عربي ودولي

ماذا لو تأجّلت الانتخابات النيابية؟

في 15 أيار المقبل، سيكون لبنان على موعد مع إجراء الانتخابات النيابية، إلا أن شبح التأجيل يدور في فلكها، رغم قيام وزارة الداخلية والبلديات بكلّ الإجراءات القانونية والإدارية المطلوبة، بالإضافة إلى تشديد المعنيين على أنها ستجري في موعدها المحدد.

 

قبل نحو 3 أشهر فقط من الموعد المنتظر، لا يزال عدد المرشحين خجولًا ولا يتعدى أصابع اليدين، كما أن التحالفات الانتخابية لم تتبلور بأكملها ولا تزال غامضة، باستثناء حزب “القوات اللبنانية” الذي أعلن اسماء مرشحيه في مناطق مختلفة مثل زحلة وبشري والمتن، وكشف عن تحالفه مع حزب “الوطنيين الأحرار” في بعبدا. يضاف إليه حزب “الكتائب” اللبنانية، الذي بدأ برفع الستار عن تحالفاته، إذ أعلن الأسبوع الماضي التحالف مع مجد حرب في الشمال واعلن اليوم اطلاق ماكينته الانتخابية .

كلّ ذلك، بالوقت الذي لم يعلن رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، خوضه المعركة الانتخابية إلى جانب “حزب الله” لغاية الساعة، باعتبار أنه ينتظر ما ستؤول إليه الأمور بشأن تطوير “اتفاق مار مخايل”. إذ يرى باسيل أن الاتفاق فشل ببناء دولة، وهو بحاجة إلى تطوير، وأن التحالفات الانتخابية ستُقام بناءً على ذلك، مؤكدًا أن للتيار قدرة على خوض الانتخابات لوحده.

أما بالنسبة إلى “حزب الله” وحركة “أمل”، الحليفان “في السراء والضراء”، فيؤكدان أهمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها لأنها مصيرية، من دون الإعلان رسميا عن كامل مرشحيهما. ويبدو أنهما مطمئنان للنتائج، خاصة وأن “حزب الله” لن يكون الخاسر الأكبر في الانتخابات بل رابحًا، كونه “مبدع” بالحفاظ على بيئة متماسكة تحت راية “المقاومة”، ستمنحه صوتها ولو أنها تعيش بأزمة مالية واقتصادية.

نصل إلى الشارع السُنّي المربك، بعد إعلان رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري تعليق عمله السياسي وعدم خوضه وتياره الانتخابات، مع بروز وهج أخيه بهاء، الذي لم يحصل على تأييد السُنّة المتمسكين بالحريري الأول.

ومن الملاحظ أيضًا، بدء عدد من رجال المال والأعمال بنشر “بوسترات” وإعلانات على الطرقات، وبالظهور على شاشات التلفزة، للترويج لأنفسهم.

بالمختصر، طبخات التحالفات لم تنضج بعد، علمًا أن أقل من شهر يفصلنا على إقفال باب الترشيح.

 

ورغم كلّ هذه الفرضيات، لم يطرح أي طرف سياسي فكرة التأجيل، لا بل يبرز تشديد على إقامة الاستحقاق الانتخابي في موعده. لكن في حال تأجلت الانتخابات، فلن يكون ذلك من مصلحة أحد، لا الوطن، ولا الشعب ولا الخارج.

 

بالنسبة إلى اللاء الأولى، أي الوطن، لا يمكن الاستمرار بدولة قائمة على المساعدات والهبات، لأن الأخيرة لا تبني وطنًا ولا دولة، كذلك لا بدّ من ملاقاة الحكومة بخطة التعافي الاقتصادي والمالي، وإعادة بناء الوطن.

بالنسبة إلى الشعب، فقد ملّ من الضربات المتتالية التي يتلقاها يوميًا، بفضل السياسات الخاطئة والمماطلة في إصلاح ما أفسدته أيادي المسؤولين منذ ما بعد الحرب اللبنانية، إذ بات المواطن يعمل ليدفع كلفة البنزين وليؤمن الطعام لأولاده؛ هذا عدا عن ارتفاع نسبة هجرة اللبنانيين بشكل لا مثيل له. بالتّالي، يأمل قسم كبير من اللّبنانيّين أن تكون هذه الانتخابات فرصةً لإحداث تغيير، ينعكس إيجابًا على حياتهم؛ وتأجيلها لن يصبّ في مصلحتهم.

وبحسب الدولية للمعلومات، فقد ارتفع عدد المهاجرين والمسافرين خلال عام 2021 بنسبة 346 بالمئة، على وقع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فخلال العام المذكور غادر لبنان 79 ألفا و134 شخصًا، مقارنة بـ 17 ألفا و721 شخصا في عام 2020.

وعزت الدراسة أسباب ذلك إلى “الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، وتدني مستوى الخدمات وارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، التي تدفع آلاف اللبنانيين للهجرة والسفر، بحثًا عن فرصة عمل أو تحسينًا لظروف الحياة”.

أما بالنسبة إلى اللاء الثالثة أي علاقات لبنان الخارجية، فلا يخفى على أحد أن العديد من الدول الأجنبية بانتظار الانتخابات اللبنانية، وهي لا تملّ من تذكير المسؤولين بأهمية إجرائها، إلى جانب القيام بإصلاحات. فالشهر الماضي، شدد مجلس الأمن على أهمية “إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما هو مقرر في 15 أيار 2022“.

فهل الإرباك الذي يحيط المشهد الانتخابي بريئاً؟ أم أن هناك من ينتظر شيئا ما يطيّر هذا الاستحقاق الدستوري؟