كرّس مارتن لوثر كينج حياته لمناهضة العنف بالولايات المتحدة الأمريكية بمطلع القرن الـ20، حيث يعد إحدى أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا محوريًا في إنهاء سنوات من الفصل العنصري بالمجتمع الأمريكي ضد الأمريكيين من أصل إفريقي، بينما تكلل نجاحه أخيرًا بإنشاء قانون الحماية المدنية عام 1964.
مارتن لوثر المُلهم
في الواقع، لم يحمل مارتن لوثر كينج المولود عام 1929 هذا الاسم منذ ولادته، لكن القصة وراء هذا الاسم تعود بالأساس لوالده، مايكل كينج الأب، الذي عمل قسا بكنيسة أتلانتا، حين سافر إلى ألمانيا عام 1934، وتأثر بزعيم الإصلاح البروتستانتي «مارتن لوثر»، آنذاك قرر تغيير اسمه (مايكل كينج) وبالتبعية اسم نجله صاحب الـ5 سنوات إلى مارتن لوثر كينج.
كان كينغ طالبًا متفوقًا للغاية، لدرجة تخطيه الصف الـ12، وتسجيله كطالب جامعي بعمر 15 عامًا فقط، حيث أراد دراسة علم الاجتماع، في حين رسمت عائلته مستقبله بشكل مغاير، حتى وإن تركت له حريّة الدراسة الأكاديمية، حيث أراد أفراد أسرته له أن يسلك طريق الإصلاح، كسائر أفراد العائلة.
رؤية مارتن لوثر كينج
آمن مارتن لوثر كينج الابن أن جميع الرجال خلقوا متساوين ويجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق والامتيازات، وكان أحد أكثر خطوطه المؤثرة من خطابه الشهير «لدي حلم»، هو أنه كان يأمل في أن يتم الحكم على أطفاله من خلال محتوى شخصيتهم، وليس لون بشرتهم.
”عندما ندع الحرية تدق الباب، عندما نتركها تدق باب كل منزل وكل قرية صغيرة، كل دولة وكل مدينة، سنكون قادرين على الإسراع والتكاتف والغناء: حرة أخيرًا، نحن أحرار أخيرًا“.
-مقتطف من خطاب مارتن لوثر كينج التاريخي عام 1963 (لدي حلم).
ومع ذلك، فإن الطريقة التي سعى بها لتحقيق هذا الهدف كانت أحد العوامل التي ساهمت في التغيير بشكل حقيقي، والتي كانت مستوحاة من سياسة «المهاتما غاندي» عبر الاحتجاج السلمي، حيث رسخ فكرة العصيان المدني في قلوب وعقول أتباعه، مما جعله قائدًا عالميًا للسلام.
فلسفة «اللاعنف»
في كتابه» خطوة نحو الحرية: قصة مونتغمري»، شرح مارتن لوثر كينج إيمانه القوي بفلسفة وقوة اللاعنف، وأوضح ذلك عبر 6 مبادئ أساسية، وهي:
- اللاعنف أسلوب حياة للأشخاص الشجعان، وهو أسلوب غير عنيف نشط لمقاومة الشر.
- اللاعنف يسعى لكسب الصداقة والتفاهم، والنتيجة النهائية للاعنف هي المصالحة.
- اللاعنف يسعى إلى هزيمة الظلم وليس الناس، اللاعنف يعترف أن الأشرار هم أيضًا ضحايا.
- يعتقد أن المعاناة يمكن أن تربى وتتحول، حيث يقبل اللاعنف عن طيب خاطر عواقب أفعاله.
- اللاعنف يختار الحب بدلاً من الكراهية، اللاعنف يختار الحب بدلًا من الكراهية.
- يؤمن اللاعنف بأن الكون يقف إلى جانب العدالة، بالتالي يعتقد منتهجه أن العدالة ستنتصر في النهاية.
بشكل عام، آمن كينج أن اللاعنف كان رفضًا نشطًا لقسوة واستبداد الطبقة المعارضة، وليس لمجرد تجنب التداعيات، وهذا هو الاعتقاد الأساسي، الناشئ عن التجربة الأمريكية الفريدة للحياة المدنية بعد العبودية المؤسسية والعنصرية، وهو ما تم نقله من خلال تأثير كينج في جميع أنحاء العالم.
قانون الحماية المدنية
بفضل مارتن لوثر كينج الابن وجهود أنصاره، أدركت أمريكا قوة الاحتجاج السلمي، خاصةً عندما قوبلت جهوده اللاعنفية بالعنف، ما أكسب الفئات المعترضة التعاطف والدعم.
كان كينغ مسؤولاً إلى حد كبير عن تمرير قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965، حيث حظر قانون الحقوق المدنية التمييز في القوى العاملة وأماكن الإقامة العامة على أساس «العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي»، بينما يحمي قانون حقوق التصويت حق الأمريكيين من أصل إفريقي في التصويت، كما لعب دورًا رئيسيًا في إقرار قانون الإسكان العادل لعام 1968، وهذا يمنع الناس من حظر السود من أي نوع من المساكن، سواء أكان ذلك إيجارًا أم بيعًا.
اغتيال سبقه اغتيال
في 4 أبريل 1968، وفي تمام الساعة 6:01 مساءً، تم نقل مارتن لوثر كينج إلى مستشفى «القديس يوسف» حيث توفي الساعة 7:05 مساءً، إثر تعرضه لطلق ناري بفندق «لورين» بولاية تينيسي، ليسدل الستار على قصة الحائز على جائزة نوبل للسلام.
تم القبض على جيمس إيرل راي، الهارب من سجن ولاية ميسوري، في 8 يونيو 1968، في مطار هيثرو بلندن، وتم تسليمه إلى الولايات المتحدة واتهم بارتكاب الجريمة.
في 10 مارس 1969، أقر بالذنب وحُكم عليه بالسجن 99 عامًا في سجن ولاية تينيسي، وفي وقت لاحق، قام بالعديد من المحاولات لسحب إقراره بالذنب ومحاكمته أمام هيئة محلفين، لكنه لم ينجح، قبل أن يُتوفى راي في السجن عام 1998.
قبل ذلك، وفي محاولة لتحييد نفوذ كينج، نفذ مكتب التحقيقات الفيدرالي عملية مراقبة ضده، لجمع الأدلة، وربط الزعيم الأسود بالقوات الشيوعية، قاموا بالتنصت على غرف الفندق والأماكن الخاصة الأخرى.
لم تقدم التسجيلات الناتجة أي دليل على التأثير الشيوعي ولكنها سلطت الضوء على العلاقات الزوجية لكينج.
في نوفمبر 1964، أرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي التسجيلات إلى كينج وزوجته، في محاولة للضغط عليه للانتحار لمنع الكشف عن شؤونه، واستمر مكتب التحقيق الفيدرالي في التنصت على الحقوقي الأمريكي حتى عام 1968، ومع ذلك، لم يتم الإفراج عن التسجيلات للجمهور لتجنب الشكوك ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي بمراقبة مواطنيها.
ختامًا، يعتقد المؤرخون أن تأثير تجربة مارتن لوثر كينج الحقوقية لم يتوقف عند حدود الولايات المتحدة الأمريكية، بل تخطاها ليلهم نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، الذين استخدم سياسة اللاعنف الخاصة بكينج بعد حوالي 30 عامًا من وفاته.