التخطي إلى المحتوى

النقد السلبي تجاه الأطفال

تقول مها: “أشعر بإحباط كبير عندما أسمع هذه العبارة من والدتي: (أنتِ لا تتعلمين من أخطائكِ)؛ لأنني أشعر وكأنها حكمت عليَّ بأنني إنسانة مفقود الأمل فيها، وبالرغم من أنها محقة في أنني أكرر بعض أخطائي، ولكنني لا أتعمد ذلك، وأحاول تفادي الوقوع في نفس الخطأ”.

 

ويقول محمد: “أحيانًا يحرجني والدي بنقده لي أمام أقربائنا، فأتمنى أن أختفي من المكان، وأقول لنفسي: إن الجميع يضحك عليَّ، ويعتقد أنني ابن سيئ الطباع، وعندما أعبر لوالدي في وقت لاحق عن مشاعري وأفكاري عندما ينتقدني أمام الآخرين، يقول لي: إنني من اضطره لذلك”.

 

أيها الآباء، إن النقد السلبي هو الإشارة والتعبير عن أمر ما بأنَّه خاطئ ومرفوض بتوجيه الناقد تركيزه وإصبعه على النقاط السلبية التي قام بها الشخص، مع إخباره بما كان يجب عليه فعله.

 

ويعتبر النقد السلبي هو النقد من أجل الانتقاد فقط، وليس من أجل التصحيح، وقد يصحبه الشعور بالهجوم، بالإضافة إلى تجاهل إيجابيات الطفل والتركيز فقط على الانتقاد وعدم التحكم بمشاعر الوالدين تجاهه؛ لأن هذا النوع من النقد يعتمد في الغالب على العاطفة أكثر من العقل والمنطق.

 

يقول رحمة: “إن السخرية من الطفل على كل عمل يقوم به تولد لديه روح التذمر والتمرد، ويثير لديه الخوف ويقيد تصرفاته مما يترتب عليه كبت حرية الطفل، وإشعاره بالحرمان، فيُصاب بالتردد والجبن”؛ [أثر معاملة الوالدين في تكوين الشخصية، دار الحياة، دمشق، 1986، ص247].

 

إذا سألت الأب قال: قصدي في ذلك الصلاح، وأن يكون أحسن من غيره، ومشكلة الوالدين أنهما لا يريان إلا القبيح السيئ، وإن كان التصرف النابع من الولد حسنًا، فالسيئات مرئية عندهم والحسنات دفينة.

 

تجد الطفل ينزل إلى الصالة وهو ينتظر من ينتقده، هذا يقول: سروالك طويل، شعرك غير ممشط، بدلتك لونها سيئ … وهكذا، حتى يدرب الطفل نفسه على تحمل النقد.

 

أحد الشباب درجته النهائية بين 50 – 55 %، لما جد واجتهد وصل إلى 60 %، حضر إلى البيت وهو مستبشر لأنه تغير، فيجد من والديه النقد، “لو فيك خير لوصلت إلى 90%، فقط (5 درجات)، هذا الذي قدرت عليه” … وهكذا.

 

للأسف يتسابق الوالدان في معرفة النقص، والتركيز على السلبيات دون النظر إلى كثرة الإيجابيات التي في الطفل، فيهدمان بقية أركانه الصالحة.

 

إن الانتقادات السلبية لها آثار سلبية على الأولاد كبارًا وصغارًا، ذكورًا وإناثًا، فهي تعمل على أن تفقدهم الثقة في النفس، وتجعلهم أشخاصًا فاشلين، بل وتكون دافعًا لأن يقوم الولد بالعناد والتحلي بالصفات السيئة.

 

عندما توجه انتقادًا للطفل، فأنت بذلك قد توجه له رسالة يترجمها الطفل بأنك لا تحبه، وهذا الشعور قد يتطور شيئًا فشيئًا، ويزيد إحساسه بعدم قيمته عندك.

 

كثرة انتقاد الطفل أمام الآخرين تشعره بالخجل من نفسه، ومع الوقت واتخاذ نفس أسلوب النقد السلبي للطفل يشعر، وكأن هناك مشكلة شخصية معه؛ مما قد يجبره على الانسحاب الاجتماعي، والخوف من التعبير عن عواطفه.

 

وهنا ينصح علماء تغيير السلوك الوالدين عند توجيه سلوك الأولاد بالآتي:

 

قم بانتقاد السلوك وليس الشخص، فإذا رأيت غرفة الطفل غير مرتبة، لا تقل له: أنت شخص فوضوي، ولكن قل: غرفتك غير منظمة، هل يمكنك ترتيبها؟ وهكذا في كل موقف عليك أن تفصل الشخص عن السلوك.

 

اقترح حلولًا وأفكارًا، إذا كان طفلك يعاني مشكلة في مادة الرياضيات مثلًا؛ فبدلًا من أن تقول له: لا فائدة منك، أنت ضعيف في هذه المادة، يمكنك القول: أعتقد أن دروس الرياضيات الإضافية يمكن أن تساعدك.

 

تقدير إيجابيات طفلك، من المهم جدًّا التركيز على إيجابيات طفلك والأمور الجيدة التي يقوم بها؛ فمثلًا إذا أنهى طفلك واجبه المدرسي، ولكن خط يده كان بحاجة إلى التحسين، فبدلًا من قول: خط يدك ليس جيدًا، يمكنك القول: إنني معجب حقًّا بأنك أنهيت مهامك المدرسية، ولكن أعتقد أننا بحاجة إلى العمل بشكل أكبر على خطك.

 

أيها الآباء … لا بد من توجيه النقد الإيجابي للأولاد، بهدف تصحيح أخطائهم وممارساتهم السلبية، والمقصود بالنقد الإيجابي توضيح السبب الذي وجه من أجله النقد، وأن يكون ذلك بأسلوب لطيف، بعيدًا عن التصعيد والتجريح لذات الولد، فالنقد للسلوك وليس للشخصية، وكذلك يجب توضيح السلوك البديل المرغوب فيه، مع فتح الباب للنقاش والتحاور مع الابن حول تبعيات السلوك غير المقبول.

 

أسأل الله أن يبعد عنا وعنكم سوء الأخلاق، وأن يجعل بيوتنا عامرة بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يصلح لنا ولكم الذرية وصلى الله على سيدنا محمد.