التخطي إلى المحتوى

أدخلت الحرب العالمية الأولى، التي استمرت من عام 1914 حتى عام 1918، العالم إلى أهوال حرب الخنادق والتقنيات الجديدة الفتاكة مثل الغازات السامة والدبابات، وكانت النتيجة واحدة من أكثر المذابح المروعة التي شهدها العالم على الإطلاق، حيث فقد أكثر من 16 مليون عسكري ومدني حياتهم على مدار هذه السنوات.

غيّرت هذه الحرب خريطة القوى بشكل جذري، مما أدى إلى انهيار إمبراطوريات مترامية الأطراف؛ مثل الإمبراطورية النمساوية المجرية والعثمانية والروسية التي كانت ذات ثقل لقرون، في حين تشكلت دول جديدة لتحل محلها.

أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى

طبقًا للمؤرخين، لعبت عوامل مثل: العسكرة، الإمبريالية، القومية والتحالفات المتبادلة دورًا في بناء التوترات التي ساهمت بشكل كبير في اندلاع الحرب العالمية الأولى، لكن أثناء هذه التوترات، لم يستطع أي شخصٍ تحديد السبب الحقيقي لاشتعال فتيل حرب عالمية.

حسب وثائقي المتحف الوطني بكانساس سيتي، لا أحد يستطيع أن يذكر بالضبط سبب حدوث الحرب العالمية الأولى، وهذا التشتت، قد يكون أفضل تفسير لقيام حرب من الأساس.

فيما يلي، نوضّح ماذا تعني العوامل التي تم ذكرها سلفًا، والتي أدت بالنهاية لقيام الحرب العالمية الأولى.

العسكرة

كان أواخر القرن التاسع عشر حقبة المنافسة العسكرية، لا سيما بين القوى الأوروبية الكبرى، حيث تم الحكم على سياسة بناء جيش أقوى بالنسبة للجيران، مما خلق ثقافة جنون العظمة أدت إلى زيادة البحث عن التحالفات، وكان يغذيها الاعتقاد الثقافي بأن الحرب مفيدة للأمم.

التحالفات

تطورت شبكة من التحالفات في أوروبا بين عامي 1870 و1914، مما أدى فعليًا إلى إنشاء معسكرين مرتبطين بالتزامات للحفاظ على السيادة أو التدخل عسكريًا. حيث ربط التحالف الثلاثي لعام 1882 ألمانيا والنمسا والمجر وإيطاليا. في حين ربط الوفاق الثلاثي لعام 1907 بين فرنسا وبريطانيا وروسيا.

الإمبريالية

دفعت المنافسة الإمبراطورية الدول إلى تبني التحالفات، وكانت المستعمرات عبارة عن وحدات تبادل يمكن المساومة عليها، كما أنها جلبت الدول التي لولاها ما كانت لتتفاعل في الصراع والاتفاق، على سبيل المثال؛ ساعدت الحرب الروسية اليابانية (1905) على التطلعات في الصين، في ظهور الوفاق الثلاثي.

القومية

كانت القومية أيضًا مصدرًا جديدًا وقويًا للتوتر في أوروبا، كانت مرتبطة بالنزعة العسكرية وتعارضت مع مصالح القوى الإمبريالية في أوروبا، وخلقت القومية مجالات اهتمام جديدة يمكن للدول أن تتنافس عليها.

الأحداث التي قادت لقيام الحرب العالمية الأولى

الحرب العالمية الأولى
اغتيال الدوق فرانز فيرديناند.

طبقًا لموقع «His­to­ry»، المختص بتأريخ الأحداث العالمية الكبرى، هناك أحداث رئيسية لعبت دورًا فاعلًا في اندلاع الحرب العالمية الأولى، نذكرها تباعًا.

التحالف الفرنسي الروسي (1894)

خافت كل من روسيا وفرنسا، اللتين تعرضا للإذلال في الحرب الفرنسية البروسية 1870–1871، من القوة الصاعدة لألمانيا، التي شكلت بالفعل تحالفات مع النمسا والمجر وإيطاليا، لذلك قررت الدولتان توحيد قواهما من أجل الحماية المتبادلة، وكان هذا التحالف بداية ما سيصبح جانب الحلفاء، ما يعرف بالوفاق الثلاثي في الحرب العالمية الأولى.

حسب ريتشارد فوجارتي، أستاذ التاريخ بجامعة ألباني الأمريكية، تلاقى الوفاق الثلاثي على مراحل، بدأت بالتحالف الفرنسي الروسي في عام 1894، والوفاق البريطاني الفرنسي عام 1904، والوفاق الأنجلو-روسي لعام 1907، هو الأمر الذي عزز حقًا نظام الاتفاقيات الدبلوماسية التي شكلت الكتل المعادية الرئيسية التي خاضت الحرب عام 1914.

ويعتقد فوجارتي أن نظام التحالف كان حاسمًا في تشكيل الحرب، وحتى في المساعدة على إحداثها، حيث خلق مجموعة من التوقعات حول التنافس، وتحديد نوع الحرب التي تخيلها الأوروبيون واستعدوا لها.

القانون البحري الألماني الأول (1898)

هذا التشريع، الذي دعا إليه وزير البحرية الإمبراطورية الألمانية المعين حديثًا، الأدميرال ألفريد فون تيربيتز، وسع بشكل كبير من حجم أسطول القتال الألماني، وكان القانون الأول من بين 5 قوانين تفرض حشدًا تخيل فيه الألمان بناء قوة متفوقة على البحرية الملكية البريطانية.

يشرح يوجين بيريجر، الأستاذ المشارك في التاريخ والسلام والعدالة ودراسات الصراع في جامعة ديبول، ومؤلف كتاب الحرب العالمية الأولى: استكشاف تاريخي للأدب تأثير التشريع موضحًا أنّ تيربيتز حاول بناء تحالف مع بريطانيا بشروط ألمانية.

وبدلاً من ذلك، رد البريطانيون ببناء المزيد من السفن، وإنهاء سياسة “العزلة الرائعة” في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، لتشكيل تحالفات مع اليابان وفرنسا وروسيا، باختصار، خلقت القوانين البحرية الألمانية عواقب غير مقصودة.

الحرب الروسية اليابانية (1904–1905)

بداية، أراد القيصر الروسي نيكولاس الثاني الحصول على ميناء يسمح لسفنه البحرية والتجارية بالوصول إلى المحيط الهادئ، وأقام مواقعه في كوريا.

بينما رأى اليابانيون في هذا التحرك الروسي تهديدًا، وشنوا هجومًا مفاجئًا على أسطول نيكولاس في بورت آرثر في الصين، الحرب الناتجة، التي خاضها اليابانيون في البحر وعلى البر في الصين، انتصر فيها اليابانيون، ويعتقد أن ميزان القوى بأوروبا بدأ في التغير منذ هذه اللحظة.

وقعت فرنسا وبريطانيا حليفتا روسيا، المتحالفتان مع اليابان، اتفاقهما الخاص في عام 1904 لتجنب الانجرار إلى الحرب، أقنعت فرنسا لاحقًا الروس بالدخول في تحالف مع البريطانيين أيضًا، مما مهد الطريق لتحالفهم في الحرب العالمية الأولى.

أدت الهزيمة في الحرب الروسية اليابانية إلى تحويل الطموحات الروسية إلى الغرب، وخاصة في البلقان، وأثر على المتشددين داخل الحكومة لعدم التراجع في الأزمات المستقبلية.

ضم البوسنة والهرسك للإمبراطورية النمساوية المجرية (1908)

بموجب معاهدة عام 1878، كانت الإمبراطورية النمساوية المجرية تحكم البوسنة والهرسك، على الرغم من أنها من الناحية الفنية كانت لا تزال جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، ولكن بعد أن ضمت الحكومة النمساوية المجرية أراضيها، جاءت هذه الخطوة بنتائج عكسية.

أراد معظم سكان المقاطعتين السلافية أن يكون لهم بلدهم الخاص، بينما كان لدى السلاف في صربيا المجاورة طموح الاستيلاء على المقاطعات نفسها.

كان التوتر مرتفعًا في البلقان، حيث قاوم السلاف، بمساعدة السلاف في روسيا، حكم النمسا-المجر، بالإضافة إلى ذلك، وجهت هذه الخطوة روسيا، التي كانت تعتبر نفسها حامية صربيا، نحو مواجهة تدريجية مع النظام النمساوي المجري.

إيطاليا تغزو ليبيا (1911)

كانت الدولة الإيطالية الحديثة، التي لم تبدأ حتى عام 1861، قد استُبعدت إلى حد كبير من التدافع الذي أدى إلى تحول بريطانيا وفرنسا وقوى أخرى إلى إمبراطوريات عالمية، لذلك، وضعت الحكومة الإيطالية أنظارها على ليبيا، خاصةً لأن ليبيا لم تكن هدفًا لأي من القوى الأوروبية الكبيرة، بالتالي قررت الاستيلاء على ليبيا الواقعة تحت حكم الإمبراطورية العثمانية.

انتهت الحرب الإيطالية العثمانية بمعاهدة سلام، لكن الجيش العثماني غادر ليبيا وترك الإيطاليين يستعمرونها، وكان هذا الصراع العسكري الأول الذي شهد قصفًا جويًا، ولكن، كانت الأهمية الحقيقية أنه كشف اهتزاز الإمبراطورية العثمانية وضعف سيطرتها على المناطق المحيطة بها.

حرب البلقان (1912- 1913)

شكلت صربيا وبلغاريا والجبل الأسود واليونان، التي انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر، تحالفًا يسمى رابطة البلقان، كان التحالف المدعوم من روسيا القيصرية يهدف إلى انتزاع المزيد من الأراضي المتبقية للإمبراطورية العثمانية في البلقان.

في حرب البلقان الأولى عام 1912، هزمت صربيا واليونان والجبل الأسود القوات العثمانية وأجبرتها على الموافقة على هدنة، لكن سرعان ما تفككت رابطة البلقان، وفي حرب البلقان الثانية، حارب البلغار اليونانيين والصرب مقدونيا، كما قفزت الإمبراطورية العثمانية ورومانيا إلى المعركة ضد البلغار أيضًا.

هُزمت بلغاريا في النهاية، لكن الأهم؛ هو ما تسببت فيه حروب البلقان من اضطرابات في المنطقة، وبسبب فراغ السلطة الذي تركه العثمانيون، نمت التوترات بين صربيا والامبراطورية النمساوية المجرية، لذلك، يعتقد كثير من المؤرخين أن حروب البلقان هي البداية الحقيقية للحرب العالمية الأولى.

اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند (1914)

ذهب الأرشيدوق، الذي كان وريث العرش النمساوي المجري، إلى سراييفو لتفقد القوات الإمبراطورية المتمركزة في البوسنة والهرسك، وقُتل هو وزوجته صوفي بالرصاص في سيارتهما على يد شاب ثوري صربي يدعى جافريلو برينسيب يبلغ من العمر 19 عامًا.

وضعت عملية الاغتيال تلك، الإمبراطورية النمساوية المجرية وروسيا، اللتين رأتا أنهما حاميتان الصرب، في مأزق، حيث لم يرغب أي منهما في التراجع والظهور ضعيفًا، خوفًا من معركة قد تجذب روسيا، بالتالي لجأت النمسا والمجر إلى مساعدة ألمانيا، التي وعدت بالدعم إذا استخدم المجريون النمساويون القوة ضد الصرب، وشجع الدعم الألماني النمسا-المجر على إعلان الحرب على صربيا في 28 يوليو 1914.

بعد يومين، تحرك الجيش الروسي ورأى الألمان أنهم أيضًا في مأزق، لم يرغبوا في محاربة كل من روسيا وحليفتها فرنسا على جبهتين في وقت واحد، لذلك أصبح من الضروري إخراج الجيش الفرنسي من الحرب قبل أن تكون روسيا مستعدة للقتال.

أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في 1 أغسطس، وبعد يومين أعلنت الحرب على فرنسا، في حين تجمعت القوات الألمانية على حدود بلجيكا المحايدة، والتي خططوا لعبورها من أجل غزو فرنسا، وفي 4 أغسطس، أعلنت بريطانيا العظمى الحرب على ألمانيا، ومن هنا بدأت الحرب العالمية الأولى.

مصدر 1مصدر 2