منوعات

قرعة كأس العالم.. تاريخ من التلاعب ونظريات المؤامرة

لا أعتقد أنّ قرعة كأس العالم يتم التلاعب بها، الشيء الوحيد الغريب بالنسبة لي؛ هو حصول المنتخب المضيف على قرعة جيدة على الدوام. 

-بروس أرينا، المدير الفني الأسبق لمنتخب الولايات المتحدة الأمريكية. 

لماذا بدأنا الاستشهاد بحديث مدرّب منتخب لا يملك باعًا بكؤوس العالم؟ سؤال وجيه، والإجابة ببساطة تكمُن في كونه لا يملُك باعًا، بالتالي لا يملك جمهوره طموحًا مرتفعًا لحصد اللقب، بالتالي عدم منطقية تشبث ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية بنظرية المؤامرة. 

قرعة كأس العالم.. نظرية المؤامرة 

في مقاله الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في عام 2009، قبيل إجراء قرعة كأس العالم التي أقيمت بجوهانسبورغ الجنوب إفريقية، أشار الكاتب «جيري لونجمان» إلى أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» يعد السبب الأساسي في توليد هاجس نظرية التلاعب بقرعة المونديال. 

يرجع السبب في هذا الهاجس إلى استمرار الفيفا في تغيير معايير التصنيف الخاصة بالقرعة طوال الوقت، فتارة يكون التصنيف مبنيًا على أداء المنتخب في آخر سنتين، وفي أخرى يقاس على آخر 3 سنوات، كما تتبدّل النقاط الخاصة بالأداء بشكل دوري، وهو ما يجعل البعض يذهب للتفكير فيما أبعد من ذلك. 

يرى أندريه ماركوفيتش، بروفيسور السياسة بجامعة ميتشجن الأمريكية، أنّ إحساس بعض الشعوب بحياكة مؤامرات ضدهّم أمر له جذور سياسية واجتماعية، حيث عادة ما تتحدّث عن نظريات المؤامرة شعوب خذلتها حكوماتها، بالتالي تكون هذه السردية منطقية داخل دول مثل: الأرجنتين، إيطاليا ودول العالم الثالث، بينما لا نجد مثل تلك الأفكار في بلدانٍ مثل السويد، ألمانيا، بريطانيا أو النرويج. 

دعك من الولايات المتحدة ومنتخبها، ونحِّ آراء ماركوفيتش لونجمان جانبًا، لنسأل السؤال الأهم: هل يتم التلاعب بقرعة كأس العالم؟ 

إيطاليا والأرجنتين.. أصدقاؤنا من العالم الثالث

قرعة كأس العالم

حتى لا نخدعك، لا نمتلك حقيقة مطلقة، لدينا تكهنات، صدرت بعضها من أسماء لها وزنها داخل اللعبة، بينما يمكن اعتبار البقية محض هراء. 

«لسنا ديفيد كوبرفيلد»

-جيدو توجنوني، المتحدث السابق باسم الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا». 

بداهةً، تنكر الجهة المنوطة بإجراء قرعة كأس العالم، المعروفة اختصارًا بـ«فيفا» أية اتهامات تتعلق بالتلاعب بالقرعة، خاصةً وأن مثل تلك الفعاليات تنقل في بث حي أمام الملايين، بل ربما المليارات، بالتالي يحتاج خداع هؤلاء لساحر مثل ديفيد كوبرفيلد. والأهم، أنّه لم تتم ملاحظة أية ملامح جادة لهذا الخداع، طبقًا لوجهة نظر فيفا. 

ولأن الفعاليات تذاع عبر بث مباشر، ولأن الرغبة في إثبات صحة الادعاءات قائمةً، بدأت كل مجموعة في الإدلاء بدلوها. 

عقب قرعة كأس العالم 90، التي أقيمت في إيطاليا، زعم أسطورة الأرجنتين دييجو أرماندو مارادونا أنّ قرعة هذه النسخة من كأس العالم كان قد تم التلاعب بها لمصلحة أصحاب الأرض، حيث ضمنت القرعة مشوارًا سهلًا لإيطاليا حتى الوصول لنصف نهائي البطولة. 

بناءً على حديث الـ«بيبي دي أورو»، حاول بعض أصحاب نظرية المؤامرة البحث عن دليل قوي يثبت صحة ادعاء مارادونا، فما كان منهم إلا الزعم أن «صوفيا لورين»، النجمة الشهيرة ومقدمة حفل قرعة المونديال، ساهمت في هذا التلاعب (دون التطرُّق لتعمدها)، حيث جذب خاتمها الذي ترتديه كرات ممغنطة بعينها. 

في عام 2006، ظهر اتهام آخر، في حق «لوثر ماتيوس»، نجم منتخب ألمانيا السابق، عندما شككت شبكة «سكاي إيطاليا» في طريقة سحب الألماني لمجموعة منتخب الأتزوري، والتي ضمت كلا من التشيك، الولايات المتحدة وغانا، باعتبارها مجموعة صعبة، فيما أرجعت الشبكة الإذاعية السر إلى وجود كرات ساخنة وباردة، بالتالي استطاع ماتيوس اختيار المنتخبات التي يريد. 

في الواقع، يبدو هذا الادعاء بلا معنى، لأن إيطاليا استطاعت في نهاية المطاف التتويج بكأس العالم. 

ليس تلاعبًا بل توجيه

قرعة كأس العالم

نقلًا عن صحيفة «ميرور الإنجليزية»، لطالما كانت هناك رغبة من بعض المنتخبات في الحصول على قرعة سهلة نسبيًا، خاصةً تلك المتعلقة بالمنتخبات الصغيرة، وهو ما أشار إليه «سفين جوران إريكسون»، المدير الفني الأسبق لمنتخب إنجلترا، حينما طلب منه بعض مسؤولي كوريا الشمالية مساعدتهم في التلاعب بقرعة كأس العالم 2010 التي أقيمت في جنوب إفريقيا، والتي للمفارقة وضعت البلد المعزول في مجموعة قاسية، ضمّت البرازيل، البرتغال وساحل العاج. 

وهذه الفكرة، بغض النظر عن سذاجتها، تبدو مستحيلةً، لا يمكن التلاعب بحظوظ منتخبات على حساب الأخرى، منطقيًا على الأقل؛ للحفاظ على ما تبقى من شفافية الجهات المسؤولة، لكن هل يعني ذلك أن كل شيء يسير مثل الساعة؟ بالتأكيد لا.

في كأس العالم 98، لقد قمنا بحيلة بسيطة، كانت فرنسا والبرازيل ضمن منتخبات التصنيف الأول، كل ما فعلناه هو وضع البرازيل على رأس المجموعة الثالثة، بالتالي إذا ما تصدرت فرنسا مجموعتها الأولى، وتصدرت البرازيل مجموعتها الثالثة، نكون قد ضمنا عدم اصطدام المنتخبين ببعضهما حتى النهائي. 

ميشيل بلاتيني، الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا». 

 

في نفس الحوار الذي اعترف خلاله بلاتيني بارتكاب المنظمين لهذه الحيلة أثناء إجراء قرعة كأس العالم، أشار ضمنيًا إلى حقيقة وجود مثل تلك التلاعبات بكؤوس العالم الماضية، وربما القادمة، لاعتبارات كثيرة، ربما أهمها رفع احتمالية تواجد منتخب البلد المضيف لأطول فترة ممكنة داخل البطولة. 

 

في نفس السياق، عقب 10 سنواتٍ أو أكثر، وتحديدًا أثناء إجراء قرعة مونديال 2014 في البرازيل، تجنّبت قنوات البث الرسمية عرض مشاهد فتح الكرات الخاصة بالمنتخبات، والتي كانت مخبأة تحت طاولة من الرسوم المتحرّكة، ما أثار الكثير من اللغط حول مسألة التلاعب. 

لكن طبقًا للمتحدث الرسمي للاتحاد الأرجنتيني آنذاك، لا يمكن تصوُّر توّرط نجوم لهم أسماؤهم بمثل تلك الأفعال، لكن في نفس الوقت، ربما كانت الفكرة بأسرها تدور حول محاولة إبعاد مواجهة البرازيل مع الأرجنتين قدر الإمكان. 

نهايةً، وسواءً صحت كل الادعاءات أعلاه أو لا، نملك بين أيدينا حقيقة واحدة، هي أن التلاعب بكل الأشياء حول كرة القدم، بما فيها قرعة كأس العالم، لن يتم لأسباب رياضية، فالمكسب أو الخسارة هو آخر ما يشغل بال القائمين على «بيزنس» التلاعب، لكن علينا أن نضع بعين الاعتبار الأرباح التي يمكن أن تعود على الخزائن، جراء «ضبط» مواجهات مثيرة، في توقيتات حاسمة، من عمر بطولة كرة القدم الدولية الأهم على الإطلاق. 

المصدر:
طالع الموضوع الأصلي من هنا