غير مصنف

هل أصبحت العملات المشفرة فقاعة وشيكة الانفجار؟

بات الأمر جلياً الآن ان العالم ينزلق نحو العالم الافتراضي الذي يتمثل بالتكنولوجيا الحديثة، بما فيها ثورة الاتصالات والوجود الافتراضي للبشر في عالم من الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، التسوق الالكتروني وغيرها من التكنولوجيا التي دفعت لوجود مصطلح “الواقع الافتراضي” كما يطلق عليها الإنسان الحديث، والذي لم يعد افتراضياً بقدر ما أصبح نمط حياة الإنسان العصري.
لن يُستثنى التعامل المالي العصري من وجوده ضمن الواقع الافتراضي، مثل تأسيس شركات الدفع الإلكتروني وعلوم التشفير وقرصنة الحسابات البنكية. لذا، برزت التعاملات المالية الرقمية خلال السنوات الأخيرة بشكل موازي لبروز الواقع الافتراضي، وذلك على حساب الواقع المادي الملموس. وإذا كنت متابعًا جيدًا لمجال العملات الرقمية فبالتأكيد لاحظت هبوط سوق تلك العملات الفترة الأخيرة بقيادة البيتكوين، فهل أصبحت العملات المشفرة فقاعة وشيكة الانفجار ام في طريقها لتصبح كنز المستقبل ؟

كيف يمكن أن يكون المال افتراضي

تخيل معنا عزيزي القارئ عملية استخراج الذهب من باطن الأرض، وتحويله لأموال قابلة للتداول عبر تعدين وصك عملات بقيمة هذا الكنز بغرض خلق قيمة مالية للتداول بين الناس. الفكرة نفسها يمكن تطبيقها في مجال تعدين العملات المشفرة، والتي تتم عبر برمجيات وعمليات مشفرة عالية التعقيد ضمن الحواسيب والكمبيوترات، والتي يمكن اعتبار قدراتها البرمجية الذكية والفائقة السرعة مصدر الثروات والاستثمار للإنسان الحديث.

ونتيجة لتطور القدرات البرمجية للحواسيب بشكل لا يمكن للعقل البشري محاكاته لتنفيذ عمليات حسابية وبرمجية مهولة التعقيد خلال أجزاء صغيرة جداً من الثانية، يتم إنتاج العملة الرقمية المشفرة كقيمة يمكن تداولها في العالم الافتراضي، حيث أن مخزون أغلب هذه العملات محدد بعدد معين من الوحدات التي ستنتهي بانتهاء عددها المحدد مسبقاً لعملية التعدين الافتراضي منذ بدء تداولها في السوق الرقمية. أشهرها على الإطلاق عملة “بيتكوين” في عالم العملات المشفرة، والتي تم تحديد عددها بـ 21 مليون وحدة، تم تعدين ما يقارب 16.5 مليون وحدة بيتكوين يتم تداولها حالياً.

يوجد اليوم أكثر من 6700 عملة رقمية مشفرة يتم تداولها وفقاً لموقع “CoinMarketCap”

التنقيب عن الذهب الرقمي

كل ما يحتاجه تداول وإنتاج العملات الرقمية هو شبكة متصلة من الكمبيوترات المتطورة وبمواصفات فائقة، وذلك لاستيعاب نسخة متزامنة من التعاملات التي تتم عبر نظام يدعى “Blockchain” وهو نظام لا يتبع لأي حكومة وغير خاضع لأي جهة. يتم تسجيل جميع التعاملات في نسخة واحدة فقط في جميع الحواسيب المرتبطة ببعضها ضمن هذه الشبكة، مما يجعل من الصعب اختراقها أو العبث بنظامها بأي شكل، وخاصة بأن عملية تداول او تعدين العملات الرقمية تتم عبر مستوى معقد جداً من البيانات المشفرة بين طرفي العملية، والتي تحتاج إلى طاقة كهرباء كبيرة جداً بالإضافة لقدرات برمجية عالية للحاسوب.

لا تعتبر العملات الرقمية وسيلة قانونية للتداول ماعدا في دولتين هما السلفادور منذ سبتمبر 2021 وجمهورية إفريقيا الوسطى وقد حثها صندوق النقد الدولي على التراجع عن قرارها.

أرباح بقدر المخاطر

يبدو أن عملية التشفير التي تعتمد على مبدأ فك ألغاز الرموز وتحويلها إلى بيانات ذات قيمة قد وسمت العملات الرقمية بلغز تقلب أسعار تداولها بشكل كبير، بالشكل الذي يتقلب فيه آراء الناس حول جدوى التعامل بها.

وعند دخول العملات المشفرة سوق التداول لأول مرة في عام 2009 كان سعر “بيتكوين” العملة الأعلى قيمة بين العملات الرقمية أقل من 10 سنتات، وبحلول شهر مايو من العام 2021 قفزت قيمة “بيتكوين” إلى أكثر من 57 ألف دولار وتبعتها بذلك زيادة قيمة باقي العملات الرقمية.

وبحلول مشكلة التضخم خلال العام 2022 والذي رافق كل من الدولار واليورو وغيرها من العملات التقليدية، هبطت قيمة العملات المشفرة بشكل كبير، حيث تراجعت قيمة “بيتكوين” إلى ما دون 30 ألف دولار، أما عملة “تيرا لونا” والتي كانت ضمن أعلى عشرة عملات الرقمية قيمة، فقد هبطت قيمتها من 82$ إلى أقل من سنت، أي بنسبة 99% خلال أسبوع فقط! فهل ستعود قيمة العملات الرقمية للارتفاع مجدداً بالسرعة التي هبطت بها ؟

في أمريكا يمكن الدفع بالعملات المشفرة في بعض أكبر الشركات والعلامات التجارية مثل شركة “مايكروسوفت” و “سلسلة مقاهي ستاربكس” والعلامة التجارية الإيطالية “غوتشي”.

العملات الرقمية غير مألوفة، ما الذي قد يدفعك لاقتنائها ؟

على غرار تقنية تشفير الرسائل الشائعة عبر بعض تطبيقات المراسلة مثل “واتس أب” و “مسنجر” فإن العملات الرقمية تعتمد على التشفير في جميع تعاملاتها، حسب ما أوضح أوضح الدكتور “ألكسندر شيبيلوف” الرئيس التنفيذي لـ “iModX” وهي سوق قائمة على “Blockchain”.

ميزة التشفير يجعل العملات الرقمية بالغة السرية، فهي غير خاضعة للتنظيم أو التأمين الحكومي أو حتى الغطاء القانوني، مما يعرضها لمخاطر تقلب السوق، فهي استثمار غير آمن للبعض، أما سبب انجذاب بعض المستثمرين للعملات الرقمية رغم تقلب أسعارها، هو سرية التعاملات و مستوى الحماية القصوى فيها تبعاً لنظام التشفير في عمليات التداول بها، مما يقلل مخاطر الاحتيال بشكل تام تقريباً. بالإضافة لعدم إمكانية تتبع عمليات التداول عبرها مما يجعلها ثروات غامضة تمكّن أصحابها من عدم الإفصاح عنها.

غالباً يتم التعامل الشائع مع العملات المشفرة حالياً على أنها أصول للاستثمار والربح على المدى الطويل وليست عملة يمكن التداول بها أو إجراء البيع والشراء من خلالها.

أما الآن وبعد مرور مسار العملات الرقمية المشفرة بالمراحل الأساسية لخلق وطرح هذه التكنولوجيا الحديثة، والتي توفر ما يطلبه العصر الحديث من سرعة وحماية وسهولة في التداول، لا شك أنها حققت نقطة اللارجوع سواء للاستثمار أو التعامل التجاري بها، رغم ما يعترضها من تقلبات في أسعارها، ومن موجة تحذيرات موجهة للمستثمرين المبتدئين من خطورة الاستثمار بها او الاعتماد عليها بشكل كامل. ورغم عدم توفر الأمان كما الحسابات في البنوك بالعملات التقليدية، مثل تعويض البنوك لأموال المودعين في حال الاحتيال على حساباتهم، والغطاء القانوني، وغيرها من الملاذ الآمن لإيداع الأموال، لكنها تحمل في طياتها ميزات تخدم التعاملات التجارية الرقمية والحماية الرقمية القصوى لأموال المستثمر وسرية تعاملاته، فماذا ينتظر هذه العملات بعد موجات التقلب على أسعارها مؤخراً ؟