منوعات

قولبة الإبداع لدى المرأة وأوجه المعوقات ” مصر ” – مكساوي – مقالات

كتبت داليا السبع :

قد يدفعني التفكير ملياً في هذا الموضوع إلى الكتابة عنه رغم أنه قد يكون تم تناوله من قبل الكثير بالطرح والتحليل والمناقشة، ولكن لكونها قضية مستمرة رغم ما يشاهده الكثير داخل الوطن العربي وخارجة من تطور وحداثة في شتى المجالات،إلا أنه لايزال موضوعاً هاماً وشائكاً يحوي الكثير مما يدفعنا للحديث عنه، ولكي أصدقكم القول رغبتُ في التحدث عنه وبشدة كوني “إمرأة” في المقام الأول، يشغلها  هذا الموضوع كثيرا ويشغل الكثيرات مثلي على رغم من  اختلاف مجالاتهن وتنوعه، لن أطيل عليكم ماذا عن المرأة والحصار الفكري والتقيد الإبداعي هل هو فرضية المجتمع وظروفه أم توجهات فكرية دينية سياسية فرضت على الإبداع “الأنثوي” أشكالاً محددةً وقولبته داخل أطرٍ محددة الأركان والزوايا والأبعاد ؟

 

هذه المقدمة أظنها ضرورية  لأننا أمام موضوع له من الأهمية الكثير حيث يمثل الهوية الإبداعية للمرأة التي تحيى المجتمعات الحرة هل تنطبق هذه الحرية المجتمعية على الإبداع الأنثوي في المجتمعات المختلفة ؟

نحن لا نتحدث فقط عن العالم العربي والإبداع فيه لسنا أمام المرأة العربية فقط إنما أمام أطياف لاحصر لها من التنوع والاختلاف التي تخضع لأسقف مختلفة من الحريات أو هوامش الحرية المتاح إن جاز التعبير حيث “الحرية” بدورها  تعد هى الجوهر للإبداع الحقيقي .

 

وهنا لابد وأن نعترف بأن الحريةَ على مدى العالم العربي كله حرية “مسقوفة” مشروطة لها حدود كما ذكرنا منذ قليل حيث لا يمكنها أن تحلق وتطير دون أن تنفض عنها في كل مرة أغلال التقيد والحصار الإبداعي والخروج عن التابوهات المجتمعية المختلفة لامتلاك القدرة على التحاور والإضافة والاستفادة والتواصل بشفافية بين الإبداع لدى المرأة في مجتمعاتنا والمجتمعات العالمية .

 

بالحديث عن المعوقات وجوانب الحصار للمرأة في العالم العربي ومن أنظمته في بعض الاحيان أو هوامش الحرية الإبداعية لهن

والمسكوت عنه داخل مجتمعاتنا التي تفجره الكاتبات العربيات مما تم قهره وتعتيمه ومنعه وتحريم الكتابة عنه .

 


المرأة العربية المبدعة كانت لعقود طويلة تختفي إما وراء خطاب ذكوري يؤمن لها الحضور في عالم الأدب أو يجعلها تلجأ إلى الحيل الإستعارية والرمزية التعبيرية كإستعارة السقوط في الوحل للتعبير عن الضياع وعمق الانهيار الاخلاقي أو كإستعارة تقبيل الطير الشجر وغيرها الكثير عوضاً عن الجوانب الحسية التي يحظر عليها الكتابة بها ، وربما يكون شعر “نازك الملائكة” واحداً من الأمثلة على ذلك .

وكذلك في عالم السرد القصصي والروائي الذي علا سقف الحرية الإبداعية به أكثر من الشعر مما اتاح للمرأة أيضا التخفي وراء الشخصيات المتعددة به حيث رأت الكثيرات أنه يؤمن عدم التطابق بين الكتابة لديهن وبين شخصياتهم الحقيقة، حيث تهرب الكثير من الكاتبات سواء على المستوى الشعري أو السردي من حقيقة ربط القارئ لهذه الكتابات وشخصيتهن الحقيقية، مما يقيد الحركة الإبداعية والذي أدى بدوره إلى تحجيم معجم المرأة المبدعة ودفعها دفعاً إلى التماهي والمجتمع هروباً من هذه المعوقة الفكرية التي تواجه الإبداع لدى المرأة .

 

كل هذه الأمور ليست بخافية على أحد حيث نرى تطور الكتابة لدى المرأة وتأثرها الطبيعي والفطري بما يحيط بها حسب تكوينها الفيسيولوجي وكذلك طبيعتها السيكولوجية التي تجعلها تتأثر بدرجات متفاوتة عن غيرها بكل مؤثر محيط، قد تكون هذه الأمور أكثر وضوحاً وتبلوراً لدى المرأة المبدعة التي وإن طرحنا سؤالا وقلنا متى تكتب المرأة ؟!

وجدنا أنها تكتب إذا أحست وشعرت بمؤثر ما قد يكون نفسي شخصي مجتمعي كقضية ما تود التعبير عنها وطرح وجهة نظرها بها .

وهذا يقودنا إلى تساؤل أخر هام هل تختلف هنا عن الرجل صاحب الإبداع؟

لا اختلاف فكلاهما يتأثر ويشعر ويعبر بقلمه وكلماته وفق هذا التأثير والذي يحدد بدوره مدى قوة هذا التأثير هو المتلقي أو القارئ أو المستمع لهذا النتاج الإبداعي وهذا يأخذنا بدوره إلى أن العملية الإبداعية لها فرضيات ومقومات ومؤثرات لا تخضع بالضرورة لجنس صاحبه أو تصنيفه، الإبداع قرين لحظة اختيار ومناخ ليس بالضرورة أن يكون حراً لينطلق فيه الفكر والخيال إلى فضاءات لا نهائية رحبة وعوالم تأخذنا من واقعنا تزرعنا في أماكن وأزمنة مختلفة قد نعلم عنها وقد لا نعلم عنها شيئ .

 

فرض الحصار والتقيد على الأعمال الكتابية والفنية بصورة عامة قتل عمد العملية الإبداعية لذا كان من البديهي أن يقترن العمل الأدبي بحرية الكاتب في التعبير حيث لا سقف لحريته إلا صاحب الإبداع نفسه ،

ولذا كان لكي تمارس المرأة هذه الحرية في الكتابة كان ولابد وأن تخترق كل الموروثات والثوابت لتتوافق مع العصر ومستجداته وشكل التطور الحادث به وللأسف ليس هناك وصفة جاهزة لهذه المعضلة بين الحرية ولا سقفية الإبداع للكتابة والفنون بأشكالها المختلفة وما يفرضه المجتمع والتقيد الرسمي والذاتي الذي يضع المرأة في مأزق يحاصرها في عملها الفني الأدبي

 

الابداع ليس فقط نصاً شعرياً أو روائياً فحسب وليس فيلماً سينمائياً أو عرضاً مسرحياً أو لوحةً فنيةً أو منحوتةً إبداعيةً …وغيرها من ألوان الفنون فالأبداع الحق ثورة على المألوف هو حياة يومية إطلاق لقدرات الخيال حوار حقيقي بين ندين، سكب مداد يحتضن كومة إحساس تطغى على السطور لتشكل عوالم جديدة سقف للسكنى والدفء والتواصل والتعرف والمشاركة لا يختلف فيه هنا التصنيف عن جنس صاحبه رجل كان أو إمرأة .