منوعات

عن كتاب فن الترجمة والتعريب – تبيان

منذ سنوات وأنا أعمل على المساهمة في المحتوى العربي بمنصات مختلفة، منها ويكيبيديا وأكاديمية خان وتيد وغيرها، وقد التفتَ نظري في هذه المساهمات منها إلى مشكلةٍ كارثية لمستقبل المحتوى العربي: وهي ازدياده المطّرد كثرةً وتدهورهُ نوعًا. دفعتني هذه الحال إلى البدء بكتابة مقال إرشادي يساعد المترجمين في تلافي الأخطاء التي كثيرًا ما يواجهونها، وسرعان ما تحول هذا العمل إلى مشروع مُضنٍ استغرق نحو ألف ساعة في البحث والكتابة والتحرير، وحصد نتائجه في اليوم العالمي للغة العربية بعد نشره بعنوان “فن الترجمة والتعريب”. الكتاب منشور مجانًا على موقع “أكاديمية حسوب” ويمكن تحميله خلال لحظات.

نبذة عن الكتاب

كتاب “فن الترجمة والتعريب” هو دليلٌ أكاديمي فريدٌ من نوعه يتخصَّص في موضوع الترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية، وفي الطرق السليمة بالتعريب وفي حلّ مختلف المعضلات التي تكتنف المُعرِّب والمترجم في مهنته. وهو مُوجَّه إجمالًا نحو المترجمين الجدد وقليلي الخبرة الراغبين بتطوير مهاراتهم في هذا المجال وفي إفادة لغتهم وثقافتهم، ولو أنه قد يفيد أي مهتم بالترجمة. يغصّ بأمثلة عملية عن طريقة التعريب الأمثل وعن ضوابطها وقواعدها العامة، ويُقدِّم نصائح لكيفية التعامل معها مدعومة بأكثر من 600 استشهاد أكاديميّ مُحكَّم في مختلف مواضع الكتاب.

ممَّا يُميِّز هذا الكتاب هو الزاوية التي يفتتح بها موضوع الترجمة، والتي يحاول فيها أن يعطي المترجم لمحةً عن قضية جوهرية تحكمُ مهنته وأسلوبه في العمل. إذ يُفكِّر الناس بالترجمة وكأنها أمر مُسلَّم به، إذ يفترضون أن كل نص يمكن ترجمته إلى أي لغةٍ في العالم طالما يتوفر بعض المال وشخص يعرف هذه اللغة ليكون مترجمًا، لكن الفصل الأول (بعنوان: “عن اللغة”) يُشكِّك بهذا الأمر برمّته، فهو يطرحُ تساؤلًا كبيرًا من وجهة نظر علم اللسانيات وما جرى فيه من أبحاث مُوسَّعة خلال المئة عام الماضية: فهل ترجمة المعاني بين لغتين من لغات الإنسان أمر سهل فعلًا؟

بعد هذه المُقدِّمة التي توضِّح طبيعة مهنة الترجمة وجانب “الفنّ” الذي يتطلَّبه العمل فيها، يتناول الكتاب -بأسلوب قصصي- تاريخ دراسة الترجمة ونقدها، بدءًا بتاريخ متعمّق لتجربة الحضارة العربية الإسلامية في الترجمة على مرّ العصور، والتي يُقَال أنها أغدقت على هذه الحرفة “وزن الكتب ذهبًا” (ولو أن كثيرًا من الباحثين يشيرون إلى أن هذا تهويلٌ لما كان ثمنًا بالفضة، لا بالذهب). تساعد هذه الخلفية المترجم العربي المعاصر في ربط عمله مع تراث من سبقوه من مترجمين انكبّوا على النقل إلى اللغة نفسها ومروا بكثير من المسائل نفسها التي يمر بها.

وقد شغل هؤلاء المترجمين العرب (واليونان والصينيين وجميع مترجمي العالم) خلاف واحد كبير منذ الأزل في طريقة الترجمة، وهو الخلاف بين “الترجمة بحرفية” و”الترجمة بتصرف”. فهل الأولى بالمترجم أن ينقل النص الأصليَّ كلمةً كلمة (من باب “الأمانة”) أم الأجدر به يتصرَّف في الكلام الأجنبي كي يغدو عربيًا في روحه وأسلوبه؟ قد يظن البعض أن لهذا السؤال جوابًا صحيحًا وآخر خاطئًا، لكن للأكاديميين والباحثين إجابات كثيرة بهذا الخصوص، يختزلها الكتاب في شرح مُبسَّط لأهم مدارس الترجمة وآراء كل مدرسة منها.

يتناول القسم الثاني من الكتاب حيثيات ومعضلات الترجمة أو “التعريب” الفعليَّة في سياقٍ يخصّ الترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية، إذ تختلف ضرورات الترجمة واعتباراتها باختلاف اللغة التي ينقل المترجم عنها. وتتدرَّج فصول الكتاب في هذا القسم بموضوعها من معضلات تعريب المصطلحات والكلمات النادرة وما وضعهُ لها المعرِّبون من طرقٍ وأساليب على مر العصور، ومنها إلى تعريب الجملة الإنكليزية بمكوّناتها كافَّة، ثم النصوص كاملةً بما فيها من تعقيدات ومسائل ثقافية، مع تطبيقٍ مستمرّ للعلوم النظرية للترجمة التي قدَّمتها الفصول الأولى.

أخيرًا، يختتم الكتاب بفصل مُخصَّص لإرشاد المترجم الذي يبحث عن مهنة في سوق الترجمة العربي وفي البلاد العربية، إذ يُقدِّم هذا الفصل نصائح شتى في كيفية تطوير عمل المترجم وكيفية العثور على عملاء والتعامل معهم بمهنية ضمن السياق العربي خصوصًا، وهو أمر يندر أن يتناوله أي كتاب آخر بهذا الأسلوب.

الجديد في كتاب فن الترجمة والتعريب

فن الترجمة والتعريب

يتميَّز كتاب “فن الترجمة والتعريب” عن كتب الترجمة العربية الأخرى -القليلة أصلًا- بأنه يتناول مسائل الترجمة كافة في سياق اللغة العربية وشتى التحديات التي تخصّها عن غيرها من اللغات، وهو موضوع قلَّما يتخصَّص فيه أي كتاب (بالاستثناء الواضح لمؤلّفات المترجم المعروف “محمد عناني”)، كما يتفرَّد بأنه يطرح مواضيعه بأسلوب مُبسَّط وقصصي، وبأنه يتناول زوايا جديدة في موضوع الترجمة العربية؛ منها معضلة نقل المعنى وآفات الترجمة على اللغة وكيفية الاستفادة من مناهج الترجمة الأجنبية في السياق العربي، وكذلك -بالطبع- بأن متخصّصين في مجاله قد حرَّروه بدقة وتأنٍّ شديد تفاديًا لأي أخطاء.

يضيف كتاب “فن الترجمة والتعريب” عنوانًا جديدًا للمكتبة العربية ليواكب تطوّرات الترجمة الأخيرة والمتغيّرة، وليساعد المترجمين العرب على إتقان مهنتهم وتطوير مهاراتهم، وخدمة لغتهم ونهضتها الثقافية. وقد نُشِرَ الكتاب مجانًا للانتفاع منه والاقتباس عنه اتباعًا لهدفه في خدمة اللغة العربية، وفي مساعدة من يُكرِّسون عملهم وتطوعهم ومهنتهم لخدمتها.

لو شئتَ تقديم أي ملاحظات، يتشرف الكاتب بتلقِّي رسائلك على بريده الإلكتروني وبمراجعتك على منصة “غود ريدز”.

2