منوعات

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق- الفهم الصحيح)


المزيد من المشاركات

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(الاستشراق- الفهم الصحيح)

 

تطرق العرض في المحدد الثامن ذي العلاقة بالتنصير إلى أن الغرب بعلاقته بالشرق المسلمين هنا يقوم على فكرة استشراقية قديمة تتجدد، قامت على تشويه الإسلام، وذلك ناتج عن عدد من المواقف بين الطرفين، ومنها موقف المسلمين في الحروب الصليبية، وعدم سماحهم لهذه الحملات بالنجاح على أكتاف المسلمين وأرواحهم.

 

على أن هناك من يعيد الفكرة الاستشراقية إلى ما قبل ذلك بزمن، عندما دخل المسلمون الأندلس وبدأت العلاقة العلمية بينهم وبين نصارى أوروبا، مما أدى إلى تعلم اللغة العربية والقرآن الكريم، ويقال: إن هذا التلقي عن المسلمين كان بقصد إخراجهم من الأندلس، وقد كان ذاك، إلا أن القصد لم يقتصر على ذلك، بل إن الفكرة الاستشراقية يمكن أن تعاد إلى هدفين أساسيين:

أحدهما: حماية النصارى من الدخول في الإسلام، والثاني: الحد من انتشار الإسلام في ديار النصارى وفي ديار أخرى يطمع النصارى في أن يكون لهم فيها قدم، عن طريق الحملات التنصيرية، ويرغبون في الوقت نفسه في ألا يصلها الإسلام.

 

وعلى أي حال، قام الاستشراق في بداياته ليدرس الإسلام من قِبل علماء نصارى ثم يهود، كان موقعهم الجغرافي بالنسبة لدار الإسلام في الغرب في ذلك الزمان، إلا أنه مع مرور الأيام وانتشار الإسلام، وبالتالي انتشار الاستشراق لم يَعد للجهة الجغرافية معنًى في إطلاق الشرق والغرب، بل أصبح الغرب يمثل فكرًا، وأصبح الشرق يعني شيئًا فكريًّا غير الفكر الغربي، بما في ذلك الفكر الفارسي والهندي والصيني ونحوها.

 

وأصبح الاستشراق بالنسبة للمسلمين هو اشتغال غير المسلمين بعلوم المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم وآدابهم وأساطيرهم،وهذا الإطلاق إطلاق اصطلاحي إجرائي؛ إذ لا يعني هذا النقاش المعنى الأشمل للاستشراق الذي يشمل الشرق كله، لا سيما أن هناك في الشرق من يدرس الإسلام ويُعَدُّ من المستشرقين؛ كالاستشراق الروسي في الجانب الآسيوي منه، والاستشراق الصيني، والاستشراق الياباني أخيرًا، الذي يحتاج وحده إلى دراسة مستقلة؛ نظرًا لكونه ظاهرةً فريدة.

 

ومنذ انتشار الإسلام في الأندلس إلى اليوم والاستشراق يعد عاملًا مهمًّا من عوامل تحديد العلاقة وطبيعتها بين الشرق والغرب؛ إذ إن غالبية الاستشراق، وليس كله، كان سببًا ولا يزال في قيام فجوة بين الشرق والغرب.

 

وزاد في هذه الفجوة اعتماد المتأخرين من المستشرقين على المتقدمين منهم، مما أدى إلى تراكم الأخطاء، وزيادة سوء الفهم مع الزمن، برغم وجود محاولات جادة منهم لفهم الإسلام بمنأى عن الاستشراق، كما فعل إدوارد سعيد في أعماله المعلومة، مثل: “الاستشراق وتغطية الإسلام”، وغيرها من الكتب والمقالات الثقافية التي ينشرها في الصحف والدوريات الغربية، لا سيما الأمريكية، ويعد هذا المؤلف نموذجًا حقًّا للمحاولات التي برزت في ظاهرة الاستشراق، والتي تمردت عليه – كما سيأتي ذكره في وقفة خاصة – مثله في ذلك مثل عالم الإسلاميات جون أسبوزيتو الذي بات لا يقبل أن يقال عنه: إنه مستشرق؛ لما توحي الكلمة به من معنى غير مقبول في الأوساط العلمية والفكرية العربية والإسلامية – كما مر ذكره[1].

 

ومع وجود هذه الظاهرة داخل ظاهرة الاستشراق يظل الاستشراق في عمومه تيارًا يسيء إلى الإسلام، ويسيء تقديمه للآخرين بقصدٍ غالبًا، ومن دون قصد في حالات خاصة،والذين سعوا إلى فهم الإسلام من الغربيين فهمًا صحيحًا لم يفهموه عن طريق الاستشراق، بل إنهم ربما تجنبوا إسهامات المستشرقين، علمًا منهم أن الاستشراق عاملٌ سلبي من عوامل تحديد العلاقة بين المسلمين والغرب، بل من عوامل تحديد العلاقة بين الشرق والغرب.


[1] انظر: جون أسبوزيتو وداليا،من يتحدث باسم الإسلام: كيف يفكر – حقًّا – مليار مسلم؟ نتائج أكبر استطلاع رأي عالمي حتى الآن/ ترجمة عزت شعلان، تقديم فهمي هويدي القاهرة: دار الشروق، 2009م ص 239.

رابط المصدر