كما قال محمد الماغوط ذات يوم “لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء”. والحذاء “الخلنج”، كما تعلمون، لم يعد متوافراً. فامتلاك حذاء في زمن القحط صار حكراً لهم، للفاسدين على هذه الأرض. وقبل فهل نخلع من قدمينا آخر ما امتلكناه من أحذية ونتحرر من هذا “الوطن” الذي لا يعرف من نصبوا أنفسهم “أسياداً ” فيه سوى صبّ الزيت على نار ما بقي من جدران غير موصدة؟ وماذا عن “إمكانيات” الحصول على الحذاء الذي بات لازماً الآن أكثر من أي أوان بعدما استغنى (وسيستغني آخرون بعد) أكثر فأكثر عن مركباتهم ويمشون بلا هوادة على الطرقات المتعثرة؟
اليوم، يوم غضب؟ قطاع النقل البري دعا لإحيائه. لكن، ماذا عن قطاع عمال الأحذية والجلود وصناعيي الأحذية في لبنان؟ مرتاحون؟ وضعهم “باللوج”؟ ما دام حتى الحذاء قد أصبح أكبر من قدراتنا فلنسأل عنه. فلنبحث عن أقرب “كندرجي” سيصبح وجهتنا المقبلة. فلننتعل ما يتوافر من أحذية ولنبحث عما صمد من مصانع وعمال صناعة الأحذية.
كل شيء في البلد يحتضر حتى الحذاء. لكن ورش تصنيع الأحذية الوطنية تقفل تباعاً. والمعامل الكبيرة أصبحت بعدد اصابع اليد. النقيب سعد، وهو من بنت جبيل، يقول: “حتى معمل صناعة أحذية باتا الوطنية في الدكوانة أقفل. والأزمة الى استفحال ما دام العامل يتقاضى على صناعة زوج الأحذية على سعر الصرف الرسمي. إنه يتقاضى دولاراً ونصف الدولار على صناعة زوج الأحذية أي ما يعادل 2250 ليرة لبنانية. وهو قادر على أن ينجز 24 زوجاً في اليوم الواحد أي 36 دولاراً على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد. فكيف يصمد؟ لذا طالبنا، ونطالب، بأن يحصل على ما يستحق بالدولار وفق سعره في السوق أي 30 ألفاً على زوج الأحذية الواحد. والعامل يعض على جرحه لأن لا مكان آخر ينتقل إليه”.
لبنان كان يستورد من الصين وهذا ما خلق أزمة قبل الأزمة. أما الحذاء الأوروبي فلا ينافس في الداخل اللبناني لأن له زبائنه. أما الوطني فتلاشى أمام الإستيراد من الصين. قطاع الأحذية لم يستطع يوماً منافسة الأحذية المستوردة من الصين. ويقول سعد “في السبعينات كانت غالبية المصانع القائمة في سد البوشرية وبرج حمود. وكان العمال ينزلون إليها من الجنوب ويسكنون في المحيط ليعملوا. ويوم وقعت الحرب اللبنانية أصبحت المعامل والآلات في مكان والعمال في مكان آخر. وفي ثمانينات القرن الماضي افتتحت معامل كثيرة في بنت جبيل والضاحية الجنوبية. وكان عدد العائلات التي تعمل في القطاع نحو أربعين ألفاً. البيارتة اشتغلوا أقل من سواهم في القطاع. واليوم أتت الضربة القاضية ونحرت القطاع عن بكرة أبيه”.
كان القطاع يُصدّر نحو 95 في المئة من الصناعة الوطنية الى المملكة العربية السعودية وخمسة في المئة فقط تباع في الداخل اللبناني. أما الآن، بحسب بيضون، فالبضاعة اللبنانية تمكث على الحدود مع السعودية أكثر من شهرين ولا تدخل. السوق السعودية توقفت عن الإستيراد وهذا ما أثر كثيراً على صناعة الأحذية الوطنية. أما السوق المحلية فتشتري الصناعة التركية التي تدخل الى السوق المحلية بكثير من التسهيلات. خسر لبنان بكلام آخر أكثر من خمسة ملايين دولار كانت تصل الى لبنان من خلال تصدير الحذاء اللبناني الى السعودية.
جودة الحذاء اللبناني عالية لكن قدرات اللبناني منخفضة جداً. فالى أين نحن متجهون بهذا القطاع الذي كان يساهم في إدخال “الدولار الجديد” الى لبنان؟ يجيب بيضون “هناك بقايا أحذية صينية في مستودعات التجار تُصرف حالياً في السوق اللبناني. وهناك أحذية تركية. أما المصانع اللبنانية فتعيش على “المصل”.