غير مصنف

مراجعة فيلم West Side Story

يصدر فيلم West Side Story عبر دور السينما في 10 ديسمبر 2021.


قلة من أفلام الريميك العصرية تبرر وجودها، أو توجهها الأكثر سوداوية عادة، مثلما يفعل فيلم West Side Story الجديد للمخرج ستيفن سبيلبرغ. يبدأ الفيلم لقطاته الافتتاحية التي تستبدل ذاك المشهد الرائع الذي تم تصويره من الأعلى في فيلم 1961 بلقطات لأفق نيويورك مع مشاهد مقربة تستلهم من أسلوب وحركة الفيلم الأصلي، لكن في نفس الوقت تركز على التفاصيل المعقدة للأحياء الفقيرة المتربة في حالة خراب بانتظار أن يتم هدمها. يحمل الفيلم نفس الطاقة واللحن الذي يرافقه الصفير الذي سبق حرب العصابات المستوحاة من روميو وجولييت، لكنه يمهد الطريق لقصة تركز على جوانب محددة من النص الفرعي للفيلم الكلاسيكي الموسيقي وتضعها في الجوهر. فينجم عن ذلك فيلماً جديداً مبنياً على مواد قديمة، لكنه قطعة يشعر المشاهد كما لو أنها تتكامل مع الفيلم الأصلي لروبرت وايز وجيروم روبينز. إنه بشكل عام أكثر حدة وغضباً وحزناً، مع ارتقاء كل أداء ليصل إلى هذا المستوى المرتفع للغاية. وفي حين أن هناك بعض العناصر الرئيسية التي تضيع في رؤية سبيلبرغ، إلا أنه قام مع المصور السينمائي يانوش كامينسكي بصنع أحد أكثر الأعمال إبهاراً من الناحية البصرية لسينما هوليوود بالذاكرة الحديثة.

يحافظ الفيلم على الخطوط العريضة كما هي، مع بعض التعديلات وإعادة ترتيب طفيفة على الحبكة. هناك عصابة Sharks والتي تتألف من مجموعة من الوافدين الجدد من بورتوريكو بقيادة برناردو (ديفيد ألفاريز)، وهو ملاكم في هذه النسخة مع مزاج ملاكم. هناك أيضاً عصابة Jets والتي تتألف من أشخاص بيض البشرة من سكان نيويورك بقيادة ريف (مايك فايست)، الذي ينزعج من التنوع العرقي المتغير في حيه المزدحم. وفي وسط حرب منطقة أبر ويست سايد، هناك الثنائي الرومانسي المؤلف من أخت برناردو، ماريا (ريتشل زيجلر)، وصديق ريف المفضل، توني (أنسل إلغورت)، وهو عضو سابق في عصابة Jet. لا زالت أحداث القصة تجري في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، كما حدث في العرض المسرحي لعام 1957، مع موسيقى من تأليف ليونارد بيرنشتاين وكلمات ستيفن سوندهايم، لكن علاقة هذا الريميك الجديد بالفترة الزمنية تبتعد بشكل كبير عن الفيلم الأصلي الرائع.

على الرغم من أنه تم تصويره جزئياً في العالم الحقيقي خارج الاستديو، إلا أن فيلم عام 1961 موجود في مدينة نيويورك المفعمة بالحيوية، والتي تتألق باللون الأحمر الفاتح، ولا يتم التعبير عن مشاكلها الحقيقية من خلال المساحات، بل من خلال الحوارات والرقص وكلمات أغاني سوندهايم الصادقة. حتى أنه تم تصوير بعض المشاهد في شارع 68 على بعد أحياء قليلة من مكان أحداث القصة، لكنه دخل حيز الإنتاج بعد انتهاء عملية إخلاء المنطقة للأحياء الفقيرة المخطط لها، من أجل مشروع تجديد ساحة لينكولن مع المصمم روبرت موزيس، والذي أدى إلى ولادة مركز لينكولن وبعض الشقق باهظة الثمن. لكن في الفيلم الجديد لا تزال عملية الهدم مستمرة، ويمكن رؤيتها في كل مشهد تقريباً. وتعيش شخصياته في ظل تهديد دائم بالنزوح (النزوح الحقيقي أثر على 7000 أسرة)، والتفاصيل الدقيقة لتصميم الإنتاج تجعل الحي يبدو نابضاً بالحياة وفي حالة من التدهور تفسح المجال لتجسيد شخصيات أكثر صرامة وقسوة.

تركيز الفيلم ليس جديداً بقدر ما هو متجدد. حيث يسلط الضوء بشكل مضخم جداً على التفوق العرقي للبيض الذي أكد عليه الفيلم الأصلي، وأثناء ذلك يقدم نسخة من شخصية ريف الذي يطلق العنان لنفسه بالمشهد مع مزيج من الألم والاستحقاق. ويؤدي فايست دور ريف كما لو أنه شخص ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض قبل أن يهرب بعيداً. إنه يمتاز بأداء مرعب وساحر ويلفت الأنظار نحوه من خلال وضعية جسده، خاصة في المشاهد التي تحتوي على أحاديث مطولة والتي يستخدمها مؤلف السيناريو توني كاشنر لشرح بعض المواضيع من الفيلم الأصلي.

لربما كانت حوارات كاشنر الطويلة ستبدو خرقاء وثقيلة وواعظة في فيلم آخر، لكن بين يدي سبيلبرغ، تمت صياغتها في سلسلة من الملاحظات في سيمفونية أكبر. هناك بعض اللحظات التي تخاطر بأن تكون غير ملائمة أو ألطف من اللازم لكن ينتهي بها المطاف ملائمة تماماً لنسيج الفيلم.

التداخل الأكثر وضوحاً بين عنصرية عصابة Jets وعنصرية الشرطة، على وجه الخصوص الملازم شرانك (كوري ستول)، ليست فقط محكية بل يتم الشعور بها، حيث تتحرك المجموعتان بمهارة بين لغة الجسد الودية والعدائية. ويماثلهم بالاندفاع والعدائية رد فعل عصابة Sharks، والتي لا يتم تصويرها بشكل من العنف فحسب، بل أيضاً بفخر أكثر حماسة بثقافتهم. وفي حين أن مشهد تقديمهم، ومشهد تقديم الفيلم نفسه بشكل عام، يفتقر إلى مشهد الباليه الجريء والقوي الذي رأيناه بالفيلم الأصلي، وبالرغم من أن هناك تلميحات صغيرة له خلال الافتتاحية، إلا أنه يؤجل لمشهد لاحق حيث يرددون فيه النشيد الوطني البورتوريكي في تحدي لعصابة Jets.

لكن من ناحية أخرى، بالرغم من أن ريف يأسر المشاهد على الفور بسحره، والمقدمة أكثر حدة، إلا أنها تفتقر لسوء الحظ لنوع من السلاسة. ففي حين يتميز كل فرد من أفراد عصابة Sharks بين بعضهم من الناحية البصرية والعاطفية، حتى تشينو (جوش أندريس ريفيرا) يتمكن من التألق بين الشخصيات، إلا أنه نادراً ما يمكن تمييز أفراد Jets عن بعضهم البعض، سواء من ناحية المظهر أو لغة الجسد. كما لم يتم استبدال تصميم رقص روبنز، الذي تم استخدامه بالفيلم الأصلي والعرض المسرحي وعملياً في كل نسخة رئيسية منذ ذلك الحين، بأي شيء مميز هنا. هناك اختلاف موسيقي كبير مثل Gee Officer Krupke يعاني بشكل مضاعف، حيث يتم تجريد المشهد من الديناميكيات الصاخبة للمجموعة لكن لا يتم استبدالها باداء فردي متألق. إن التركيز البصري الأكثر جدية بهذا الفيلم والذي يتم من خلال لقطات مقربة على التعابير المؤلمة خلال كلمات أغاني حول الحياة المنزلية المحطمة لعصابة Jets، لا يصاحبه تعديل موسيقي كبير. لكن لحسن الحظ تبدأ هذه الأشياء الصغيرة بالتلاشي مع تقدم الفيلم، وتبدأ إيجابياته المميزة الأخرى بالظهور.

الأمر الأكثر سحراً على الإطلاق هو الطريقة التي يصور بها الفيلم توني وماريا.

تمتاز تصاميم رقص جاستن بيك المجددة بالألوان المتطايرة خلال الحفل الراقص الذي تحضره عصابتي Jets و Sharks. وفي حين أنها لا تتحدى حركات الفيلم الأصلي الراقصة أو تبتعد عنها كثيراً، إلا أنها تصبح حماسية جداً بفضل طريقة تصويرها، حيث تتحرك الكاميرة لأعلى وأسفل خطوط حركات الراقصين مثل نفخة من الرياح، وتدور حولهم لتتناسب مع الطاقة المتفجرة بالأجواء. يمكن قول الشيء نفسه عن نسخة 2021 من “أمريكا” المبهجة، بقيادة صديقة برناردو، أنيتا (أريانا ديبوز الشهيرة من فيلم Hamilton التي تتحرك وترقص بشغف هائل). يحافظ الفيلم على نفس الموسيقى وكلمات الأغاني تقريباً، ولكن هناك أغنية من بين اثنتين تم تغييرها ليس فقط بفضل موضعها الجديد في القصة، والذي يتطابق بشكل أكبر مع العرض المسرحي، ولكن بسبب تغيير مكان تأديتها من سطح معزول إلى شوارع سان خوان هيل المزدحمة. التغييرات الملحوظة الأخرى تظهر بالأغنية ذات إيقاع الجاز Cool، التي تتميز بسياق عاطفي وجسدي جديد كلياً، والتزام كامل بحركات الباليه العدوانية من الفيلم الأصلي، مما ينجم عنه شدة مؤثرة تترك أثرها خلال بقية الفيلم.

كان فيلم عام 1961 شبيهاً بالمسرح من ناحية تصويره البصري، حيث تنفجر قصته بالحياة من خلال اللقطات الواسعة والحركة الجانبية عبر الشاشة. لكن بالمقابل، يغوص سبيلبرغ وكامينسكي بقوة بالبعد الثالث، ويستكشفان كيف تتحرك هذه الشخصيات عبر بيئتها، وكيف تتحرك بيئتها عبرها. يبدو الفيلم كقطعة فنية من عصر النهضة مقارنة بأسلوب الفيلم الأصلي الذي يمكن تشبيهه بعمل إيطالي بيزنطي، مع منظور عميق منسوج في كل لقطة، وذلك من خلال الرقص، وحركة الكاميرة، وحتى بأسلوب التحرير الذي تستخدمه سارة بروشار ومايكل كان، والذي يدخل ويخرج من نفس الزاوية بشكل منتظم، كما لو هذين المحررين يقومان بهزك من كتفيك لتذكيرك أن التحرير هو ما يصنع الفيلم، ويصنع سحره.

الأمر الأكثر سحراً على الإطلاق هو الطريقة التي يصور بها الفيلم توني وماريا مع تصور خيالي رائع عن الحب الشاب الذي يجعل كل العيوب الأخرى تتلاشى ببساطة.

تتألق زيغلر بدور ماريا وتقدم أداءً نابضاً بالحياة وتضفي صدقاً حيوياً على العلاقة الرومانسية الأوبرالية بالفيلم. وتتنقل بسلاسة بين الشعور بالتوتر وعدم الراحة حول توني، وبين شعور من الراحة ضمن هذا الانزعاج، كما لو أنه جزء من نفسها يمكنها مشاركته معه. ومن ناحية أخرى لا تتحدث ماريا الانكليزية بطلاقة، لكن الفيلم يقدم اللغة الأسبانية والأسبانية/انكليزية أكثر بكثير من مما كانت تسمح به ثقافة المسرح الموسيقي الأمريكي في الخمسينيات.

من ناحية القصة، فإن توني أكثر سلاسة، مع خلفية تجعل قصته تتمحور حول المصارعة بين النور والظلام، وهي فكرة يدمجها المصور كامينسكي بلوحته البصرية، مع أضواء وتوهجات تتسرب عبر زاوية كل مكان قاتم. يصور كل من توني من كلا الفيلمين نسخهما الخاصة من نيويورك، حيث كان ريتشارد بايمر يتمتع بأسلوب حالم جعله يبدو كما لو أنه يطفو بالهواء، لكن من ناحية أخرى يلعب إيلغورت دور توني في حالة من الغضب والندم الخافتين، الأمر الذي يتلائم تماماً مع ذاك الحي النيويوركي المنهار في الفيلم الذي لا يريد أكثر من إعادة بناء نفسه. ويرتكز تفاؤله على رغبته المقنعة بأن يكون أفضل، وهو شعور مؤثر يجد نفسه للأسف تحت رحمة أحداث العالم الحقيقي.

يعمل توني أيضاً لدى شخصية جديدة تُدعى فالنتينا (ولديه ديناميكية رائعة جداً معها)، والتي تأتي بديلة عن دوك ولا زالت تدير صيدلية، وتؤدي دورها الرائعة ريتا مورينو التي لعبت دور أنيتا في الفيلم الأصلي. وهذا الدور هو الرابط الأكثر وضوحاً بين الفيلمين، والذي يتم دمجه بشكل أكبر في المحادثة عندما تحصل فالنتينا على أغنيتها الخاصة حول الانتماء (حيث تغني “Somewhere” بدلاً من توني وماريا)، ويتلاشى الفيلم لفترة وجيزة بينها وبين أنيتا، كما لو أنه يريد توصيل شخصيتي مورينو كلتيهما عبر الزمن. إن دورها في الفيلم مشابه، حيث تلعب دور امرأة بورتوريكية تزوجت من رجل أبيض البشرة، لذا فإن تجربتها مع الأجيال تسمح لها بالتحدث مباشرة حول العقبات التي يواجهها توني أثناء علاقته مع ماريا.

إنه ريميك يبدو مشحوناً للغاية ومبرراً تماماً.

من المؤثر للغاية مشاهدة هذه العلاقة، وذلك بفضل الطريقة التي يصورها بها المصور السينمائي كامينسكي، محولاً خلفيات سبيلبرغ المزدحمة والواجهات النابضة بالحياة إلى لوحات عرض حية مبهرة. يجسد الريميك شعور الحب من النظرة الأولى بأضواء وامضة، حيث يتم وضع الأضواء الكاشفة أفقياً على طول أرضية قاعة الرقص، ويقطعها الراقصون الذين يندفعون أمامها للحظات، تائهين في حركتهم وهم يتحولون إلى ظلال، بينما يغرق توني وماريا في عيون بعضهما البعض. هناك مشهد رئيسي لهما سوية يضيء من خلال الزجاج الملون للكنيسة، مع وجود مصدر ضوء يتأرجح ببطء في الخارج كما لو أنه يحاول إلقاء نظرة خاطفة على لحظة خاصة، فيغمرهما عن غير قصد في قوس قزح عائم.

وعندما نشعر أن الفيلم لربما بدأ يصبح ساخراً جداً أو مدركاً لذاته، مثل مشهد قام فيه بعض المارة بالتعليق بصمت على دندنة توني كما لو أنها كانت أمراً خارجاً عن المألوف، يغوص سبيلبيرغ وكامينسكي دون اعتذار بأسلوبهما الشبيه بالحلم، وذلك باستخدام الأضواء الساطعة والمساحات المحطمة لترسيخ الشخصيات بين الأجواء النابضة بالحياة والأجواء البائسة، بين الحقيقة والخيال، كل ذلك في آنٍ واحد. تلقي الأضواء الكاشفة بأنوارها الضبابية وغير الواضحة على توني أثناء بحثه عن ماريا، لدرجة تعطي شعوراً شبيهاً بغيوم الصباح. فتصبح عدساتها الثقيلة أشعة الشمس. وعندما يصل توني إلى شرفة ماريا، تتلألأ الأضواء الداكنة من الشقق الضيقة فوقهما على البرك القذرة أسفلهما، وتجعله يبدو وكأنه يمشي على النجوم. إنه تصوير يخطف الأنفاس يردم الفجوة بين السماء والأرض، ويعيدنا باستمرار إلى الأفلام.

لا ينجح كل شيء في West Side Story لستيفن سبيلبرغ، فكيف يمكن ذلك والفيلم الكلاسيكي الذي صدر عام 1961 لا يُعلى عليه؟ لكن رؤيته البصرية لبعض الأفكار الكامنة من الفيلم الأصلي تجعله قطعة تكميلية له. ومع توجهه الأكثر قسوة وإبهاراً، يقدم الفيلم جوانب مبدعة ومتألقة نادراً ما تتداخل مع سلفه، مما ينجم عنه فيلم ريميك يبدو مشحوناً للغاية ومبرراً تماماً. قطعة فنية ساحرة الجمال.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.