منوعات

لماذا يفشل مدربو الدرجات الدنيا في الدوريات الممتازة؟ | قل ودل

«قبل ساري مهمة مستحيلة في يوفنتوس، احتاج للصبر والتعاون، لكن في تورينو، يؤمنون بشيء واحد؛ الفوز هو الشيء الوحيد المُهم».

-أريجو ساكي، مدرب إيه سي ميلان التاريخي.

كانت قصة الإيطالي ماوريتسيو ساري مع السيدة العجوز حزينة، ليس لفشله في تحقيق دوري أبطال أوروبا، لكن لأنها دمرّت التوقعات حول ما يمكن لمدرب بدأ من العدم أن يحققه في هذا العصر.

للأسف، في ظل تحوُّل أندية كرة القدم لمؤسسات تهدُف للربح في المقام الأول، تحوَّل المدير الفني لكبش فداء، يسهُل التضحية به كُلما قلّت نجوميته مقارنةً بزملائه. لذا، لا مجال لروايات حالمة، عن مدير فني نجح في أن يخترق جدران الدرجات الدُنيا ومن ثم يحصد كؤوس النُخبة، أو هكذا نعتقد.

بداهةً، لا يعني ذلك فشل المدربين المغمورين، أو نجاح المشاهير، لأن النجاح والفشل في حالتنا تلك نسبي، لكن الفكرة تكمُن في حجم التأثير الإيجابي أو السلبي الذي ينتُج عن تدريب مُدرّب لا يمتلك سيرة ذاتية قوية، سواءً كلاعب أو مدرب، على أندية النُخبة.

هوارد ويلكنسون.. آخر الرجال الناجحين

هوارد ويلكنسون، المدير الفني الأسبق لليدز يونايتد الإنجليزي.

عبر تاريخ كرة القدم، نجح عدّة مديرين فنيين في تحقيق ألقاب مع أندية في الدرجات الدنيا والدرجة الممتازة على حد سواء، وفي محاولة للوصول إلى سبب اختفاء مثل تلك النماذج في كرة القدم الحديثة، يتوجب علينا دراسة الظروف التي أحاطت بهذه النماذج، قد نصل لإجابة، وربما لا نستطيع.

نجح هوارد ويلكنسون في حصد لقبي الدرجة الثانية والأولى الإنجليزية خلال فترة زمنية لا تتعدى الثلاثة مواسم، والأهم؛ أنّه استطاع تحقيق اللقبين مع نفس الفريق؛ ليدز يونايتد. بالتالي يبدو نموذجًا مثاليًا لدراسته.

طبقا لدانييل تشابمان، مؤلف كتاب «مئة عام من ليدز يونايتد»، لا يمكن النظر لتتويج الفريق بالدوري الإنجليزي موسم 91/ 92 بمعزل عن السنوات التي سبقت هذا التتويج، لأن القصة بدأت بالفعل لحظة تعيين هوارد ويلكنسون، في منصب المدير الفني للنادي الإنجليزي عام 1988.

في الواقع، قبل هذه اللحظة، كان ليدز قد أمضى 6 سنوات كاملة وهو ينشط بدوري الدرجة الثانية، ممثلًا لكل ما هو سيئ بالكرة الإنجليزية في ذلك الوقت؛ فريق يلعب كرة مُملة، لا يضُم لاعبين أصحاب جودة عالية، والأهم؛ غارق في الحنين لماض مميز.

حسب تشابمان كذلك، لم يبدأ مسؤولو ليدز يونايتد في تحريك المياه الراكدة إلا مع انتشار الأخبار حول تفاوض رابطة الدوري الإنجليزي مع مؤسسة «ITV» بشأن تشكيل الدوري الإنجليزي الممتاز. وقتئذٍ أدرك كُل من «ليزلي سيلفر»، رئيس النادي، و«بيل فوثربي»، العضو المنتدب، أنّه لا بُد وأن يضع ليدز قدمًا في دوري الدرجة الأولى بأقصى سرعة، وكانت أولى الخطوات هي التعاقد مع «ويلكنسون»، الذي امتلك خطةً مثالية بالفعل.

كانت الخطة (المتوقع حصد نتائجها بعد 10 سنوات) تدور حول الاهتمام بأكاديمية النادي، الصعود من الدرجة الثانية، ومن ثم بناء فريق قادرٍ على المنافسة لحصد لقب الدوري الممتاز، عبر تعاقدات قوية.

من هنا يمكننا استنتاج خلطة النجاح السرية، والتي تتلخّص في التعاقد مع مدرّب صاحب شخصية قوية، الثقة به وبمشروعه، التدعيم المادي للفريق. وبإسقاط هذه الخطوات على الواقع الحالي يمكننا ببساطة الوصول لسبب فشل المدربين حاليًا، في تكرار مثل هذه النجاحات، حتى وإن امتلكوا القدرات «الفنية» التي تؤهلهم لذلك.

نفاد الصبر

المدير الفني
الإيطالي كلاوديو رانييري.

أول تفسيرات شُّح مثل تلك التجارب هي نفاد الصبر لدى معظم الإدارات الحالية لأندية كرة القدم، والذي يعد الأساس الذي لا يمكن تقديم تجربة مشابهة بدونه، حيث تتسم كرة القدم بالعشوائية مقارنةً بغيرها من الرياضات. بالتالي، فالفاصل بين النجاح والفشل يمكن أن يكون شعرة، أو بمعنىً أوضح «هدف».

في مارس 2017، كتب «سام بوردن» لـ«ESPN» بعنوان «هل تعد وظيفة المدير الفني في الدوري الإنجليزي الممتاز أقل الوظائف أمانًا؟». خلال مقاله، استعرض الأسباب المحتملة خلف نفاد صبر الإدارات على المدربين، والتي يُمكن تلخيصها في تفاعل مُلاك الأندية مع النتائج وآراء الجماهير، لذا أصبح مصير المدرّب مرتبطا باللحظة الحالية، لا ما يُمكن البناء عليه في المستقبل، باستثناء حالات نادرة.

مثلًا؛ أُقيل الإيطالي «كلاوديو رانييري» عام 2017، بعدما نجح في تحقيق الدوري الإنجليزي الممتاز رفقة نادي ليستر سيتي الإنجليزي، بعد ما يُمكن وصفه بمعجزة كروية متكاملة الأركان.

علّق المدير الفني الأمريكي «بوب برادلي» على قرار ليستر بإقالة رانييري قائلًا: «لديك مُلاك لا يمتلكون خطة واضحة، على الرغم من درايتهم بضرورة الاستقرار، ومع ذلك يتفاعلون مع كل مباراة، وينتج عن ذلك تغييرات دائمة».

لذا، يبدو المدير الفني كبشا مثاليا للفداء، ففي عصر تضخمّت به أسعار اللاعبين بشكل كبير، يسهُل على الإدارات إرضاء الجماهير عبر إقالة المدرب وتعيين آخر؛ لأنه لا يمكن بطبيعة الحال استبدال جميع لاعبي الفريق بآخرين دفعة واحدة.

الكاريزما

 

«المدير الفني الجديد عليه أن يُثير إعجاب اللاعبين».

-مدير رياضي بأحد أندية البريمييرليغ

 

إذا راجعنا التسلسل الزمني لإقالة أي مدرّب لا يمتلك تاريخًا من البطولات والإنجازات سواءً كلاعب أو مدرب، يتضح أن السبب الأول في قرار الإقالة أو عدم النجاح بشكلٍ عام يكون فقدانه السيطرة على غرفة الملابس.

هذه المعضلة حقيقةً لا تتعلق فقط بمدى صلابة شخصية المدرب، بل أيضًا بحجم الاهتمام الذي يحظى عليه لاعبو كرة القدم مؤخرًا، نتيجة لازدياد هوس المتابعين بوسائل التواصل الاجتماعي، ما منح اللاعب قوة إضافية ك، تكمُن في كونه نجمًا عالميًا، حتى وإن لم تترجم هذه النجومية على أرض الملعب.

لأنها لعبة الأموال

 

هل ما زلت تتذكر هوارد ويلكنسون وليدز؟ دعنا نُخبرك أن النادي الإنجليزي نجح في استقطاب النجم الفرنسي «إيريك كانتونا» عام 1991، مقابل مليون جنيه إسترليني فقط، وحتى تدرك حجم هذا الرقم مقارنةً بهذه الفترة، دعنا نخبرك أنه حسب «Trans­fer­markt» فأغلى صفقة انتقال في نفس الموسم كانت هي صفقة انتقال «إيان رايت» من كريستال بالاس لأرسنال مقابل 3.5 مليون جنيه إسترليني.

في عصرنا الحالي، لا تستطيع الأندية الأقل دخلا، منافسة الأندية المملوكة لدول أو عائلات ثرية، لذا ففرص المنافسة شبه معدومة، وتكرار تجربة مثل تجربة ليدز في مطلع التسعينيات قد تحدُث فقط «صدفة».

أين الإجابة؟

ربما لم نصل لإجابة حقيقية توضّح أسباب فشل المدير الفني المعاصر في كرة القدم في تحقيق البطولات في الدرجات الممتازة، بعد تحقيقها بالدرجات الأدنى، ببساطة لأن المتغيرات في كرة القدم عديدة، وهذا هو مربط الفرس.

أحيانًا يمتلك المدير الفني المزايا الفنية ويفتقد للشخصية التي يمكنه من خلالها السيطرة على النجوم، وأحيانًا يمتلك هذه وتلك ويفتقد لإدارة تدعم مشروعه، وفي أخرى، قد يمتلك كل ذلك، ويفشل بسبب الحظ العاثر، الذي لطالما نتجاهل دوره في تحديد مصير أي بطل في كرة القدم.

المصدر:
طالع الموضوع الأصلي من هنا