شغلت دولة المرابطين أكثر من قرن من تاريخ الإسلام في أفريقيا، تركت خلفها معالمًا حضارية بملامح أندلسية راقية، ولمعت نجوم رجالاتها بسير مزدحمة بالتفاني والإنجازات.
دولة امتدت إلى الشمال في الأندلس، وإلى الشرق باتجاه مالي والنيجر وما بعدهما من دول القارة الأفريقية. لا يزال يدل على آثارها الجليلة جامع القرويين الذي تخرجت منه أجيال من الفقهاء والعلماء والقادة الأجلاء، فضلًا عن عدد من الحصون والقلاع المنتشرة على امتداد أرض المغرب والأندلس؛ لتعكس العناية الفائقة لهذه الدولة بأسباب القوة العسكرية والجهاد. من ذلك قلعة “منتقوط” التي تقع على بساتين مرسية، وقلعة “تاسغيموت” التي تقع شرق مدينة مراكش.
نميط اللثام فيما يلي عن واحدة من أهم الفترات التاريخية في بلاد المغرب منذ قيام دولة المرابطين أو الملثمين إلى سقوطها وأفول نجمها.
خلفية تاريخية: دولة بني زيري
سبق قيام دولة المرابطين في أفريقيا دولة بني زيري وفرعها دولة بني حماد في المغرب الأوسط، كانت الدولتان في البداية تتبعان للعبيديين الإسماعيليين، حتى نجح أبرز أمراء بني زيري ورابعهم ابن المعز بن باديس في الاستقلال عن حكمهم وإعادة المذهب السني.
وتميزت دولة بني زيري بكونها أول دولة مغربية خالصة يقيمها البربر الذين اجتهدوا على قلة خبرتهم في فنون السياسة والحكم، فكانت لهم حسناتهم كما كانت لهم سيئاتهم التي استمرت في التراكم حتى تسببت في سقوط الدولة، ولعل أبرزها كان خسارتهم لولاء الكثير من القبائل نتيجة معاملاتهم العنيفة، فضلًا عن استنفاد قواهم في حروب عقيمة مع جيرانهم الزناتيين والأمويين، لتأتي الضربة القاضية بغزو بني هلال، مما أدى إلى انهيار هذه الدولة بشكل كامل بعد حكم امتد منذ عام 360هـ إلى 546هـ (971م – 1152م).
تأثير دولة بني زيري في المغرب
ولابد من التنويه إلى أن دولة بني زيري لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ البحر الأبيض المتوسط بوقوفها عصية في وجه النورمان لمدة طويلة من الزمان، كما شهدت فترة حكمها نشاطًا بحريًا عظيمًا. وإن خرجت خلال فترة حكمها صقلية من أيدي المسلمين، إلا أن سبب هذه الخسارة كان جشع العبيديين لا سياسات آل زيري. بل إن الزيريين أرسلوا نجدة للمسلمين في صقلية سنة 444هـ (1052م) [1] في أسطول يضُمُّ أربعمائة قطعة بحرِية تحمل جيشًا من المجاهدين، ولكن شاء الله أن يغرق أكثر الأسطول في البحر قبل أن يحقق شيئًا من أهدافه بسبب ريح عاصفة، وكان ذلك مما أصاب المعز بن باديس في مقتل فأضعفه في مواجهة غزو بني هِلال ومن معهم فدمروا البلاد تدميرًا. [2]
غزو بني هلال وتعريب المغرب
ورغم ما خلفه غزو بني هلال من دمار، إلا أنه سجل على امتداد المنطقة المنتشرة في أحواز المغرب الأقصى مخالطتهم للأهالي وإقامتهم علاقات مصاهرة ونسب، فكان من بركات ذلك تعريب المغرب؛ حيث تحولت كل من تونس والجزائر إلى بلاد إسلامية تتكلم العربية وكان ذلك أجلّ حسناتهم.
وهكذا دخلت العربية مع الفاتحين الأوائل واستمرت بعد صراع العرب مع البربر، ثم ترسخت بشكل أكبر في عصر الأدارسة ليكمل المهمة الهلاليون من المشرق وتصبح العربية سيدة المشهد المغاربي. وجذب ذلك الكثير من المهاجرين الأندلسيين بعلمهم وثقافتهم فانتقلوا إلى المغرب ليتركوا الأثر الحسن ويساهموا في مستقبله الواعد.
دولة الأدارسة تمهد للمرابطين
كل هذه التفاصيل كانت تمهد الأرض لقيادة الدولة المغربية العربية الكبرى؛ دولة المرابطين التي ستكون بمثابة أول أكبر دولة إسلامية لها ثقلها في تاريخ المنطقة. وإن كانت سبقتها في ذلك دولة الأدارسة ونجحت في توحيد أكبر قسم من المغرب الأقصى تحت لواء دولة إسلامية قوية تقوم على مذهب السنة والجماعة إلا أن توفيقها السياسي كان قصير العمر؛ من جهة لقلة الخبرة السياسية التي أتيحت للكثير من قادتها، ومن ناحية أخرى لكون الظروف التاريخية لم تكن مواتية فقد طحنها الصراع بين العبيديين الإسماعيليين والأمويين الأندلسيين السنيين.
ولا شك أن التوفيق الحضاري لدولة الأدارسة كان من اللبنات الأساسية التي قام عليها بنيان دولة المرابطين.
بزوغ دولة المرابطين
لم تلبث أن انفرطت وحدة القبائل التي أقامت دولة الأدارسة خلال العقود الأولى من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وفشل موسى بن أبي العافية نائب العبيديين في ضبط البلاد، فانحدر المغرب الأقصى إلى الفوضى، وسيطرت عليه جماعات الزناتية فاستبدت بالناس. في هذه الأثناء في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، بينما كانت الفوضى تعم الشمال، كان أقصى جنوبي المغرب وتحديدًا ما يُسمى صحراء “تنسر” التي تمتد إلى حوض السنغال، تحتضن مجموعة من القبائل الصنهاجية أبرزها جدالة ومسوفة ولمتونة وتارجا ولمطة وجزولة وبنوا وارث.
كانت أعداد أبناء هذه القبائل كبيرة ولكن يغلب على حياتهم القسوة وشظف العيش، يعتمدون على الرعي وقليل من الزراعة، ومع أنهم عرفوا الإسلام مبكرًا إلا أن إسلامهم كان سطحيًا. يصفه القاضي عياض فيقول: “كان الدين عندهم قليلًا، وأكثرهم جاهلية، ليس عند أكثرهم غير الشهادتين، ولا يعرف من وظائف الإسلام سواهما”. [3]
نتحدث عن صحراء تمتد إلى حوالي ألف كم، تسكنها قبائل صنهاجة الكبيرة، حيث تحتاج القوافل لشهر كامل لتقطع مسافتها إلى حوض نهر السنغال، و”السنغال” هو الاسم المحرف من أصل كلمة “صنهاجة”، حيث نطقها البرتغاليون عند وصولهم لهذه المنطقة “سنها جال”، ثم “سنجال” لتصبح اليوم “سنغال”.
وفي هذه المنطقة اشتهر إقليم “تافيلالت”؛ وهو إقليم واحات ومنابع مياه كثيرة أكبرها “سجلماسة”؛ التي تعد من أكبر المراكز التجارية في أبواب الصحراء، يقابلها في الحوض الأعلى لنهر السنغال محطة أخرى تجارية شهيرة تسمى “أودغشت”.
يحيى بن عمر قائد ينشد العلم
كانت قبيلة جدالة في أوائل القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) في رئاسة القبائل الصنهاجية تحت قيادة إبراهيم بن ترغوت، ثم خلفه في الرئاسة ابنه عمر ثم حفيده يحيى.
وشاء الله أن يخرج يحيى بن عمر بن إبراهيم بن ترغوت الجدالي للحج سنة 472هـ (1026م) فالتقى في طريق عودته بالفقيه أبي عمران الغفجومي الفاسي؛ أحد أكبر فقهاء المالكية في القيروان في عصره. فأعجب يحيى بعلمه، وطلب منه أن يساعده في تحقيق هذا الفضل لقبيلته لعله يتخلص من السيادة الزناتية التي تحاصرهم شمالًا فضلًا عن إيجاد حل مع خطر الحصار الذي يضربه عليهم من الجنوب أهل السودان. مما تسبب في سجنهم في صحرائهم القاسية وحال بينهم وبين الانتشار في الأراضي الخصيبة في وديان أنهار السودان الغربي.
وبتعبير آخر، كان يبحث هذا الرجل القائد عن امتلاك مقومات النهوض الواعدة، فحرص على تقوية قبيلته بالعلم، وأن يبحث عن شيخ يُعلّم رجال قبيلته شرائع الإسلام ويجمع كلمتهم وينور أبصارهم، فالعلم أساس صناعة الأمجاد، وكل من نجح من أصحاب الدعوات والدول كان يحمل علمًا أهّله لتحقيق أهدافه بغض النظر عن صلاح نيته من فسادها، مثلما كان مع أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري وأبي عبد الله الشيعي وإدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل حتى “برغواطة” أين عرفت الزندقة، تزعمها رجل من أهل العلم هو ميسرة الفقير، وكذلك “غمارة” تزعمها صالح البرغواطي الذي زعم أنه صالح المؤمنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم واخترع فروضًا وأحكامًا في الدين ما أنزل الله بها من سلطان فكان فساده كبيرًا.
وبعد أن عرض يحيى فكرته على أبي عمران الفاسي بإرسال أحد تلاميذه معه لم يتجرأ أحد منهم للمغامرة في مثل هذه المناطق القاسية، فكتب أبو عمران له كتابًا إلى أحد تلاميذه من الفقهاء والعاملين في سجلماسة واسمه “وجاج بن زلو اللمطي” وكان صاحب مكانة في قومه ولكنه رفض المهمة لعلمه بصعوبة قيادة الجداليين لكنه ندب لذلك تلميذًا شابًا من أنجب تلاميذه يسمى عبد الله بن ياسين الجزولي.
الشيخ عبد الله بن ياسين
لم يتردد عبد الله بن ياسين في قبول مهمته وتوجه إلى قبيلة جدالة بكامل نشاطه وحماسته، وعكف على تعليم الجداليين شعائر الدين وعلى تهذيب أخلاقهم فوضع لهم نظامًا للآداب العامة وأخذهم بالشدة. وكان الجداليون أهل جفوة وفوضى، فثاروا على عبد الله بن ياسين وأخرجوه من بلادهم بأقبح معاملة، فلجأ إلى شيخه وجاج بن زلو، وطلب الأخير من يحيى بن عمر عقابهم ففعل وأصبحوا يطلبون عودة عبد الله بن ياسين إليهم، ولكنه رفض ثم انتقل إلى منازل قبيلة لمتونة وكان أهلها أكثر ميلًا للجدية والنظام.
كان عبد الله رجلًا واسع العلم بعيد الطموح شديد الذكاء، يقول ابن عذارى أنه زار الأندلس ودرس فيها علومًا شتى. ويبدو واضحًا من خلال سيرته أن الرجل كان يحمل حلمًا يتعلق بإقامة دولة إسلامية قوية. قال الذهبي: “كان عالمًا قوي النفس، ذا رأي وتدبير”. [4]
فبعد أن استقر عبد الله في منازل لمتونة أظهر شخصية رجل سياسي مؤهل للقيام بحركة سياسية كبيرة. فبدأ بكسب محبة يحيى بن عمر بن إبراهيم الجدالي الذي أصبح بفضل ذكائه ونشاطه زعيمًا بارزًا من زعماء لمتونة، وكان له الكثير من الأبناء أشهرهم: عمر وتاشفين. فأما تاشفين فهو أبو يوسف الذي سيكون له شأن كبير في دولة المرابطين لاحقًا. وأما عمر فقد أنجب أبا بكر ويحيى، ويحيى هذا هو الذي التقى مع أبي عمران الفاسي وجاء بعبد الله بن ياسين.
كان عبد الله بن ياسين يحمل حبًا كبيرًا للإسلام وفي ذات الوقت كان ذا هيبة وقوة، فاستفاد منه يحيى كثيرًا، حيث أطاعته الرعية واحترمته.
وبعد أن اختلف مع الجداليين وخرج عنهم اجتمع حوله جماعة صغيرة من المخلصين فخرج بهم إلى جزيرة في المحيط قرب مصب وادي السنغال لتتحول لنقطة رباط لهم للعبادة وطلب العلم. يُرَجَّح أنها تقع في منحنى نهر النيجر، على مقربة من مدينة تنبكتو، فمن هنا بدأ أمر المرابطين. [5] يصف ابن خلدون هذه الجزيرة بقوله: “يحيط بها النيل (لا يقصد النيل الشهير إنما نهر)، ضَحْضَاحًا في الصيف، يخاض بالأقدام، وغمرًا في الشتاء يُعْبَر بالزوارق”. [6]
عبد الله بن ياسين القائد العسكري
استقطب تجمع عبد الله مع رفاقه الكثير من الناس، مما ألهمه أن يطلق اسم “المرابطون” عليهم. ولما بلغ عدد هؤلاء المرابطين ألفًا وحازوا من نصاب العلم والقوة ما يعد بالكثير، أمرهم عبد الله بالخروج للجهاد. وكان ذلك في عام 445هـ (1053م)، فخرجت معهم أعداد غفيرة من الجدوليين واللمتونيين يحركهم حب الإسلام، وهنا تظهر عبقرية الرجل القيادية ففي زمن لم يتجاوز أربع سنوات تخرَّج من تحت يديه ألف رجل بكامل إعدادهم، فرسانًا لرفع راية “لا إله إلا الله” في ربوع الأرض رغم بدايته المتعثرة.
لقد كان عبد الله بن ياسين رجل دين وسياسة وشخصية فريدة أوتيت القدرة على قيادة الرجال وصنع التاريخ.
وبدأ اسم قبيلة لمتونة يظهر من بين القبائل الكثيرة التي تكونت منها مجموعة قبائل صنهاجة الصحراء، وفي الواقع إنما ارتفع ذكرها بمساهمتها في الجهاد الذي حمل رايته عبد الله بن ياسين.
وانتقل عبد الله في هذه المرحلة من رجل سياسي إلى رجل عسكري، حيث أظهر مهاراته القيادية بحسن قيادة الجيوش وترتيب المعارك ووضع في قائمة أهدافه القضاء على سلطان المغراويين الزناتيين الذين كانوا يسيطرون على المغرب الأقصى.
وبالفعل أحسن التخطيط وسار عبد الله بن ياسين على رأس رجاله فقطع الصحراء متجهًا إلى الشمال حتى وصل إلى إقليم تافيلالت الذي كان يسوده “مسعود بن واتودين” ورجاله من المغراويين، فانتصر عليهم واستخلص سجلماسة من أيديهم.
ثم استهدف عبد الله بن ياسين أهل السودان الغربي في حوض السنغال فانتصر عليهم، وفتح بذلك أبواب أفريقيا وكسر الحصار حول قبائل الصنهاجية وأصبح بإمكانها التوسع شمالًا وجنوبًا، وبدأ مع هذا التوسع تمدد الإسلام الذي وصل إلى شعوب أفريقيا السوداء، وأعقب ذلك تأسيس دول وممالك إسلامية خلدها التاريخ.
ولما استشهد يحيى بن عمر اللمتوني في إحدى الغزوات سنة 447هـ (1055م)، تولَّى القيادة من بعده أخوه الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني. فاستمر في دعم وتأييد عبد الله بن ياسين بل حظي لديه بمكانة أعلى لشدة تقدير واحترام عبد الله لأبي بكر. وبتوحيد عبد الله بن ياسين لصفوف الصنهاجيين تحت راية الجهاد في سبيل الله استقر الأمر بيد أبي بكر، وخضعت له القبائل وأطاعت خاصة بعدما استشعرت قوتها بالانتصارات التي أحرزتها، وأصبح لديها غايات وأهداف دينية وسياسية واضحة.
وانتهت مسيرة العطاء والمثابرة للمؤسس عبد الله بن ياسين باستشهاده في سنة 451هـ (1059م) في حرب برغواطة بعد أكثر من عقد من الزمان من العمل المتواصل لصناعة الرجال والأمجاد.
قبيلة برغواطة
وقبيلة برغواطة من قبائل البربر في تلك المنطقة، على رأسها كان رجل يُدعى صالح بن طريف بن شمعون ادَّعى النبوة، وفرض على الناس خمس صلوات في الصباح وخمسًا في المساء، وأضاف وابتدع في الدين الشيء العجيب. وكان الأمير على برغواطة أيام ظهور المرابطين أبا حفص عبد الله من أحفاد صالح بن طريف، وكان عبد الله بن ياسين يعتبر قتالهم أولوية حتى قضى نحبه في حربهم ثم أوصى المرابطين باستكمال المهمة للقضاء على هؤلاء الزنادقة، وبالفعل نفذ أبو بكر وصيته فلم يهنأ له بال إلا بعد أن هزمهم شرَّ هزيمة.
أبو بكر بن عمر يؤسس الدولة المرابطية
واستمرت مسيرة الحركة المرابطية بقيادة أبي بكر بن عمر قوية فقد حملت جميع أسباب الاستمرارية. وفي هذه الأثناء كان القائد يستعين على المهام بقراباته؛ في مقدمتهم ابن عمه يوسف بن تاشفين وكان لا يزال شابًا صغيرًا لكنه صاحب طموح لافت ونجابة.
وقد عبَّأ القائد اللبيب جيوشه وقاتل أعداء الدين فاستأصل شرهم وأثخن فيهم، حتى أسلم له أهل المنطقة إسلامًا صحيحًا وقضى على دعواهم المنحرفة. واستقر سلطان المرابطين في حوض نهر تانسيفت الفسيح في عام 461هـ (1068 – 1069م) فأصبح من الضروري بناء قاعدة سياسية وعسكرية للحركة المرابطية المجاهدة.
وفي هذه الأثناء استقطب المرابطون القبائل في المنطقة أبرزها القبائل المصمودية التي انضمت إلى جيوش وأعمال المرابطين العسكرية. فاستفاد المرابطون من هذا التلاحم الشيء الكثير لكنه تحول لنقطة ضعف لاحقًا مع انهيار الدولة.
تأسيس مراكش
قام أبو بكر بن عمر ببناء قاعدته التي اختلف في تاريخ بنائها ولعل الأرجح سنة 641هـ (1068م) وأطلق عليها اسم “مراكش” وهي باللغة البربرية “مروكش” وتعني قصر الحجر؛ لأن مباني المدينة أقيمت بالحجر ثم ما لبثت أن عمّرت واتسعت وتميزت ببيوتها وأسواقها، وهكذا ترك هذا الرجل القادم من حوض نهر السنغال مدينة من أجمل مدائن الإسلام الزاهرة إلى اليوم بفضل علو همته وحسن تخطيطه.
ويجدر الإشارة إلى أن المؤرخين قد اختلفوا في بناء مراكش، فقد أشار ابن خلدون [7] إلى أن يوسف بن تاشفين هو الذي بنى المدينة، أما ابن عذاري [8] فقال إن أبا بكر بن عمر هو الذي شرع في بنائها، ثم رحل إلى الصحراء. والراجح أنهما اشتركا في بنائها؛ وغالبًا بدأها أبو بكر ثم حسافر للجنوب وأتمها يوسف. فقد تزوج أبو بكر بن عمر بزينب بنت إسحاق النفزاوية وبقي يراقب سير الأعمال في المدينة الجديدة لكنه تفاجأ بخبر أزعج هدوءه؛ حيث بلغه أن قبيلة جدالة تسببت في مجزرة كبيرة بقبيلة لمتونة في الصحراء فخرج مسرعًا إلى منازل القبائل الصنهاجية لرأب الصدع. وقبل خروجه أناب عنه ابن عمه يوسف بن تاشفين وترك بين يديه ثلث القوة المرابطية وأخذ الثلثين ومضى إلى منازل لمتونة وجدالة وراء الصحراء سنة 463هـ (1071م).
انقسام القوى المرابطية
تسبب هذا الحدث في انقسام القوى المرابطية بين يوسف بن تاشفين الذي حكم القسم الشمالي ثم الأندلس، وبين أبي بكر بن عمر الذي حكم غرب أفريقيا، وكانت المسافة بينهما كبيرة تفصل بينهما الصحراء الشاسعة. وأبلى كلا القائدين البلاء الحسن وتفانى كل منهما في تحقيق مشروع دعوته..
امرأة دخلت التاريخ: زينب النفزاوية
كانت زوجة أبي بكر -زينب بنت إسحاق النفزاوية- قبله عند لقوط الزناتي أمير أغمات، وقد قتله المرابطون، ودخلوا مدينته. وكانت امرأة بارعةَ الجمال والحُسن، وفي ذات الوقت حازمةً لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين، ولم تلبث طويلًا مع أبي بكر حتى جاءه خبر الاقتتال بين القبائل الصنهاجية، فكان لابد له من الرحيل، لكنه رأى أن يطلَّق زينب، وقال لها عند فراقه إياها: “يا زينبُ، إني ذاهب إلى الصحراء، وأنت امرأة جميلة بضَّة؛ لا طاقة لكِ على حرارتها، وإني مطلِّقك، فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين؛ فهو خليفتي على بلاد المغرب”! [9]
وبالفعل طلَّقها، ثم سافر عن أغمات، واتجه إلى سجلماسة، فأقام بها حتى أصلح أحوالها، ثم سافر إلى الصحراء. أما زينب فتزوجها يوسف بن تاشفين. وفي هذا مشهد جليل لتضحية أبي بكر في سبيل الله كما نحسبه ودلالة على أن ما كان يحمله من هم العقيدة في قلبه أعظم بكثير من كل هم في حياته، وأيضًا دليل على رأفته بزينب وخشيته أن يحمّلها ما لا طاقة لها به ثم ثقته بيوسف بن تاشفين.
وفي هذه الأثناء انطلق يوسف بجد واجتهاد وبدأ يجني ثمار سعيه، فسيطر على أكثر البلاد، وسجل الكثير من الانتصارات وبدأ بنيان دولته يرتفع، وبلغ خبره أبا بكر بن عمر فقرر الأخير السفر إليه لينظر أمره بنفسه. وعلم يوسف بقدوم أبي بكر، فخشي أن يضمر له العزل؛ فشاور زوجه زينب بنت إسحاق فيما يقلقه، فقالت له: “إن ابنَ عمك متورِّع عن سفك الدماء، فإذا لقيتَه فاترك ما كان يعهده منك من الأدب والتواضع معه، وأظهِرْ أثر الترفع والاستبداد حتى كأنك مساوٍ له، ثم لاطِفْه مع ذلك بالهدايا من الأموال والخلع وسائر طرف المغرب، واستكثِرْ من ذلك؛ فإنه بأرض صحراء، وكل ما جلب إليه من هنا فهو مستطرف لديه!”. [10]
اللقاء بين يوسف بن تاشفين وأبي بكر بن عمر
وأخذ يوسف بن تاشفين بالرأي فما أن اقترب أبو بكر بن عمر من المغرب، حتى خرج إليه يوسف فلقيه على بعد رفقة جيشه، وسلم وهو راكب دون أن ينزل له، ولا أن يظهر له الأدب المعتاد، فنظر أبو بكر إلى كثرة جنده، فارتاب في أمره، ثم نظر إلى ألف بعير قد أقبلت موقرة، فقال: ما هذه الإبل الموقرة؟! قال: أيها الأمير، إني قد جئتُك بكل ما معي من مال وأثاث وطعام وإدام؛ لتستعين به على بلاد الصحراء، فأدرك أبو بكر غاية يوسف، وعلم أنه لا يتنازل عن أمره! حينها قال أبو بكر ببصيرة العاقل: يا ابن عم، انزل أوصيك، فنزلا معًا، وجلسا، فقال أبو بكر: إني قد وليتك هذا الأمر، وإني مسؤول عنه؛ فاتقِ الله في المسلمين، وأعتِقْني وأعتِقْ نفسك من النار، ولا تضيع من أمور رعيتك شيئًا؛ فإنك مسؤول عنه، والله يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح، والعدل في رعيتك، وهو خليفتي عليك وعليهم، ثم ودَّعه وانصرف إلى الصحراء، فأقام بها مواظبًا مجاهدًا في كفار السودان…” [11] وفي رواية أخرى قال أبو بكر: “يا يوسف، أنت ابن عمي، ومحل أخي، وأنا لا غنى لي عن معاونة إخواننا في الصحراء، ولم أرَ مَن يقوم بأمر المغرب غيرك، ولا أحق به منك، وقد خلعت نفسي لك.. وما وصلتُ إليك إلا لأسلِّم لك الأمر، وأعود إلى الصحراء”!
وقد سار كل رجل في طريقه، بهمته وتفانيه، وصدره السليم! فحقق كلاهما نجاحات لا تزال تذكر في التاريخ إلى اليوم.
أبو بكر بن عمر وفتوحات أفريقيا
وهكذا نزل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا يدعو لله من جديد مترفعًا عن حظوظ النفس لا يحمل إلا هم الإسلام ونصرته، فكانت بركات صدقه أن أدخل الإسلام في غينيا بيساو وجنوب السنغال وسيراليون وساحل العاج ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وغانا وداهومي وتوجو ونيجيريا، لقد رفع الله ذكره بأن رسخ أعمدة الإسلام في البلدان التي كان سطحيًا فيها ونشر أنواره في تلك التي عرفته حديثًا. ولقد وجد قبائل وثنية لم تعبد الله قط ولم يصلها الإسلام من قبل، وجدها تعبد الأشجار والأصنام وغير ذلك من أفكار الجاهلية، فأخرجها الإسلام من الظلمات إلى النور. وعن سهل بن سعد، أن النبي ﷺ قال لعلي رضي الله عنه: “فوَالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم” (متفق عليه). فأي فضل سابق إليه أمير المرابطين!
واجتمع خلف أبي بكر الكثير من الناس والمقاتلين التواقين، يقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، كان يقوم له خمسمائة ألف مقاتل، غير من لا يقومون من النساء والأطفال، وغير بقية الشعوب في هذه البلاد من أعداد لا تحصى قد اهتدت على يديه.
وختم مسيرته بالشهادة كما نحسبه، فقد استشهد في إحدى فتوحاته؛ بعد أن أصيب بسهم مسموم، بحسب ابن كثير في سنة 480هـ بعد عقود من البذل والعطاء. واختلف في تاريخ وفاته. [12]
قال ابن كثير في البداية والنهاية متحدثًا عن هذا القائد العظيم: “أبو بكر بن عمر أمير الملثمين، كان في أرض فرغانة، اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من الملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدو خمسمائة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذا يقيم الحدود، ويحفظ محارم الإسلام، ويحوط الدين، ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابته نشابة في بعض غزواته في حلقه، فقتلته”.
وهكذا رحل مؤسس الدولة المرابطية، وقبيل وفاته كانت دولته تمتد من تونس في الشَّمال، إلى الجابون في وسط أفريقيا، وهي تملِك أكثر من ثلث مساحة أفريقيا. ثم خلص الأمر كله إلى يد يوسف بن تاشفين أميرًا للدولة. حيث تمتع ببركات سعي ومثابرة ابن عمه من جيوش قوية ووحدة متينة، ومدد بشري من الزنوج الذين ساهموا في بناء دولة المرابطين وبلغت بطولاتهم الأندلس.
دولة المرابطين في المغرب والأندلس
بدأت قصة المرابطين برجل واحد هو عبد الله بن ياسين في سنة 440هـ (1048م)، وبعد أربعين سنة فقط، وتحديدًا في سنة 480هـ (1087م) أصبح يوسف بن تاشفين أمير الدولة العظيمة.
بدأت مرحلة يوسف بن تاشفين منذ استلم القسم الشمالي لغرب أفريقيا، وقد أظهر كفاءة قيادية قلّ لها نظير، فأصبح من أعظم رجالات المغرب بل العالم الإسلامي. يصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء فيقول: “كان ابن تاشفين كثير العفو، مقرّبًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق”. [13]
كان له الفضل في إنشاء المغرب الأقصى الممتد من الصحراء الكبرى إلى ساحل البحر المتوسط ومن ساحل المحيط إلى شرقي نهر المولويّة، وضم إليه إقليم تلمسان والجزء الغربي من المغرب الأوسط جزءًا من المغرب الأقصى ولكن يوسف بن تاشفين بعمله هذا قد قام بالمحاولة الأولى لتوحيد أكبر جزء من بلاد المغرب تحت لواء واحد.
ولم تقتصر إنجازات الوحدة المرابطية على أفريقيا؛ بل امتدت إلى الأندلس خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، مسطرة انتصارات جليلة ضد النصارى.
وكان جديرًا بالنصر الرجل القائد الذي أفنى عمره في خدمة الإسلام ونصرته والجهاد في سبيل الله. ثم عنايته بالولاء للمؤمنين ومساندتهم وهذا ما يفسر انضمامه للخلافة العباسية، كجزء لا يتجزأ من وحدة العالم الإسلامي.
واستقطب هذا القائد الفذّ العلماء والفقهاء وجعل الأولوية لنشر العلم، فكان ذلك من أسباب نجاحه. واختار ابن تاشفين لقب “أمير المسلمين” وهو لقب مبتكر لأول مرة ولم يقبل بلقب “أمير المؤمنين” تقديرًا منه لهذه المرتبة التي كان يرى أهل الخلافة أحق بها منه.
استراتيجية التمكين ليوسف بن تاشفين
جعل يوسف من سجلماسة قاعدة جنوبية لدولته وطور مراكش حتى أصبحت حقًا عاصمة دولة كبيرة وكثرت فيها المساجد والمنشآت، ثم طارد بقايا المغراويين الزناتيين. وسيطر على فاس وانتزعها من يد زعيم زناتي يسمى “معنصر بن المعز بن زيري بن عطية” صاحب مكناس، وأصلح المدينة وأحاطها بسور حصين وعمّر بها المساجد، ثم توجه إلى معاقل غمارة وبرغواطة فسيطر عليها لينتقل بعد ذلك إلى جبال الريف فقضى على الزنادقة. وبسط حكمه على كل مناطق القبائل على ممر تازا المؤدي من المغرب الأقصى إلى المغرب الأوسط، وشيّد مدينة تازا في وسطه وابتنى بها مسجدًا جميلًا لا يزال إلى اليوم، ثم استمر إلى تلمسان وواصل التقدم حتى دخل مدينة الجزائر وشيّد فيها مسجدًا جامعًا لا يزال كذلك إلى اليوم. ولم يتمكن من التقدم بعد الجزائر لاستكمال توحيد المغرب، فكانت أقصى ما وصل إليه سلطان المرابطين شرقًا بسبب انشغاله بأحوال الأندلس.
وفي الغرب سيطر يوسف بن تاشفين على سبتة وطنجة. وكانتا في ذلك الزمان تحت حكم رئيس بربري يسمى “سقوط” أو “سكوت البرغواطي” جعلهما تحت يده بنو حمود أصحاب مالقة مع انهيار خلافة قرطبة وبداية عصر الطوائف سنة 423هـ (1032م).
وبذلك نجح يوسف بن تاشفين في توحيد المغرب الأقصى من حدود الصحراء جنوبي وادي درعة إلى ساحل البحر المتوسط إضافة إلى ما سيطر عليه من بلاد المغرب الأوسط حتى مدينة الجزائر ومجرى نهر شلف. وسجل بذلك السيطرة على أكبر اجتماع لأهل المغرب في تاريخهم، برزت معه ملكات قيادية إدارية وتنظيمية كبيرة في مقدمتها العدل في التعامل، فلا يكلف إلا خيار رجاله بالمسؤوليات من خيرة رجال القبائل الصنهاجية، ويحرص على أهل العلم لتطبيق الشريعة الإسلامية. وأقبل عليه أهل المدن والقبائل بعد أن رفع عنهم ثقل المغارم والضرائب التي كان الزناتيون يفرضونها عليهم وكان يوصي رجاله بالعدل والرفق بالناس.
قبيلة زناتة
وقبيلة زناتة من القبائل المسلمة في المنطقة، لكن تفشَّى فيهم الظلم والعدوان، يلخص حالهم قول السلاوي: “استبد أمراء الأطراف وملوك زناتة بالمغرب كلٌّ بما في يده، وعُدم الوازع، وتصرَّفوا في الرعايا بمقتضى أغراضهم وشهواتهم”. [14]
والحروب بينهم وبين المرابطين اشتعلت من أيام عبد الله بن ياسين، وانتصر المرابطون على الزناتيين في معارك عديدة فتمكنوا من فرض سيطرتهم على الكثير من مناطق زناتة في زمان عبد الله بن ياسين ويحيى بن عمر وأبي بكر ثم يوسف بن تاشفين.
ومع قيادة الأخير الفذة وسيرته كإمام قدوة، سرت روح الجهاد في سبيل الله في نفوس أهل القبائل كلها، وانضموا إلى جيوش المرابطين إذ أن الجهاد كان عصب هذه الحركة والقوة التي دفعتها إلى الأمام. [15]
نصرة الإسلام في الأندلس
بعد نحو عقد من الزمان من المثابرة والعمل بلغ يوسف بن تاشفين ذروة قوته وكان ذلك في عام 475هـ (1082م) ورافق نجاحه ذروة التطور السياسي في المغرب منذ الفتح الإسلامي. ولذلك تصنف التجربة المرابطية أقوى وأنضج التجارب السياسية والاجتماعية في تاريخ المنطقة. ولا شك أنه استفاد وحفظ جهود من سبقه من قادة المرابطين الأوائل؛ عبد الله بن ياسين ويحيى بن عمر وأبي بكر، فكانت جهود هؤلاء القادة جميعًا تراكمية تكاملية وعامل نجاح لمشروع دولة المرابطين.
وبلغت بهذا النجاح شهرة يوسف أصقاع العالم الإسلامي، فأصبحت سيرته الحسنة وشجاعته وعدله وإخلاصه مضرب الأمثال في ذلك الزمان وقد استحق هذه المرتبة وبجدارة. ولكن تزامن هذا الاستبشار بالقائد المسلم العظيم انتشار أخبار الفشل والهزيمة والإحباط والتنازع بين المسلمين في الأندلس بعد سقوط دولة العامريين في عام 400هـ (1009م).
الخلاف بين ملوك الطوائف يهدد الأندلس
واشتد الخلاف بين أمراء الأندلس وملوك الطوائف وعرف عنهم الاستهتار واللامسؤولية، فانتهز ملوك إسبانيا النصرانية هذه الفرصة الذهبية للتوسع على الرغم من كون هؤلاء الملوك كانوا يستلمون الجزية من الممالك الإسلامية. وفي الوقت الذي كانت فيه الشعوب أكثر حرصًا على تغيير حالها كان قادتها منشغلين ببناء القصور وإقامة الحفلات وإرسال الإتاوات لملوك قشتالة وليون.
وصعد ألفونسو السادس للحكم ولم يلبث إلا قليلًا حتى دخل على رأس قوات قشتالة وليون إلى طليطلة واستولى عليها دون أن يرتفع للدفاع عنها سيف واحد؛ لأن أميرها القادر بن ذي النون اعتقد أن ألفونسو جاء لدعمه ضد خصومه فإذا به يستولي على بلاده بكل مدنها وحصونها وحدودها عام 478هـ (1085م)؛ أي على ربع الأندلس دون أن يستعمل أي سلاح!
ومقابل ذلك قدم له ولاية بلنسية تابعة لطليطلة في حماية قلة من فرسان قشتالة، فاستفاق ملوك الطوائف على هول الصدمة، وأبصروا حجم الخطر الذي يتوعدهم وقد كشر ملوك النصارى عن أنياب أطماعهم ولم يعودوا يقنعون بالجزية التي تؤدى إليهم بذلة.
الأندلس يستغيث بالمرابطين
ولم يجد هؤلاء الملوك أمامهم إلا طلب النجدة من يوسف بن تاشفين تحت ضغط من الأهالي، حيث توجه وفد من فقهاء الأندلس للقاء يوسف بن تاشفين يحمل معه مناشدات الأندلسيين وتشخيصًا لحالهم، فلبى القائد المسلم النبيل داعي الجهاد بلا تردد، وبالفعل عبر يوسف بجيش كبير إلى الأندلس وكان ذلك في عام 478هـ (1085م) بعد أن قدم له المعتمد بن عباد مدينة الجزيرة الخضراء ليؤمن لنفسه وقواته خطوط الاتصال مع المغرب. وسارع المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية للقائه، وتم الاتفاق على أن يتجه الجيش المرابطي ومن يرافقه من مقاتلة الأندلس نحو بطليوس في غرب الأندلس لمواجهة ألفونسو السادس.
معركة الزلاقة
فكانت معركة الزلاقة التاريخية سنة 479هـ (1086م) في سهل متسع جنوب غربي مدينة بطليوس انتهت بنصر مؤزر ليوسف بن تاشفين وجيشه، حيث أبيدت صفوف قشتالة وليون وفر ألفونسو السادس مع فئة قليلة من فرسانه بأرواحهم التي كادت أن تزهق. وكان نصرًا عظيمًا للمسلمين ألهب قلوب أهل الأندلس وأعاد لهم الثقة والاعتزاز.
لم تكن الزلاقة معركة عادية فقد كانت ضربة قاصمة لتقدم النصارى في الأندلس، أظهر خلالها يوسف قدراته القيادية العسكرية الفذّة وهو الشيخ الذي ناهز الثمانين من عمره! فكانت صفحة لامعة من تاريخ المسلمين لا يمكن أن توفيها الكلمات حقها من الوصف في هذا المقام.
واستعاد بعدها المسلمون الأشبونة وشنترين وتوقف تقدم كونتية البرتغال في غرب الأندلس من بين إنجازات أخرى، كما كشفت هذه المعركة عن معادن ملوك الطوائف الذين كان همهم السلطان وأنفسهم فقط، فقابلوا إحسان يوسف وتضحيته بنفسه وجنده في سبيل بقاء ملكهم بالريبة والغدر؛ من ذلك المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس الذي خشي من انتصار المرابطين فتقارب مع الأعداء للخيانة، تزامنًا مع تراخي المعتمد بن عباد خشية على إمارته ولم يختلف عنهما أبو عبد الله الزيري صاحب غرناطة ومالقة على الرغم من أصله الصنهاجي مثل يوسف بن تاشفين فقد بدا وكأن النصر لم يكن على هواه.
ولا شك أن الزلاقة كانت انعطافة جادة في تاريخ الأندلس قدمت الكثير من المكتسبات، وتبقى القيمة التاريخية للمعارك الفاصلة في أي مكان وزمان في كيف يتم التعامل مع مكتسباتها.
يوسف بن تاشفين يعود للأندلس
كل هذه التفاصيل دفعت يوسف للعودة إلى المغرب، وفرح ملوك قشتالة وليون لعودة يوسف لبلاده، لكن ما لبث أن اضطرب حال الملوك من جديد، واستجاب يوسف مرة أخرى لاستغاثة أهل الأندلس فعبر إليها مرة ثانية في عام 480هـ (1088م)، واتجه هذه المرة نحو شرق الأندلس لردع جماعة من فرسان قشتالة احتلوا حصنًا هامًا بين مرسية وبلنسية يسمى حصن “لاييط”، فقطعوا الطريق على المسلمين مما أشاع الفوضى في الشرق كله. وسار يوسف بقواته نحو لاييط وانتظر أن يلحق به حشود الأندلسيين لكن انتظاره طال فلم يلحق به أحد، بل وصل الأمر أن منعوا عنه الأزواد والمؤن ووقفوا منه ومن قواته موقف العداء.
وكانت خطة يوسف الاستيلاء على لاييط ثم الاتجاه نحو طليطلة ولكن خذلان ملوك الطوائف ونفاد مؤنه واستغراق الجهد في الحصار كل ذلك أجبره على الرجوع إلى المغرب، في هذه الأثناء سارع فرسان قشتالة بقيادة ألبر هانس لإخلاء حصن لاييط خوفًا على أنفسهم فاستولى عليه صاحب مرسية.
ولم تكن عودة يوسف للمغرب بلا هدف فقد كان يحمل العزم كله للعودة من جديد للأندلس بشكل أقوى وأكثر حسمًا، بعدما عاين بنفسه المستوى الذي انحدر له ملوك الطوائف من خيانة وتحالف مع الأعداء النصارى وقلة عقل ودين ثم حالة السخط العامة لدى الشعب الأندلسي القلق على مستقبله في ظل أمراء فاسدين.
يوسف بن تاشفين يحكم الأندلس
وبالفعل رجع يوسف للمرة الثالثة إلى الأندلس وذلك في سنة 482هـ (1089م) بجيش ضخم ومهمة واضحة؛ تخليص أهل الأندلس من أمرائهم الفاسدين أمام تنامي خطر الصليبيين المتصاعد، واستجابة لفتوى كبار الفقهاء في المغرب والأندلس بل والعالم الإسلامي بوجوب خلع هؤلاء الأمراء المترفين المنشغلين بحظوظ أنفسهم عن مصالح أمتهم، الأذلة لأعدائهم الخائنين لشعوبهم.
فقام يوسف بلا تردد بعزل ملوك الطوائف من إماراتهم واحدًا تلو الآخر، فيما عدا أمير سرقسطة الذي دخل في طاعته فكلفه يوسف بسد الثغر الأعلى الأندلسي المهدد بالخطر، وعزل المعتمد بن عباد أمير أشبيلية وأخذه معه إلى المغرب حيث قضى بقية عمره في أغمات جنوبي مراكش. وفي هذا المنفى كتب هذا الأمير الأندلسي أجمل أشعاره وأصدقها في رثاء نفسه والتحسر على ما ضيع من فرص للعمل والجهاد.
وببسط المرابطين سيطرتهم على الأندلس، اتسعت بهذا الشكل مساحة دولتهم كدولة كبرى ممتدة على قارتين؛ حدودها الشمالية في أوروبا فيما بين نهر تاجة والواديانة في إسبانيا والبرتغال وحدودها الجنوبية في قلب أفريقيا. وقد بذل المرابطون في سبيل حفظ ملكهم جهدًا وجهادًا كبيرًا يغذيه سيل لا ينقطع من الجند والأموال.
ولقي يوسف تجاوب الشعب الأندلسي وتعلقه بالجهاد لمواجهة كيد الأعداء، لكن ملوكهم كانوا عقبة مزعجة حيث انشغلوا بالسخرية من المرابطين على بداوة فيهم، وتناسوا عار ضعفهم وكونهم مجرد عالة على المسلمين.
ومع ذلك صمد المرابطون ووقفوا على خطوط الجهاد لوحدهم كل هذا مع ثقل مسؤولياتهم في المغرب! ما يكشف عظمة النفوس التي قامت على هذا الثغر، وقيمة التربية الإيمانية والجهادية التي امتاز بها المرابطون.
من معارك المرابطين في الأندلس
وحقق هذا التفاني نتائج باهرة؛ فقد استرجع القائد المرابطي محمد بن مزدلي بلنسية في عام 495هـ (1102م)، كما استرجع المرابطون عددًا من المدن الأندلسية شرق الأندلس مثل مربيطر والمنارة والسهلة وغيرها. وسجلوا انتصارات مهيبة ضد جنود ألفونسو السادس في عدة مواقع، كما سجل القائد تميم بن يسوف نصرًا تاريخيًا على قوات قشتالة في معركة دامية عند أقليش شرقي طليطلة، سميت بمعركة الأكناد السبعة لأن المرابطين تمكنوا من قتل العديد من قادة الجيش النصراني من بينهم 7 أكناد على رأسهم قائدهم الكبير الأمير شانجة ابن الملك ألفونسو السادس.
وفاة يوسف بن تاشفين
عبر يوسف بن تاشفين للمرة الرابعة والأخيرة إلى الأندلس في عام 496هـ (1103م) وكان عمره 96 سنة؛ هدفه تفقد أحوال البلاد ومراقبة سير أعمالها، وفي هذه الأثناء كان ابنه محمد بن يوسف بن تاشفين يسطر بطولات ماجدة في الأندلس، يذكر منها معركة فحص اللج عام 497هـ (1104م) ومعركة مقاطع في عام 498هـ (1105).
وعاد يوسف في عام 497هـ لمراكش بعد أن تفحص الثغور وقدم التوجيهات والوصايا اللازمة لعماله، وفي مراكش في عام 498هـ تمكن المرض من أمير المسلمين وأنهك جسده وفاضت روحه إلى بارئها في يوم حزين من أيام عام 500هـ (1107م)، فكان خبر موته رحمه الله فاجعة بين الناس، بل وكل الأمة الإسلامية.
مات على فراشه لم يقتله سيف ولا سهم! رغم عدد المعارك التي خاضها وحياة الجهاد والقتال التي عاشها.
وخلفه ابنه علي وكان على خطى والده صدقًا وإخلاصًا لدعوته، ولد في المغرب وتربى في الأندلس وشبّ أميرًا عالمًا مجاهدًا يتميز بثقافة عالية وتربية إسلامية راقية، سار في آثار أبيه في كل ميادين العمل وشغل قلبه الجهاد في الأندلس.
محمد بن تومرت الخطر المحدق
لكن في الوقت الذي انشغل فيه علي بن يوسف بحكم المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين وعمل بجد على تشويه سمعتهم واتهامهم بالمروق عن الدين والتجسيم وغيره من تهم، ولقي آذانًا سماعة له، فنجح في حملته، حيث استجاب له فريق آخر منافس من البربر البرانس كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة لهم تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونة ومسوفة وجدالة وغيرها من قبائل الصنهاجية الصحراوية المرابطية. وهم قبائل المصامدة الذين خبروا المرابطين وتلاحموا معهم في مراكز القيادة والعمل، ويرجع نجاح محمد بن تومرت لقوة تخطيطه ومعرفته نقاط ضعف المرابطين وحسن استغلاله للمصامدة وتوظيفهم لصالح مشروعه.
واستمر علي بن يوسف متماسكًا في قيادة دولته حتى وافته المنية في عام 537هـ (1142م) فخلفه -والأخطار العظيمة تحيط بدولة المرابطين من كل جانب- ابنه تاشفين، الشاب الصغير الذي يفتقد لتجربة تعينه على تحمل أثقال الحكم رغم تميزه ونجابته، وبالفعل مع استلامه الحكم جاءت الفرصة المناسبة لابن تومرت وبدأت مرحلة المصادمة والزلزال الذي هز أركان دولة المرابطين حيث لم يتأخر أمير الموحدين في استعمال كل الأساليب العنيفة والقاسية وتوظيف قبائل ضخمة قوية لإسقاط حكم المرابطين.
نهاية دولة المرابطين في المغرب والأندلس
حكم تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين المغرب والأندلس منذ عام 537هـ إلى عام 539هـ (1142م – 1144م) شغل خلالها الصراع مع ابن تومرت كل طاقات المرابطين، واستنفد كل قواهم، مما أضعف جهودهم في الأندلس بشكل كبير.
وتعد حقبة صعود ابن تومرت باسم الموحدين من أعجب ما عرف التاريخ الإسلامي حيث قامت دولتان كبيرتان على أساس الجهاد ورفع راية الإسلام في نفس المكان ونفس الزمان وهدمت الثانية الأولى بشعارات إسلامية.
فقد اختار ابن تومرت اسم “الموحدين” ليوهم الناس أن دولته صاحبة الفضل والسبق وتعمل على إحياء عقيدة التوحيد الخالصة بعد تكفير المرابطين والإفتاء بجواز قتالهم وسفك دمائهم. قال ابن القيم رحمه الله: “فكلُّ صاحب باطل؛ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حقٍ”. [16] وبالفعل نجح في كسب الأنصار المخلصين لدعوته.
ومع ذلك احتاج الموحدون لوقت للقضاء على المرابطين، فلم يحققوا أهدافهم في حياة ابن تومرت الذي توفي سنة 524هـ (1130م) وأعلنت وفاته في عام 527هـ (1133م) حيث استغل نائبه عبد المؤمن بن علي الكومي؛ الذي أصبح أمير الموحدين الجديد، استغل هذه الفترة في جمع صفوفهم ثم انتظار الفرصة المناسبة للتصادم العسكري مع تاشفين، وجرت الأمور كما خطط لها، فأطلق حملته العسكرية وأخذ منه عدة حصون في الطريق إلى مراكش.
صعود الموحدين بضرب المرابطين
وفي الواقع بدأت الحملات الشديدة للموحدين بعد وفاة علي بن يوسف حيث رأى عبد المؤمن أنه الوقت المناسب لإسقاط هذه الدولة نظرًا لقلة خبرة خليفته تاشفين، وكان الشاب الأمير الجديد شديد الحماس، واستمر كذلك يحاول الصمود حتى قتل في حربه مع الموحدين أثناء دفاعهم عن وهران في يوم 17 رمضان 539هـ (1145م) وبموته سقطت وهران وتلمسان في أيدي الموحدين.
لكن مع ذلك أبدى المرابطون بسالة كبيرة في الدفاع عما بأيديهم فاستعصت فاس على عبد المؤمن ولم تسقط بيده إلا بعد حرب طويلة وحصار شديد دام تسعة أشهر في ذي القعدة من عام 540هـ (1146م)، ثم دخل مراكش في عام 541هـ (1146م)، وقتل إسحاق بن علي بن تاشفين مع نفر من أمراء المرابطين، لتنتهي بمقتلهم دولة المرابطين للأبد وتتحول البلاد لحكم الموحدية بغلبة السيف.
تقييم لدولة المرابطين
حكم المرابطون لنحو قرن من الزمان، فحققوا وحدة المغرب الأقصى سياسيًا ودينيًا بشكل لم يسبق له مثيل، وقطعوا دابر المذهب الإباضي والشيعي ورسخوا مذهب أهل السنة المالكي.
عرفت دولتهم تقديرًا للفقهاء والعربية فساروا على خطى الأدارسة في تعريب البلاد ونشر العلم، كما انتشرت المساجد بشكل لافت في زمانهم فضلًا عن نجاحهم -بفضل عنايتهم الفائقة بالجهاد- في صد التقدم الصليبي بعد معركة الزلاقة، فقد أحبطوا بها حملة ألفونسو السادس ملك قشتالة وأرغون، ثم أحبطوا حملة ألفونسو الأول ملك أرغون التالي بعدها بـ 48 سنة، وذلك بانتصارهم عليه في معركة “إفراغة” سنة 528هـ (1134م).
لقد كان لانتصارات المرابطين العظيمة ضد الصليبيين في الأندلس الأثر العظيم باستمرار جبهة الإسلام لعمر أطول بعد أن أوشكت على الانهيار قبيل دخول المرابطين. فإن امتد عمر الإسلام في الأندلس بعد ذلك بأربعة قرون فالفضل الأكبر يرجع لهذه الدولة المجاهدة كما يرجع لها الفضل في استمرار حضارة الأندلس لامعة كل هذه المدة.
أسباب سقوط دولة المرابطين
ولكن شاء الله أن يكون لكل دولة قمة نجاح وانهيار، فقد اجتمعت أسباب سقوط دولة المرابطين منذ ظهرت ملامح الدعة والترف والانغماس في الشهوات عند حكام المرابطين وأمرائهم في أواخر عصر علي بن يوسف على عكس ما دأب عليه مؤسسو هذه الدولة. وكان من عواقب ذلك التنازع على الملك وحب الإمارة، وتلاشي حكم الشورى مما تسبب في تمزق وحدة الدولة المرابطية وتفككها بكثرة الجيوب الداخلية في داخل كيان الدولة.
ورافق هذا الانشغال بالترف أيضًا ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال ومظاهر الانحلال والرذيلة في آخر عهد الأمير علي بن يوسف، فبدأت الدولة تفقد طهرها الذي عرفته في بدايتها؛ وكان هذا الانحلال والفساد يقدم ذرائع قوية لمحمد بن تومرت الذي استفاد من حالة السخط لدى المسلمين وأظهر نفسه بمظهر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
وتفجرت ثورات عنيفة في حواضر الدولة الشهيرة كقرطبة وفاس وغيرهما، ساهمت في إسقاط هيبة الدولة المرابطية.
تأثير انحراف أهل العلم في سقوط دولة المرابطين
ويشير بعض الباحثين إلى دور فقهاء المالكية في سقوط دولة المرابطين حيث استغل بعض الفقهاء نفوذهم من أجل جمع المال والتسابق على زخرف الدنيا، فضلًا عن تعصب شديد للمذهب المالكي حارب جميع المذاهب الأخرى، ويصف الشاعر أبو جعفر أحمد بن مُحَمَّد المعروف بابن البني حالهم فيقول: [17]
أهل الرياء لبستـم ناموسكـم *** كالذئب أدلج في الظلام العاتـم
فملكتم الدنيا بمذهـب مالـك *** وقسمتم الأمـوال بابن القاسـم
وركبتم شهب الدواب بأشهـب *** وبأصبغ صبغت لكم في العالم.
وكان لهذا الانحراف في أهل العلم تداعياته من السخط الذي تفشى بين الرعية. ومع نقص في القيادات النجيبة، وضعف رصيد قيادي يعوض خسارة من سبق، كان لهذا الفقد تبعات كارثية.
ويبقى السبب الأهم والأبرز في سقوط هذه الدولة حرب الموحدين لها، حيث كانت مستنزفة في حرب داخلية تأتيها الضربات من كل مكان مع بنية متصدعة وقيادة هشة، فكان السقوط نهاية لا مفر منها.
دولة المرابطين درس عظيم في صناعة المجد
وفي الختام، كانت هذه قصة مجد حقيقية سهرت على كتابة فصولها قلوب حيّة مثابرة خرجت من عمق الصحراء فبلغت بهممها الآفاق، آفاق العطاء الإنساني حين يتشرب هذا الإنسان الإيمان واليقين ويسري في كل جوانحه حب الجهاد ونصرة الدين، فيقبل بكله مسابقًا، بلا خوف ولا تلجلج.
قصة دولة ليست ككل القصص، بدأت من خيمة وحفنة من الرجال وانتهت لإمبراطورية عظمى يمتد سلطانها بين قارتين، قصة تحكي لنا كيف يصنع الإسلام الرجال والدول، كيف يصمد الحاملون للوائه في المحن وكيف لابد لهم أن يصطدموا بغدر العدو القريب والبعيد، كيف يتسلل الضعف ويتصدع البنيان الضخم، كيف يمضي القادة ويبقى الأثر! والكثير من الدروس والعبر التي لا يمكن أن تلخصها مقالة، لكن لعلها تحمل في سطورها موعظة وإلهامًا.
وإن كان علمنا المرابطون كيف تقطع المسافات بقلوب تنبض بالشغف! فقد تركوا خلفهم بطولات تكتب بماء الذهب حجة لنا أو علينا!