التخطي إلى المحتوى

السؤال:

الملخص:

امرأة خانت زوجَها مع زميلٍ لها في العمل، فأجبَرها على التنازل عن أولادها، وعن شقتها، وأخذ أموالها وذهبها، وترَكها بلا سكن ولا وظيفة، وهي تسأل: ما الحل؟

 

تفاصيل السؤال:

خنتُ زوجي مع زميلي في العمل، وعرف زوجي من رسائل هاتفي، فضربني وحبسني في المنزل، وأجبرني على التنازل عن حضانة الأولاد، وإلا فسوف يفضحني ويرفع عليَّ قضية زنا، وينشر الرسائل، وأجبرني على التنازل عن شقتي في بلدي التي أدفع أقساطها من راتبي لمدة سبع سنوات؛ حيث إننا نعمل في الخليج، وتنازلت عن سيارتي وأخذ كل أموالي وذهبي، وطلقني، وأرجعني إلى بلدي، وأخذ هاتفي وأرسل الرسائل إلى أهلي وأهله، حتى إن أعلَمَ صديقه، وفضحني أمام أبنائي، فتركت عملي دون أن أستقيل، ومن المؤكد أنني فُصلت من العمل، لقد عصيت الله، وأستوجب العقاب، وقد تبت وأستغفر الله ليلَ نهارَ، وصرتُ أصلي القيام وأقرأ القرآن، وما زاد الأمر سوءًا أن أختي متزوجة من أخي زوجي، وزوجها منعها زيارة أمي؛ لأنني أقيم معها حاليًّا؛ فأنا عنصر فاسد، ويجب الابتعاد عنه كما يقول، فهل هذا من حقه؟ وهل من حق زوجي أن يأخذ مني كل ما أملك، ويقطع رزقي، ويجبرني على ترك عملي وترك البلد التي فيها أولادي؟ أنا الآن ليس عندي سكن ولا وظيفة، ولا مال، ولا أي شيء، وهل يقبل الله دعائي ويرد لي زوجي وأولادي أو إن دعاء العصاة أمثالي غير مستجاب؟ فأنا أموت في البعد عن أولادي.

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فمرحبًا أختي الكريمة، ونشكركِ على الثقة بهذا الموقع.

 

الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21].

 

فالحال – كما أخبر الله سبحانه – عبارة عن خطوات، وكسر للحواجز شيئًا فشيئًا حتى يقع الإنسان في الذي كان يفر منه بداية الأمر أشد الفرار.

 

والله سبحانه وتعالى قال في تحريم الزنا: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]؛ يقول الإمام السعدي في تفسير هذه الآية: “والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ فإن ((من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه))، خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داعٍ إليه.

 

ووصف الله الزنا وقبحه بأنه ﴿ كَانَ فَاحِشَةً ﴾؛ أي: إثمًا يُستفحش في الشرع والعقل والفِطَرِ؛ لتضمُّنِهِ التجريَ على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.

 

وقوله: ﴿ وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾؛ أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم”.

 

أختي الكريمة: حينما حرَّم الشارع الحكيم هذا الفِعل القبيح، فتح باب التوبة؛ يقول الله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 – 70]، فلماذا كل هذا القنوط، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]؟

 

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكِ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ))؛ [رواه مسلم].

 

ولعل ما أصابكِ من أذًى جراء وقوعكِ في الفاحشة هو خير معين لكِ على تدارك نفسكِ بالتوبة النصوح والإنابة إلى الله سبحانه.

 

وهذا الخطأ الذي وقعتِ فيه خطأ متعدٍّ، ففيه إفساد لفراش الزوجية، وتعدٍّ على حق الزوج، وأما بالنسبة لما فعَل هو، فليس المقام هنا مقام إصدار أحكام، فالقضاء وجهات التحقيق هي التي تحكُم في مثل هذه المواضيع بعد دراسة ملابسات الموضوع ومن جميع الأطراف.

 

مع النصيحة لكل من وقع عليه خطأ ألَّا يُسرِف في استيفاء حقه ولا يتعدَّى، وألا يسعى للفضيحة.

 

سائلًا الله لكِ الهداية والتوبة النصوح، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.