كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
يبدو موقف لبنان الرسمي من الحرب الروسية – الأوكرانية كمن ارتدى ثياباً فضفاضة فوق جسد نحيل، بينما كان الأجدى، في رأي المتعاطفين مع موسكو، ان يعتمد مقاربة متوازنة تناسب مقاسه الدقيق.
إفترض البعض في البداية، انّ البيان الأول لوزارة الخارجية كان كناية عن «تسديدة عشوائية»، قبل أن يأتي تصويت لبنان في الأمم المتحدة إلى جانب قرار دولي يندّد بروسيا، ليُبيّن انّ هناك قراراً متخذاً عن سابق تصور وتصميم بالاصطفاف مع المعسكر المناهض لموسكو، انطلاقاً من اجتهاد او تقدير معيّن لمصلحة الدولة اللبنانية او بعض مكوناتها.
والمفارقة، انّ لبنان يحاول في الوقت نفسه إقناع روسيا بأنّ موقفه المرتفع السقف ليس موجّهاً ضدّها ولا يعكس عداءً لها، محاولاً التوفيق بين إرضاء واشنطن والغرب من جهة وعدم إغضاب موسكو من جهة أخرى.
واللافت أيضاً، انّ «أبوة» الخيار اللبناني «الهجومي» غير واضحة تماماً، ويكاد حسمها يحتاج إلى إجراء فحص «دي إن أي» سياسي، وسط سعي كلٍ من المعنيين الى التخفف من أثقال هذا الخيار وإلقاء أعبائه وتبعاته على الآخر.
وعُلم انّ جهات داخلية عدة، ومنها «حزب الله» وحركة «امل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، أبلغت الى موسكو عبر أقنية ديبلوماسية، رفضها التام للبيان الذي صدر عن وزارة الخارجية اللبنانية ضدّ روسيا، وعدم موافقتها عليه.
وضمن سياق السعي إلى ترميم الجسور المتصدّعة مع روسيا وتوضيح حيثيات القرار المعلن بالانحياز الى المحور المعادي لها، زار مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل ابو زيد موسكو، حيث التقى الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين في الشرق الاوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وشرح له دوافع ذاك القرار»المرتكز على ثوابت مبدئية واعتبارات سياسية»، وفق تفسيرات الموفد الرئاسي.
وتفيد المعلومات، انّ بوغدانوف أبدى انزعاجه من السلوك اللبناني، متسائلاً: «ما الذي يجنيه لبنان من الموقف الذي اتخذه وكيف يمكنه أن يستفيد منه؟».
وتضيف المعلومات، انّ الروس يميلون الى تحميل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل المسؤولية الأساسية عن التوجّه غير الديبلوماسي الذي اعتمدته الدولة حيال الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصاً انّ تقارير سفيرهم في بيروت صبّت في هذا السياق. الّا انّ ابو زيد نفى ذلك، ملمّحاً الى دور لأحد المسؤولين في إقناع رئيس الجمهورية ميشال عون بضرورة مجاراة الاتجاه الأميركي والغربي تفادياً للضغط، ومشدّداً على أنّ ما صدر عن لبنان «ليس المقصود منه بتاتاً استعداء موسكو التي نحرص على أفضل العلاقات معها».
ولكن يبدو انّ شروحات ابو زيد لم تكن كافية لاحتواء أزمة الثقة التي دفعت إحدى الشخصيات الروسية الرفيعة المستوى الى حدّ القول، إنّه ليس مستغرباً ان «تتلقّى روسيا طعنة لبنانية إرضاء للأميركيين، ما دام البعض مستعد اصلاً للتنازل عن جزء من الحقوق البحرية والنفطية من أجل مسايرة واشنطن».
ومع انّ عتب الروس على لبنان كبير، وقد يترك أثره على العلاقات السياسية، الّا انّهم ليسوا في صدد الانتقام عبر أي إجراءات عقابية، علماً انّ هناك من كان قد أبدى تخوفه من انعكاسات سلبية على اللبنانيين المقيمين في روسيا، خصوصاً الطلاب الحائزين على مِنح روسية لاستكمال تعليمهم والبالغ عددهم نحو 240 طالباً، يدرسون في معظمهم الطب.
هذا الهاجس زال بعدما سمع السفير بونصار من بوغدانوف تأكيداً بأنّ موسكو وعلى رغم انزعاجها من الموقف الرسمي، لن تتخذ أي تدابير ضد الجالية اللبنانية في موسكو، «ونحن نعرف انّ معظم القوى السياسية في لبنان داعمة لنا وإيجابية حيالنا».