منوعات

هل من الطبيعي ألا أحب أمي؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

بينكِ وبين أمِّكِ فجوة واضحة جدًّا منذ الطفولة في الحب والحنان والتقدير… بل حسب وصفكِ قد تكون تميل إلى كُرهك!

 

تجرحكِ بكلمات قادحة.

 

ترفض مَن يتقدمون لخطبتكِ بغير أسباب ظاهرة!

 

أصبحتِ تتجنبين النقاش معها؛ لأنكِ تُحسِّين أنكِ البنت المنبوذة.

 

وتسألين: هل من الطبيعي ألَّا تُحبيها؟ وهل تخضعين لقراراتها وإن كانت تتعارض مع مستقبلك (مثل: الزواج)؟

 

وأخيرًا تسألين: هل تقبلين هذا الضغط النفسي، وترضين به، أو ماذا تفعلين؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: الغالب وجود أسباب لجفاء أمكِ وغِلْظَتِها معكِ، ففتِّشي عن هذه الأسباب، فمثلًا: هل كنتِ منذ طفولتكِ وفي مراهقتكِ تناقشينها بحِدَّةٍ، وترفضين طلباتها، إن كان كذلك، فهذا له آثار سلبية على نفسية الأم، وعلى تعاملها مع ابنتها العنيدة، وهل كنتِ بارَّة بها قولًا وفعلًا أو لا؟

 

فالعقوق فضلًا عن أنه محرمٌ، بل كبيرة من الكبائر، فهو يُسبِّب التباعد والتباغض، وتنافر القلوب جزاءً وفاقًا.

 

ثانيًا: بعض الأمهات وكذلك بعض الآباء قد يميلون إلى حُبِّ أحد الأبناء أو البنات أكثر من غيره، إما بسبب برِّهِ لهما، أو بسبب محبة قلبية، أو بسبب عطاياه المالية لهما، أو بسبب عدم مناكفته لهما، فتفقَّدي سيرتكِ السابقة والحالية معهما.

 

ثالثًا: ربما أنكِ عاملتِ أُمكِ معاملةً ندِيَّةً، أو معاملة مكافأة، وهذه كلها أخطاء شنيعة، فالتعامل مع الوالدين يرتقي تمامًا عن هذه الآفات القلبية؛ فهو أولًا واجبٌ شرعي يُؤجَر عليه البارُّ أجرًا عظيمًا، ويأثم المُفرط فيه إثمًا كبيرًا؛ تأملي كثيرًا الأدلة الآتية:

قال سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، فإذا كان الله سبحانه نهى عن كلمة أُفٍّ لهما، فغيرها وما هو أكبر منها من باب أولى، وقوله عز وجل: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

 

لاحظوا أن الله سبحانه أمر ببِرِّ الوالدين الكافرين، مع عدم طاعتهما في الشرك، فكيف بالأبوين المؤمنين؟!

 

رابعًا: نعم، قد تحصل أخطاء وظلم من الأبوين أو أحدهما مع أحد الأبناء، والواجب هنا الاستمرار في برهما، مع مناصحتهما بهدوء وأدب بالأدلة الشرعية، وذلك من قِبل الابن أو أحد الأقارب.

 

خامسًا: لا تنسَوا أسبابًا شرعية مهمة جدًّا لحل مشكلتكم هي:

الإكثار من التوبة والاستغفار، فربما أنكِ ابتُليتِ من والدتكِ بسبب ذنوب لم تأبهي لها، أو ظلم لغيركِ، أو سخرية من غيركِ.

 

أكثري من الدعاء لوالدتكِ بأن يحنن الله قلبها عليكِ، وأن يُعيذها معكِ ومع غيركِ من نزغات الشياطين، وادعي لنفسكِ أيضا كثيرًا بأن يُعينكِ الله على برها والإحسان إليها، ولو قصرتْ أو ظلمتْ؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

أكثري من الاسترجاع؛ فهو علاج عظيم جدًّا؛ فقد قالته أم سلمة رضي الله عنها لما تُوفِّيَ زوجها فأخلف لها خيرًا منه؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها.

 

سادسًا: من المستحسن البحث عن عاقلات مقربات من الوالدة لمناصحتها.

 

سابعًا: من الأمور المهمة التي تُستمال بها القلوب الهدايا بدون منٍّ ولا أذًى، فأهدِي لوالدتكِ بين حين وآخر.

 

ثامنًا: اصبري واحتسبي أجركِ على الله سبحانه، فما يُصيب المؤمن من همٍّ ولا غمٍّ، ولا تُصيبه مصيبة صغيرة ولا كبيرة، إلا لأحد الأسباب الآتية:

إما مجرد ابتلاء ورفع لدرجاته في الجنة.

 

أو تكفيرًا لخطاياه.

أو بسبب أخطاء وقع فيها فينتبه لها ويحذر من التمادي فيها.

 

تاسعًا: مما يُسليكِ تقوية الإيمان بالقضاء والقدر؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].

 

تاسعًا: أما بالنسبة لسؤالكِ: هل تخضعين لقراراتها ولو أنها تضر بمستقبلك؟

 

فأقول: لا يلزمكِ شرعًا الالتزام بهذه القرارات، ولكن لعل التفاهم الودي الهادئ هو الأوْلَى بعد الدعاء والاستغفار والاسترجاع، وتوسيط العقلاء، وإن شاء الله بعد ذلك يُعيذكما الله من نزغات الشياطين، وتتوصلون للقرارات السليمة.

 

عاشرًا: وجوابًا لسؤالكِ: هل من الطبيعي ألَّا تُحبيها؟

 

فأقول: لا أُنكر ما في النفوس من الكره لمن أساء لها، ولكنَّ الوالدين لهما شأن آخر، وفضلهما على الأبناء بعد فضل الله كثيرٌ وكبير جدًّا جدًّا، وبرهما ليس مكافأة، بل إنه واجب شرعي؛ ولذا فانتزعي من قلبكِ كرهَ أمِّكِ، فهو مِن نزغات الشياطين.

 

حفظكما الله، ووفقكما لحسن الأخلاق، ورزقكِ بر والدتكِ، ورزقها حسن التعامل معك.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.