذا واقع شاهدته بكثرة في حياة الأسر المسلمة، إنها مشكلة مُسْتَشْرِيةٌ تؤرق المجتمع المسلم، ولكن ما الحل لذلك؟

إن الحل وضعه رب هذا الكون وخالقه ومدبره؛ ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

 

قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

هذا هو الحل – أيها المسلم – إن كنت تؤمن بالله.

 

فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، واحتمال الأذى منها، والحلم عن طيشها وغضبها، ومن آداب المعاشرة – أيضًا – أن يزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة والمزح والملاعبة، فطيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، وينبغي لكم – أيها الأزواج – أن تُمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا؛ من ذلك امتثال أمر الله، وقَبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة، ومنها أن إجباره نفسَه – مع عدم محبته لها – فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة، وربما تزول الكراهة، وتخلُفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك، وربما رُزق منها ولدًا صالحًا، نفع والديه في الدنيا والآخرة.

 

ثم ختم سبحانه الآية الكريمة ببيان أنه لا يصح للرجال أن يسترسلوا في كراهية النساء، إن عَرَضَتْ لهم أسباب الكراهية، بل عليهم أن يُغلِّبوا النظر إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكاره؛ فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

فالآية الكريمة ترشد إلى حِكَمٍ عظيمة؛ منها: إن على العاقل أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها، لا من ناحية واحدة منها، وهي ناحية البغض والحب، وأن ينظر في العلاقة التي بينه وبين زوجه بعين العقل والمصلحة المشتركة، لا بعين الهوى، وأن يحكِّم دينه وضميره قبل أن يحكِّم عاطفته ووجدانه، فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير، وأحبت ما هو بضد ذلك، وربما يكون الشيء الذي كرهته اليوم، ولكنك لم تسترسل في كراهيته سيجعل الله فيه خيرًا كثيرًا في المستقبل؛ قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفرُكُ مؤمن مؤمنة، إن كرِه منها خُلُقًا رضيَ منها آخر))؛ أي: لا يبغضها بغضًا كليًّا يحمله على فراقها؛ أي: لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب، والفَرْكُ: البغض الكلي الذي تُنسى معه كل المحاسن.

 

فالإسلام ينظر إلى البيت المسلم بوصفه سكنًا وأمنًا وسلامًا، ويقول للأزواج: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؛ أي: تمسكوا بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة.

 

فجعل الإسلام لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عُرْضَةً لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك.