منوعات

محاكاة الشيخ الشنقيطي صاحب الأضواء


المزيد من المشاركات

محاكاة الشيخ الشنقيطي صاحب الأضواء

 

مما ثبَتَ عن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان وكتبه هو بنفسه في بعض كتبه وهو ثابت مرقوم في مقدمة كتابه “رحلة الحج” أنه في بداية طلبه للعلم ذهب عند أحد الشيوخ يريد دراسة “لامية الأفعال”، فلما حضر إلى الدرس وجلس، سأله الشيخ عمن يكون في ملأ من تلامذته، فأنشد الشنقيطي رحمه الله على البديهة مرتجلًا:

 

هذا ما حصل للشيخ الشنقيطي مع معلمه، وقد حفظت الأبيات في صغري وترنمت بها كثيرًا، وكانت تعجبني وأكثر ما يشدُّني إليها ذلك الموقف الذي تخيلته والشيخ ينشدها ارتجالًا في ذلك المجلس البهي الرضي، وذات يوم في مجلس علمي بين يدي شيخي عبدالرحمن ولد أحمد شعبان الشنقيطي ضياء شنقيط ونور عينيها، وقد ساقني الله إليه لدراسة لامية الأفعال، وأنا في الطريق زوَّرتُ أبياتًا في رأسي لأنشدها بين يديه عند سؤاله عن اسمي وهي:

 

وقد أنشدتُها بين يديه في ذلك المجلس أول ما صافحته، وسألني عن اسمي كما قررتُ في الطريق وخططتُ، فأعجب بها وأطربته معانيها، وقال لي: أعِدْها كي يسجلها فأعدتُها لكن بعدما أكملت البيت الثالث نسيت تمامًا ما بعده، وذهب عن ذاكرتي البيت الرابع والخامس، وتوقَّفتُ مليًّا، وأطرقتُ برأسي ثم رفعتُه أقلب طرفي في جدار المسجد يَمْنةً ويَسْرةً، والقارئ بين يدي الشيخ نظراته تستعجلني وكأني به يقول إما أن تكمل الأبيات وإما أن تفسح لي المجال، فالدرس بين يدي الشيخ لا يزيد عن عشرين دقيقة، ودقات قلبي تزيد في الإسراع، وعلاني الوجوم، ثم أعَدْتُها من جديد حتى وصلت إلى نفس الموضع، وضاع مني ما تبقَّى كأول مرة، ووقف حمار الشيخ في العقبة كما تقول العامة، وحِرتُ في أمري، ثم فكرتُ أن أقول للشيخ: نسيتُ بقيتها لكني تجاسرتُ وأعدْتُها ثالثةً، وبقيت أخبط خبط عشواء، لا أدري ما أقول وهمي البيتان، فلما أن وصلتُ لم أذكر ولو كنتُ أذكر الخامس لرقعتُ به لكنهما طارا مرة واحدة، فأنا كما قال الشاعر:

فَلَوْ كَانَ سَهْمًا وَاحِدًا لاَتَّقَيْتُهُ

وَلَكِنَّهُ سَهْمٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ

 

وعند الإعادة أعيد وتركيزي كله على البيتين، وأعيد بخوف وتلكُّؤ حذرًا من نسيانها هي؛ إذ هي كل رأس مالي، فكنتُ كماشٍ بين أشواك لا يدري ما مصيره، وفي المرة الثالثة أو الرابعة فتح الله عليَّ بالبيتين مرة واحدة فأكملتهما وتنفست الصُّعَداء، وقررتُ ألا أحاكي أحدًا بعد اليوم، وكأنما أزاح عني أحدهم صخرةً كبيرةً كانت ترزح على صدري.

رابط المصدر