على الرغم من نجاح وشهرة نيكولا تسلا واحترام كل المنخرطين بالوسط العلمي في زمانه له، لم يستطع أن يترجم كل ذلك إلى نجاح مالي مستدام، على عكس منافسه توماس إديسون، والسؤال؛ لماذا حدث ذلك؟
أول الأزمات
ولد نيكولا تيسلا عام 1856 في كرواتيا، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية، وكان والده كاهنًا في الكنيسة الأرثوذكسية الصربية بينما كانت والدته تدير مزرعة العائلة.
عند وصوله لسن الـ7، تعرّض نيكولا لأول صدمة حقيقية بحياته، والتي يعتقد أنّها السبب في إصابته ببعض الاضطرابات العقلية التي ظلّت ملازمة له طوال حياته، حين فقد شقيقه دانيال في حادثة سير.
نيكولا تسلا وتوماس إديسون
درس نيكولا تسلا الرياضيات والفيزياء في جامعة غراتس التقنية والفلسفة في جامعة براغ، وفي عام 1882، توصل إلى فكرة محرك تيار متردد، وقام بعمل الرسومات الأولية للمغناطيسات الكهربائية، وفي وقت لاحق من ذلك العام، انتقل إلى باريس وحصل على وظيفة في إصلاح محطات الطاقة الحالية (DC) مع شركة «Continental Edison Company»، واستمر في وظيفته عامين قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وصل تسلا إلى نيويورك عام 1884، وتم تعيينه مهندسا في مقر توماس إديسون في ولاية مانهاتن، وسرعان ما أثار اجتهاده وبراعته إعجاب إديسون، الذي طلب منه تصميم مُحسّن لدينامو (DC) خاص بشركته مقابل 50 ألف دولار أمريكي، وبعد مرور أشهُر من التجارب توصل نيكولا لتصميم، وعرضه على إديسون وطالبه بالمقابل، قبل أن يصدمه الأخير بأنّه لن يدفع له أي مقابل، بحجة أنّه كان يمزح بشأن دفع مقابل لتصميمه، قائلًا: «تسلا، أنت لا تفهم روح الدعابة الأمريكية».
كانت تلك ثاني الصدمات التي يتعرَّض لها نيكولا، والتي لم يستطع تحمُلها كذلك، فآثر الرحيل، وقدّم استقالته على الفور من الشركة الأمريكية.
رحلة جديدة
بعد استقالته، حاول نيكولا تسلا إنشاء شركة خاصة به تحت اسم «Tesla Electric Light Company»، لكنه لم ينجح، واضطر للقبول بالأمر الواقع، فعمل في حفر الخنادق مقابل دولارين في اليوم، قبل أن تبتسم الحياة مجددًا له.
أخيرًا وجد تسلا من يدعم أبحاثه الخاصة بالتيار المتردد، وحصل على نحو 30 براءة اختراع لاختراعاته، ودعي لإلقاء محاضرات بالمعهد الأمريكي لمهندسي الكهرباء بشأن أعماله، في حين جذبت كلمات نيكولا انتباه جورج وستنجهاوس، المخترع الذي أطلق أول نظام طاقة تيار متردد والمنافس الرئيسي لشركة إديسون في معركة التيارات.
قط وفأر
في معركة التيارات، سعى كل طرف لإثبات أفضليته، حتى ولو بطريقة ملتوية، فأثناء توهُّج اسم نيكولا تسلا، مدفوعًا بدعم وستنجهاوس له، الذي قرر تسجيل براءات لاختراعاته، ومنحه مختبرًا خاصًا به، قرر إديسون ألا يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الصعود الصاروخي لمنافسه.
في عام 1890، رتب إديسون لإعدام قاتل في نيويورك على كرسي كهربائي يعمل بالتيار المتردد، وهي حيلة مصممة خصيصًا لإظهار مدى خطورة منتج وستنجهاوس ومن خلفه تسلا.
على الرغم من ذلك، كان نيكولا تسلا قد حقق أرباحًا تعينه على استكمال مسيرته بمفرده، وأمام هذا القرار، قام وستنجهاوس بإعادة التفاوض مع تسلا على بنود العقد المبرم بينهما، حيث يجب أن يتنازل الأخير على حقوق الملكية الفكرية الخاصة به.
نهاية حزينة
في عام 1895 أحرق مختبر تسلا في نيويورك، ودمر ما قيمته سنوات من الملاحظات والمعدات، لينتقل إلى نيويورك عام 1900، باحثًا عن مموّل جديدًا لأبحاثه بعد فقدانه كل ما بناه من تاريخ.
بالفعل، حصل على الدعم الذي أراد من الممول جي بي مورجان وبدأ في بناء شبكة اتصالات عالمية تتمحور حول برج ضخم في لونغ آيلاند، لكن الأموال نفدت ورفض مورجان مخططات تسلا الفخمة وتصميماته.
عاش نيكولا تسلا آخر عقوده في فندق بنيويورك، وعمل على ابتكارات جديدة حتى مع تلاشي طاقته وصحته العقلية، حيث أمضى سنواته الأخيرة في إطعام طيور المدينة، بل وزعَم البعض أن حالته العقلية المزرية قادته لمحاولة التواصل معهم.
اختراعات نيكولا تسلا المؤكدة
كان نيكولا تسلا أحد أكثر مخترعي القرن التاسع عشر إنتاجًا وغزارة، وعلى الرغم من الجدل المثار حول حقوق ملكيته لبراءة بعض الاختراعات المنسوبة له، لدينا قائمة اختراعات تأكّدت ‑بما لا يدع مجالًا للشك- نسبتها إليه.
- القارب اللاسلكي: هو أول قارب يمكن التحكُّم به عن بُعد، صُمم بواسطة تسلا، لكنه لم يحصل على براءة اختراعه، بحجة استحالة تطبيق فكرته عمليًا، قبل أن تثبُت صلاحيته للاستخدام في عام 1898.
- أضواء الفلورسنت: اكتشف نيكولا الطريقة التي يتم من خلالها توزيع الضوء، ثم بدأ في تطوير واستخدام أضواء الفلورسنت بمختبره، قبل نحو 40 عامًا من بداية هذه الصناعة.
- شعاع الموت: قبل وفاته، عمل تسلا على اختراع سلاح دفاعي لحماية البلاد من أي اعتداء خارجي، وكان نظريته تتمحور حول بناء جدار صاعق من الكهرباء يحيط بالولايات المتحدة.
- مفهوم الروبوت: كان تسلا مؤمنًا بأن الكائنات الحية ما هي إلا آلات تتحرّك نتيجة استجابتها لدوافع خارجية، ومن هنا ولد مفهوم الإنسان الآلي.
- التيار المتردد: بعد أعوام من حرب براءات الاختراع بين تسلا وإديسون، يظل نظام تسلا مستخدمًا ويقوم بتوليد وتوزيع الطاقة في أمريكا الشمالية حتى يومنا هذا.
اختراعات تسلا التي لم تُنسب له
بسبب تعقيد قضية إثبات براءة الاختراعات في عصر نيكولا تسلا، هناك مجموعة من الاختراعات التي نسبت لغيره، على الرغم من تأكيد الكثيرين أنّها من ابتكاره، ومنها:
- الأشعة السينية: ينسب اختراع الأشعة السينية إلى المخترع الألماني فيلهلم رونتجن، وعلى الرغم من ذلك يُعتقد أن تسلا هو أول ما أنتج صورة باستخدام هذه الأشعة، لكن الأبحاث التي تثبت ذلك فُقدت عند حريق مختبره.
- الراديو: بسبب نفس الحريق، فقد تسلا معظم مجهوده الذي بذله في اختراع أول راديو، وأثناء قيامه بإعادة البناء، قام شاب إيطالي يُدعى جوجليلمو ماكروني بالحصول على براءة اختراع عن نفس الاختراع.
في النهاية، يظل نيكولا تسلا علامة في تاريخ الفيزياء، بل إن البعض يعتبره أبًا لها، بغض النظر عن توثيق الاختراعات ونسبها له.