قرية الأقدام الصغيرة بالصين.. ربما لم تسمع بتلك القرية من قبل، ولكن لماذا سميت بذلك الاسم الغريب؟ وهل كانت الأقدام الصغيرة رمزا للأنوثة والجمال بالفعل؟ أم أنها حملت وجها آخر عاشت به نساء الصين قديما؟ هذا ما سنتعرف عليه سويًا خلال السطور التالية.
قرية الأقدام الصغيرة
اشتهرت قرية تسمى بقرية “الأقدام الصغيرة” داخل الصين، أو little feet، وهي من القرى الزراعية ويعيش معظم سكانها حالة من الفقر، وتضم مجموعة من النساء ذوات الأقدام الصغيرة للغاية، ويطلق عليها البعض الأقدام الذهبية، أو أقدام اللوتس، وكان ذلك في عصر الصين القديم حيث كانت القدم الصغيرة في ذلك الوقت رمزًا الجمال، لذلك قامت العديد من النساء بلف أقدام بناتهن لسنوات، حتى تتوقف الأرجل عن النمو وتظل صغيرة للغاية.
كان حجم القدم يصل إلى حوالي 3 بوصات فقط، ومن هنا أتت تسميتها بقدم “اللوتس الذهبية”، وبالرغم من أن لف القدمين بتلك الطريقة كان مؤلما للغاية أي بمثابة تعذيب بالنسبة لجميع النساء، إلا أن القدم الصغيرة كانت رمزا للجمال وشرطا من شروط الزواج، حيث شكلت تلك الفئة من النساء ذوات الأقدام الصغيرة نسبة 40% من جميع نساء الصين، وظلت تلك العادة الغريبة مستمرة لمدة طويلة جدًا.
قدم اللوتس
سميت الأقدام الصغيرة في الصين بقدم “اللوتس”؛ وذلك لأنها تتشابه مع مظهر زهرة اللوتس، وبالرغم من أنها عُرفت سمةً للجمال، إلا أن النساء ذوات الأقدام الصغيرة كانوا محط للسخرية والإذلال من قبل النساء ذوات الأقدام الكبيرة، إذ كانوا ينظرون إليهن على أنهن من العاملات، أو من الطبقات الفقيرة، في حين أن عملية طي القدمين لم تكن بسيطة أو سهلة، بل كانت النساء يتحملن الكثير من الآلام للقيام بها، وكان يتم إقناع الفتيات الصغيرات بطي القدمين من أجل الجمال، واجتياز شروط الزواج.
لم تكن لتلك العادة الغريبة أي مميزات سوى الألم، ومع ذلك كان يتم طي القدمين بالخطوات التالية:
- تبدأ النساء بعملية طي القدمين بعد غسل القدمين جيدًا، من ثم القيام بقص الأظافر.
- ثم القيام بطي القدمين ماعدا الإصبع الكبير.
- بعد ذلك يتم تضميد الأصابع بشكل جيد، ثم العقب من أجل تقريبهم قدر المستطاع، لذلك كان يتم إحكام الضمادات بشكل جيد للغاية على تلك الوضعية.
- وآخر الخطوات الواجب القيام بها هي إدخال القدمين في حذاء صغير جدًا مخصص لذلك، فكان الحذاء ضيقا للغاية كي تأخذ القدم نفس الحجم.
- كان يتم تغيير الضمادات يوميًا من أجل شدها أكثر، واستمرار الضغط على القدمين بشدة في كل مرة أقوى من المرة التي تسبقها، مما ينتج عن ذلك الكثير من الألم، بالإضافة إلى إعاقة وصعوبة الحركة لعدة أشهر.
لم يتوقف الأمر على الألم فحسب، بل نتج عن عادة طي القدمين السيئة الكثير من السلبيات الأخرى، إذ كانت تجعل القدمين برائحة سيئة جدًا، وكانت تصل إصابة القدمين إلى خروج الدم وظهور التقيح خاصةً خلال فصل الصيف، أما خلال فصل الشتاء فكان الأمر يصل إلى حد التجمد، نتيجة نقص تدفق الأكسجين في الدم، بالإضافة إلى فقدان الدم الناتج عن تلك العملية؛ بل أصيبت أيضًا بعض الحالات بمضاعفات خطيرة، إذ يتغير شكل معالم الجسم؛ لأنها تضغط بصورة كبيرة على الفخذين، والأرداف، وبالتالي تنتفخ الساق وتصاب بالاعوجاج؛ مما يسبب الكثير من الآلام والمشاكل الجسدية المزمنة.
أسطورة القدم الذهبية في الصين
لم تُنسب عادة طي القدمين إلى شخص معين، ولم يُعرف سبب وجود تلك الفكرة السيئة، ولكن تم تداول بعض الأساطير الصينية عن “القدم الذهبية”، حيث ذكرت تلك الأساطير أنه كان هناك راقصة صينية شديدة الجمال تدعى “يو”، كانت “يو” ترقص في أحد الأيام وهي ترتدي حذاء صغيرا جدًا على شكل زهرة اللوتس الذهبية، وبالفعل أعجب بها الرجال لحركاتها الراقصة، وشكل قدميها الصغيرتين، ليتم تداول الأفكار فيما بعد بأن الأقدام الصغيرة هي رمز الأنوثة والجمال.
واستمرت عادة طي القدمين بالفعل لفترة طويلة من الزمن، ولكنها انتهت بعد قيام العديد من المؤسسات بالتصدي لترويج فكرتها، المتسببة في آلام بشعة للغاية تضر بالنساء الصينيات، كما تدخلت الحكومة الصينية من أجل القضاء على عادة طي القدمين المنتشرة بشكل واسع في الصين، إذ تم حظرها بشكل نهائي نتيجة لاستمرار النساء في تطبيقها رغم التحذيرات المستمرة، وبالفعل تلاشت تلك العادة المؤذية وتم حظرها نهائيًا.
ولكن لم تكن عادة طي القدمين العادة الوحيدة المؤذية للنساء في الصين، حيث دفعهم اعتقادهم الكبير وإيمانهم بالأساطير الغريبة، لممارسة الكثير من العادات التي تسبب آلاما للنساء، وتفقدهن حرياتهن، وتسبب لهن العناء مدى الحياة، سواء بأضرار جسدية خطيرة، أو حتى تدمير أجزاء معينة في الجسم نهائيًا، فلا قدرة على الوقوف ولا حتى السير لمسافات طويلة، لذا كان من الجيد جدًا انتهاء تلك الظواهر الغريبة.
آخر الصينيات من ذوات الأقدام الصغيرة
اكتشف أحد المصورين آخر النساء الصينيات اللاتي قمن بربط وطي أقدامهن، حيث اتبعت تلك السيدة التقاليد الصينية القديمة، واقتنعت بفكرة تصغير وطي القدمين لمنع نموهما بالشكل الطبيعي، حيث قالت إنها تسبب الكثير من الآلام الصعبة للغاية، ويمكنها أن تسبب الإعاقة مدى الحياة، وصعوبة السير أو المشي، وقد تصل إلى حد الوفاة لبعض النساء الصينيات.
عاشت تلك السيدة في قرية صغيرة في الصين تسمى بـ “Zhan Yun Ying” والتي توجد داخل مقاطعة Shandong بالصين، إذ روت قصتها مع طي القدمين والتي بدأت معها مبكرًا للغاية، فكانت تتم ما بين عمر 4 سنوات وحتى عمر 9 سنوات، وذلك قبل أن تنمو القدم بشكلها الصحيح والكامل.
حيث كان يتم تغطيس القدمين داخل مزيج من الأعشاب والدم الحيواني، حتى تصبح القدم طرية، من ثم القيام بقص الأظافر للوصول إلى أقصر طول ممكن، حتى لا تصاب القدم بأي التهابات، من ثم يتم كسر الأصابع الصغيرة في القدمين وثنيها إلى أسفل القدمين، عن طريق استخدام رباط مصنوع من القطن، ولكن يبقى إصبع الإبهام سليما دون كسره، لتغلف القدم كلها برباط قطني جيد، حتى يقترب كعب القدمين من الأصابع.
أخيرا.. فإن أي تغيير في شكل الجسم أو الأعضاء، قد يأتي بأضرار جسيمة قد تصل إلى إعاقات لا علاج لها، أو حتى تؤدي إلى خطر الوفاة، لذا لا بد من النظر إلى العواقب المحتملة، ومعرفة ما يمكن وما لا يمكن.