التخطي إلى المحتوى

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


المزيد من المشاركات

إذا كانت العولمة بكل منتجاتها ساهمت في تنميط الاحتياجات والسلوك البشري وعملت على إيجاد – بتحفظ – “لغة ثقافية” متشابهة بين مجتمعات العالم، فإن النزاعات والأزمات الدولية أنتجت عوامل ربط أخرى بين دول العالم بسبب حالة السيولة واللا يقين وتُسمى المخاطر. فلا توجد دولة في العالم لا تعيش حالة من حالات المخاطر.

بالأمس خرج علينا مدير منظمة الغذاء العالمية ومدير برنامج الغذاء العالمي لينذرنا بأن العالم أصبح يعاني من أزمة غذاء عالمية لا تقل في خطورتها عن أزمة الطاقة الدولية التي طالت معظم دول العالم. بل إن معظم دول العالم تعيش الأزمتين في آن واحد. وإذا كان بالإمكان الاستغناء مرحليا عن طاقة الغاز والنفط بأنواع أخرى من الطاقة، فكيف يمكن الاستغناء عن الغذاء الذي يمد الإنسان بالطاقة التي تمكنه من أن يحيا ويعمل !

وفي نفس السياق، أكد تقرير المخاطر الدولية الذي صدر في ١١ يناير من هذا العام على تعرض العالم لخمسة أنواع من المخاطر. وأهمها المخاطر الاقتصادية ثم المخاطر البيئية ثم المخاطر الجيوسياسية فالمخاطر الاجتماعية وأخيراً المخاطر التقنية والمرتبطة بالثورات التي تشهدها المجالات التكنولوجية.

ومن أهم المخاطر الاقتصادية فشل معظم دول العالم في التحكم في أسعار السلع والمنتجات، أما بالنسبة للمخاطر البيئية، فأبرزها أزمة الموارد الطبيعية. وجاء انهيار الدولة والمؤسسات الدولية على رأس المخاطر الجيوسياسية، ثم الأوبئة على رأس المخاطر الاجتماعية، وكان الفشل في حوكمة التكنولوجيا على رأس المخاطر التقنية.

ومما لاشك فيه أن مصر قد تأثرت بهذه المخاطر الخمسة تأثرا ملحوظا، باعتبارها دولة مندمجة بشكل كبير في الاقتصاد العالمي والأحداث الدولية معا. لذلك تأتي طبيعة السياسات التي يتم وضعها لمجابهة تلك المخاطر على رأس أولويات الدولة. وكلما كانت الاستجابة سريعة وشفافة تمكن المجتمع المصري من فهم حالة المخاطر ومحاولة التكيف معها حتى يتمكن من الصمود تجاهها ومجابهتها بشكل مدروس.

ومن هذا المنطلق واستنادا إلى مخرجات تقرير المخاطر العالمية للعام ٢٠٢٢ ، فقد خلص التقرير إلى أن مصر تواجه خمسة مخاطر رئيسية، وجاءت بالترتيب: الخطر الأول: أزمة الموارد الطبيعية، الخطر الثاني: الأمراض المعدية، الخطر الثالث: أزمة المديونية، الخطر الرابع: الإخفاق في التحكم في الأسعار، الخطر الخامس: التشغيل.

ولو أخذنا دولة متقدمة للتعرف على طبيعة المخاطر التي تواجهها فقد نجد تشابها مع المخاطر التي تواجهها مصر. فعلى سبيل المثال تواجه فرنسا أيضا خمسة مخاطر: الخطر الأول: ضعف التماسك الاجتماعي، الخطر الثاني: أزمة المديونية التي تعاني منها الاقتصاديات الكبرى، الخطر الثالث: فشل سياسات تحسين المناخ، الخطر الرابع: ندرة الموارد الجيواستراتيجية، التطور الخامس: فشل إجراءات الأمن السيبراني.

لذلك تصلح هذه المخاطر كنقطة انطلاق لوضع أولويات لسياسات الدولة. وبالفعل بدأت دول الاتحاد الأوروبي في انتهاج سياسات تساعد على الصمود في مواجهة تلك المخاطر، خاصة أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عمّقت من حدتها وكشفت عواراً في قدرة الدول على التنبؤ والتعامل مع حالات اللا يقين بشكل أكفأ.

وإذا كانت الحكومة المصرية قد تعاملت بكفاءة مع أزمة وباء كورونا من خلال وضع سياسات استباقية وشفافة، فهناك إمكانية للتعامل مع مخاطر أزمات الموارد الطبيعية والمديونية بشكل كفء يحول دون إخفاق سياسات الاستدامة ويحفز المجتمع على التعامل الرشيد معها.

رابط المصدر