التخطي إلى المحتوى

 

ينعقد البرلمان اللبناني بعد غد الخميس في جلسة عامة للتصويت على طرح الثقة بوزير الخارجية عبدالله بو حبيب، في خطوة نادرة قلما شهدتها الحياة البرلمانية في بلاد غالباً ما تُتخذ فيها القرارات خارج المؤسسات.

طرْح الثقة بوزير الخارجية يأتي بناء على طلب تَقَدَّم به نواب حزب «القوات اللبنانية»، الذي يتهم بو حبيب ووزارته بالتلاعب في التحضيرات لاقتراع المغتربين المقرر يومي 6 و 8 من الشهر المقبل في أمكنة انتشار اللبنانيين في الخارج.

 

وبغض النظر عن النتيجة التي ستؤول إليها عملية طرح الثقة الخميس، فإن اقتراع المغتربين لاختيار برلمان 2022 – 2026 شكل مادة سجالية في بيروت على مدى الأشهر الأخيرة.

وغالباً ما تم التعاطي مع ملف اقتراع الاغتراب اللبناني كـ«قنبلة موقوتة» يراد منها تطيير الاستحقاق الانتخابي برمته نتيجة الاعتقاد بوجود أطراف وازنة متضررة من إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده.

وتروي لبنانية مقيمة على نحو متقطع في إحدى الدول الأوروبية، أنها فضلت تسجيل اسمها للاقتراع هناك، تَحَسُّباً لأي طارئ يمنعها من العودة إلى لبنان لأداء واجبها الانتخابي في الخامس عشر من مايو المقبل. وهي تقترع للمرة الثانية، لكنها هذه المرة تبدو أكثر حماسة وهي تتحدث عن الانتخابات النيابية لاعتقادها أنها فرصة لا مفر منها لإحداث تغيير في البرلمان.

ورغم أن هذه السيدة تقترع لأحد الأحزاب المعارضة وليس لـ «قوى الثورة» أو المستقلين، إلا أنها تعتبر أن المهم هو الاقتراع لأي طرف ضد السلطة القائمة. وتروي كيف أن جوّ اللبنانيين حيث تقيم محتدم بين معارضة وموالاة، وأن أحزاب الموالاة ناشطة في الاتصالات حتى بمعارضيها المعروفين وتعمل على تشجيع مناصريها على الاقتراع.

في كل دول الاغتراب الحال الانتخابية واحدة. فبعض المغتربين يتحدثون عن الانتخابات في شكل حماسي يفوق حماسة المقيمين في لبنان، وزادت وسائل الاتصال ومواقع التواصل من ارتباطهم أكثر بمجريات التحضير للانتخابات وتشكيل اللوائح والتحالفات. لكن مع ذلك ما زالت مخاوف الإطاحة باقتراع المغتربين، تشغل بالهم. فقبل أقلّ من ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات النيابية، استمرت الإشكالات حولها ولم يتراجع الضجيج السياسي – الإعلامي المُشَكِّك في التحضيرات لها.

تجرى الانتخابات خارج لبنان يومي الجمعة 6 مايو والأحد الثامن من مايو بحسب مصادفة يوم العطلة الرسمية في «دول الاقتراع»، أي سيتم الاقتراع في 9 دول عربية وإيران يوم الجمعة، وفي 47 دولة غربية وأفريقية يوم الأحد، وألغي الاقتراع في أوكرانيا بسبب الحرب فيها.

وبحسب ما جرى في انتخابات 2018، فإن صناديق الاقتراع يفترض أن تنقل عبر شركة شحن «DHL»، إلى الخارج للاقتراع ومن ثم إلى لبنان، بإشراف وزارة الخارجية ومديرية المغتربين فيها، على أن تشق طريقها بحماية أمنية الى المصرف المركزي في بيروت ولا تُفتح إلا في نهاية يوم الانتخابات في 15 مايو، لتُفرز مع النتائج العامة للدوائر الـ15 في لبنان.

في الانتخابات التي جرت عام 2018، والتي شارك فيها المغتربون للمرة الأولى، سجل 83 ألف ناخب في 40 بلداً، حينها جرى الكلام عن تلاعب في أصوات المقترعين لكن السلطة ووزارة الداخلية رفضتا كل الاتهامات التي طالت طريقة نقل صناديق الاقتراع وحفْظها في مصرف لبنان.

ومنذ أن بدأ التحضير للانتخابات المقبلة، تحولت قضية اقتراع غير المقيمين بنداً أساسياً في الصراع السياسي، بين السلطة والقوى المعارضة لها، وخصوصاً بين القوى المسيحية، أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» ومعها حزب الكتائب. فـ«التيار الوطني» برئاسة النائب جبران باسيل يردد دائماً أن الفضل يعود له في إقرار بند اقتراع غير المقيمين وحقهم في التصويت، خصوصاً حين كان باسيل وزيراً للخارجية وقام بالتواصل مع غالبية بلدان الاغتراب. وهو من أجل ذلك أراد أن يقر الدائرة التي اعتمد على تسميتها «الدائرة 16» من أجل حفظ حق المغتربين في انتخاب نوابهم الستة في القارات كما نص عليه القانون.

لكن «التيار» الذي ذهب بالقانون إلى الطعن لدى المجلس الدستوري، لاقى معارضة شديدة لا سيما من القوى المسيحية المعارضة التي اعتبرت أن إصرار باسيل على الدائرة 16 يعني خشيته ومن خلفه «حزب الله» من أن يفرض المغتربون إيقاعهم المعارض في الانتخابات وعلى مجمل نتائجها، بعد احتجاجات في 17 أكتوبر 2019 وانفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020) وكثافة الهجرة الشبابية جراء انعدام الفرص في لبنان.

بعد رفض المجلس الدستوري الطعن، بدأ تسجيل المغتربين للاقتراع يأخذ حيزاً من الاهتمام، وعندما رسا الرقم على 225114 من الذين استوفوا شروط التسجيل من أصل 244 ألفاً و442 ناخباً، صار للقضية بُعْد آخر. إذ أَظْهَرَ تَوَزُّع الناخبين في الدول العربية وأوروبا وأميركا منحى معارضاً، الأمر الذي ظهر في مقاربة قوى السلطة والموالاة لهذا الرقم البالغ التأثير.

تدريجياً تفاعلت المخاوف من احتمالات تطيير اقتراع المغتربين، حين جرى الكلام عن نقص في المواد اللوجستية اللازمة لعملية الاقتراع، ثم موضوع الكلفة المالية للعملية التي تحدّث عنها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وقوله إنه طلب من ممثلي المجتمع الدولي في لبنان المساعدة إضافة إلى الطلب من السفراء والقناصل استخدام علاقاتهم لتأمينٍ مجاني لقاعات تُستخدم كمراكز اقتراع. ثم تطور الكلام إلى وضع السفراء والقناصل في ضوء الصراع على التشكيلات الديبلوماسية والمناقلات والعجز المالي الذي تعانيه الخارجية وما شابه.

بقي كل ذلك في إطار حملات الضغط التي تتهم المعارضةُ السلطةَ باللجوء إليها لتطيير الانتخابات. لكن في الأيام الأخيرة، كشف الحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، عن ضغط يمارسه قناصل محسوبون على «التيار الوطني الحر» في أستراليا والولايات المتحدة وأوروبا من أجل تضييق فرص إقتراع المسجلين. وتركزت الإتهامات على أن القناصل عمدوا إلى تشتيت العائلات ووضع أسماء ناخبين من عائلة واحدة في مراكز إقتراع مختلفة وتفصل بينها أكثر من ساعتين. وهذا الأمر يجعل من الصعب على العائلة الواحدة تَحَمُّلَ مشقات التنقل والإقتراع في أمكنة متباعدة في يوم واحد. ورغم ان الخارجية حصرت الشكاوى في استراليا إلا ان إعتراضات مماثلة حصلت في الولايات المتحدة واوروبا.

رفع الحزبان (الإشتراكي والقوات) الصوت عالياً متهميْن «التيار الوطني» ووزارة الخارجية، بالقيام عمداً بعرقلة عملية الإقتراع في الخارج. وردّت «الخارجية» ومن ثم «التيار الوطني» الذي تولى هذه الحقيبة على مدى الأعوام الثمانية الأخيرة وله حضور قوي في الوظائف الإدارية والديبلوماسية وخصوصاً في بلاد الإغتراب. وإتهما تحديداً «القوات» بأنها تفتعل مشكلات ومغالطات، في التصويب على أداء وزارة الخارجية.

في المقابل ذهبت «القوات» بعيداً في طلب طرح الثقة بوزير الخارجية. وقامت بحملات مركزة ضد أداء «التيار» في الإغتراب منذ الطعن، وصولاً إلى حملة ديبلوماسية مع المجتمع الدولي والسفراء في لبنان لاطلاعهم على حقيقة ما يحصل في الخارج، وأخيراً طرح الثقة. وقد تفاعلت هذه الإعتراضات لدى الإتحاد الإوروبي الذي من المفترض ان تراقب بعثته الخاصة الإنتخابات، ونقل إعتراضاته إلى السلطات اللبنانية المعنية.

كما في كل دورة إنتخابية، فان الإشكالات تبقى قائمة حتى اللحظة الأخيرة، ومخاوف قوى السلطة من إقتراع المغتربين وتأثيرها على نتائج التصويت العام قد تتصاعد أكثر وسط حملات متبادلة. النتيجة الإيجابية إنها أدت حتى الآن إلى إستنفار الأوساط الإغترابية، التي بدأت تحشد مسبقاً ماكيناتها الإنتخابية لتأمين وصول المسجلين إلى مراكز الإقتراع حتى لو لم تعدّل وزارة الخارجية وقناصلها ما قاموا به.

ولم يكن عابراً ردّ بو حبيب بعيد انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت اليوم الثلثاء على تحديد جلسة نيابية الخميس للنظر في طرح الثقة به إذ قال «ضرب الحبيب زبيب»، موضحاً في ما خص توزيع أقلام الاقتراع في سيدني «ما كُتب قد كُتب، ويمكن للمتضرّر اللجوء إلى القضاء أو لهيئة الإشراف على الانتخابات».