عربي ودولي

“لبْننة” في بيروت للانتخابات الرئاسية الفرنسية

 

ينتظر الفرنسيون يوم الأحد المقبل، للاقتراع في انتخابات رئاسية يترقّبها معهم العالم كله لمعرفة نتائج «المبارزة» بين الرئيس المنتهية ولايته ايمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.

ومن بين المنتظرين اللبنانيون الذين راقبوا باهتمام نتائج الدورة الاولى ويرصدون ما ستحمله الجولة الثانية من السباق الى الاليزيه في 24 أبريل الجاري، تماماً مثل الفرنسيين.

 

لا ينطلق الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي الفرنسي من العلاقة التاريخية القديمة بين البلدين، ولا مما ستكون عليه خيارات اللبنانيين حَمَلة الجوازات الفرنسية الذين صوّتوا قبل أسبوع وسيقترعون مجدداً في مقر السفارة في بيروت لواحد من المرشحيْن.

بل ان الاهتمام هذه المرة يرتبط بالرؤية التي أدار معها ماكرون مقاربته للواقع اللبناني، وسط انقسام في النظرة اليه منذ أن أطلق مبادرته على وهج انفجار مرفأ بيروت في اغسطس 2020 وحتى الإعلان عن الصندوق الفرنسي – السعودي للمساعدات الإنسانية لـ «بلاد الأرز» وأبنائها.

قبل انفجار الرابع من اغسطس في المرفأ، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان مراراً من انهيار الوضع اللبناني ومن الفساد المستشري في الطبقة السياسية ومن «تايتنيك» جديدة.

وكان لودريان السياسي الأكثر تعبيراً في الإدارة الفرنسية عن الرؤية اللبنانية التي تتحدث عن فساد الطبقة السياسية.

وصادفت المتغيّرات اللبنانية التي جرت بعد تظاهرات 17 أكتوبر 2019 مع تعيين السفيرة الفرنسية آن غريو في بيروت، فبدا وكأن الديبلوماسية الفرنسية في طور تجديد سياستها في لبنان.

علماً أن جزءاً أساسياً من الطاقم الاداري الفرنسي يرتبط بعلاقة وثيقة مع العهد ومع رئيس الجمهورية ميشال عون وبعض من فريقه خصوصاً شخصيات في التيار الوطني الحر (حزب عون) الذين كانوا يقيمون في باريس بعدما تم نفي عون إليها.

وبعد انفجار المرفأ، زادت حدة الخطاب الفرنسي الرسمي. وجاء ماكرون الى بيروت مرتين، في 6 اغسطس والأول من سبتمبر 2020، ووجّه رسائل تحذيرية شديدة اللهجة، ترافقت مع إشاعة جو عام، بأن باريس بصدد فرض عقوبات على شخصيات لبنانية ومنها في التيار الوطني.

وطرح ماكرون مبادرته حول حكومة اختصاصيين مستقلين، واستقطب ردة فعل ايجابية تجاهه بعدما احتضن اللبنانيين في منطقة المرفأ وعانق المتضررين، وزار السيدة فيروز وقدّم لها وساماً.

عدا الاطار العاطفي، اصطدمت مبادرة ماكرون بالحائط. العقوبات الموعودة لم تحصل، إذ لم توافق دول في الاتحاد الاوروبي عليها ولم تتفرّد فرنسا بوضْعها.

لم تتشكل حكومتا مصطفى اديب وسعد الحريري وفق مواصفات المبادرة الفرنسية «الأصلية» كما «المتحوّرة»، فزكّت باريس، الرئيس نجيب ميقاتي لحكومةٍ تكنو – سياسية. لكن القصة أبعد من ذلك.

عندما زار ماكرون بيروت، اجتمع بقادة لبنانيين في قصر الصنوبر. لم يكن ذلك إيذاناً بفتح مرحلة جديدة من العلاقات بين باريس وحزب الله، بل كانت السفارة في بيروت وبعض مستشاري الاليزيه يدفعون في هذا الاتجاه. ومنذ ذلك الوقت والخطوط مفتوحة بين فرنسا والحزب.

ورغم أن غريو زارت والسفيرة الأميركية دوروثي شيا، الرياض، لبحث المشكلة اللبنانية، وظهرت أخيراً معها في الإفطار الذي أقامه السفير السعودي وليد بخاري بعد عودته الى بيروت، إلا أن الكلام اللبناني الذي يتردد في أروقة سياسية هو أن باريس تحاول إيجاد توازن بين سياستها مع السعودية ومع إيران، في انتظار الاتفاق النووي والانتخابات الرئاسية الفرنسية.

سعت باريس لمعاودة تنشيط صلاتها بالتيار الوطني وبـ «حزب الله»، وهي استقبلت وزير الأشغال علي حمية المحسوب على الحزب، ويحمل الجنسية الفرنسية، وفي الوقت نفسه حاولت إبقاء الخطوط مفتوحة مع الحريري الذي «تخلت» عنه في اللحظات الأخيرة لمصلحة تسوية ميقاتي.

في موازاة ذلك، نشطت خطوط فرنسا مع الرياض، وزار ماكرون، السعودية في ديسمبر الماضي وجرى اتصال ثلاثي بينه وبين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وميقاتي، إثر انفجار الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية.

وقبل أسابيع، أعلن عن تمويل سعودي عبر باريس للمساعدات الانسانية فقط، وليس تمويلاً للدولة اللبنانية ولا عبرها أو ضخاً للأموال في أيّ من قطاعاتها. وقبل نحو 10 ايام عاد السفير السعودي الى مركز عمله.

في موازاة كل ذلك، كانت الانتخابات الفرنسية على نار حامية.

عادة اللبنانيون يتابعون أخبار باريس لسببين، أولاً حَملة الجنسية الفرنسية وطلابها، وثانياً بحُكم العلاقة التاريخية.

لكن هذه السنة تتخذ رئاسية فرنسا أهمية توازي الانتخابات النيابية اللبنانية لدى بعض السياسيين وحتى الأوساط الثقافية والجامعية.

فمنذ ان بدأت فرنسا تحاول إقامة توازن بين إيران والسعودية وتعويم «حزب الله» والتيار الوطني بعد فرض عقوبات أميركية على رئيسه جبران باسيل، شُنّت حملةٌ من المعارضة اللبنانية إزاء سياسة الرئيس الفرنسي.

وتَعَزَّزَ ذلك إثر ما تم تداوله عن تأثير فرنسي على سياسة الفاتيكان تجاه «حزب الله» والدفع في اتجاه حوار معه.

فالديبلوماسية الفرنسية غالباً ما تنسّق مع الديبلوماسية الفاتيكانية في شأن لبنان، وما قيل أخيراً عن مواقف فاتيكانية صبّ في هذا الإطار.

وباتت أوساط المعارضة ترى في سياسة فرنسا تحولاً لم تعهده سابقاً، لأنه يساعد في تقديرها على تعويم سياسة «حزب الله» والعهد، في وقت تنكفئ الديبلوماسية الخليجية عن لعب دور أساسي في لبنان الذي يستعد للانتخابات النيابية ثم الرئاسية.

والاتهامات اللبنانية لباريس وصلت صداها الى الديبلوماسية الفرنسية في كل من عاصمتها كما بيروت، فبدأت منذ مدة حملة مُعاكِسة لإظهار سعيها الى تحقيق توازن في العلاقة بين المكونات اللبنانية كافة، وأن تدخلها مع الحزب يوازن علاقتها مع دول الخليج لِما فيه مصلحة لبنان.

هناك انطباع ان لوبان يمكن أن تحظى بشعبية في «اليمين اللبناني»، لكن هذا الانطباع ليس في محله، لأن خطابها لم يكن يلاقي استحساناً في بلدٍ تُدافِع فيه القوى المعارضة عن العيش المشترك وعن التجربة اللبنانية.

ويقول لبنانيون – فرنسيون إنهم انتخبوا ماكرون قبل خمسة أعوام لأنهم لم يكونوا يريدون وصول لوبان، بعدما كانوا انتخبوا في الدورة الاولى مرشح اليمين فرنسوا فيون.

لكن في هذه الدورة، الأمر مختلف، فسياسة ماكرون باتت لا تلاقي استحساناً بعدما «خذل» اللبنانيين. وهو الأمر الذي يجعل البعض منهم في حيرة بين خطاب يميني لا يمثّلهم وخطاب ماكرون اللبناني الذي لم يعد يعبّر عن طموحاتهم لبنانياً.

والرهان على مرحلة ما بعد الرئاسة الفرنسية في تشكيل الحكومة وتسمية وزير الخارجية، لأن على هذه السياسة الخارجية ستبنى مستقبلاً رؤية فرنسا تجاه الرئاسة الاولى في لبنان و«حزب الله» والقوى السياسة.

فإذا كان لودريان عبّر عن استيائه من الفساد البناني، إلا أن إدارة الاليزيه كانت لها حسابات مختلفة.

ومع الرئيس الفرنسي الجديد، سيكون التحدي في صوغ سياسة شرق أوسطية تحاول باريس لعب دور فيها.

والأبرز بالنسبة الى لبنان، هو ما سيكون عليه دور الرئيس الفرنسي الجديد في انتخابات الرئاسة اللبنانية.

إذ ليست المرة الأولى تحاول باريس لعب دور أساسي لكنها تفشل في سعيها.

وفي انتظار الأحد، سيكون اللبنانيون على موعد، إما مع ماكرون الذي سيستكمل ما بدأه بعد انفجار المرفأ، أو سياسة فرنسية مختلفة كلياً بإدارة لوبان، من الصعب التكهن بتأثيراتها لأنها أساساً ستشكل زلزالاً فرنسياً قبل رصْد تمدُّده إلى الخارج.