التخطي إلى المحتوى

جاء في “المركزية”:

ما زال لبنان ينتظر الجواب الاسرائيلي على الطروحات اللبنانية الأخيرة التي نقلها الموفد الأميركي الى مفاوضات الترسيم اموس هوكستين للبناء عليه في المرحلة المقبلة. وعلى الرغم من الترددات السلبية التي تركتها المسيرات الثلاث التي أرسلت الى المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة، فان الجهود الأميركية ما زالت متواصلة على قدم وساق سعيا الى تقريب وجهات النظر تأكيداً على التزاماتها السابقة منذ ان تم الطلاق “اتفاق الإطار” بين الادارة الاميركية ولبنان التي سجل كل منهما تعهداته لجهة تسهيل المفاوضات توصلا الى عملية الترسيم.

وبعيدا من مجموعة السيناريوهات التي رافقت اطلاق المسيرات، فان مصادر ديبلوماسية عليمة اشارت عبر “المركزية” بانه يمكن القول بان الاتصالات التي تلت العملية ومضمون البيان الذي أصدرته الحكومة الاثنين الماضي قد نجحت في تطويق الترددات السلبية التي تركتها وان بإمكان لبنان التأسيس على احياء منطق “براءة” الحكومة من مثل هذه العمليات ان وقعت من خارج السياق السياسي والديبلوماسي وتوجهاتها وما تعهدت به سابقاً.

وعليه، فان ما التزم به لبنان امام الوسيط الاميركي المسهل في مهمته التي تلت وصول سفينة “اينيرجين باور” الى “حقل كاريش” ما زال قائمًا من ضمن الشروط الكاملة التي تحدد الحقوق والواجبات لمختلف الأطراف. وان الرهان كان وسيبقى على الدور الاميركي لتأمين جواب اسرائيلي ايجابي يعترف بكامل حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة. ذلك ان تجاهل الجانبين الاميركي والاسرائيلي لحجم تراجع لبنان عما كان مطروحا على طاولة مفاوضات الناقورة ليس اوانه، فقد لامس الجانب اللبناني كل الخطوط الحمر ولا يمكن التراجع قيد انملة عن الخط الذي اقترحه لتعديل الخط وابقائه مستقيما في المنطقة الممتدة من “فجوة حقل كاريش المتعرجة” عبر البلوكين 9 و8 باتجاه النقطة 23 عند مثلث المناطق الاقتصادية الخالصة اللبنانية بين لبنان وكل من قبرص واسرائيل.

على هذه القواعد، تبني المراجع الديبلوماسية أكثر من سيناريو للمرحلة المقبلة وهي تراهن على وصول الجواب الاسرائيلي في الفترة الممتدة من 20 تموز وحتى نهاية الشهر الجاري في توقيت يحاكي نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى اسرائيل والسلطة الفلسطينية وما يمكن ان تنتهي اليه زيارته غير المسبوقة الى الرياض والقمة الاميركية – العربية – الخليجية التي ستناقش كل ما يحيط بملف الطاقة العالمية بحيث يمكن لهوكشتاين عندها تكوين الصيغة النهائية لما يمكن ان تنتهي اليه مهمته من اقتراحات جامعة ومشتركة سيطرحها على الطرفين لبنان واسرائيل. وهو أمر لا يمكن الوصول اليه قبل ان تتوفر لديه المعطيات الكاملة التي يجمعها من الموقفين اللبناني والاسرائيلي. فملف الطاقة بات يحكم جزءا كبيرا من المفاوضات الجارية في الكثير من المناطق التي تشهد خلافات حول حقول النفط والغاز بعد العقوبات التي فرضت على روسيا وحاجة العالم الى ما يعوض النقص الحاصل في الأسواق العالمية.

والى هذه المعطيات، يبني أحد السيناريوهات الرهان على الحسم الاميركي المتوقع في الملف، فحاجته إلى نفط شرق المتوسط لتأمينه الى حلفائه الاوروبيين باسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة وفي اجواء آمنة سيجعل واشنطن اكثر واقعية في التعاطي مع مطالب لبنان وسيكون عليه التجاوب معها وهو امر لا يكتمل دون ضمان الموافقة الاسرائيلية الكاملة وتوفير الضمانات النهائية لإقفال الملف لينصرف كل منهما الى عمليات التنقيب والاستخراج في منطقته دون النظر الى المنطقة الاخرى وما فيها من ثروات.

وان دخل احد المراجع في التفاصيل فهو يعتقد ان ما شطبه “خط هوكستين المتعرج” من البلوكين 9 و8 اللبنانيين لا قيمة تجارية له ولا يمكن لاسرائيل بلوغ تلك المنطقة على الاطلاق ان سعت الى موجوداتها بعد ضمها الى حصتها. وان من مصلحة الطرفين ترتيب الخط بين البلوك رقم 10 اللبناني والبلوك رقم 72 الاسرائيلي وصولا الى النقطة المتعرجة قبالة “حقل قانا” حيث يمكن ان يقع الخلاف على ثروة ما في تلك البقعة ان ثبت نهائيا ان الحقل مليء بالمشابهة لتلك التي وجدت في كاريش.

وبناء على هذه المعطيات كافة يتوقف المراقبون الديبلوماسيون أمام سيل المعلومات التي ضخها الجانب الإسرائيلي حول حجم الضمانات اللبنانية التي حملها هوكستين من بيروت لجهة احتفاظها بحق كاريش كاملاً من دون الإشارة الى موقفها النهائي من باقي النقاط التي تدور حولها المفاوضات. وهو أمر لا يمكن التقليل من أهميته عند قراءة الاستراتيجية الإسرائيلية المعتمدة في مخاطبة جميع الأطراف. بما فيها الداخل الإسرائيلي لطمأنته إلى ابتعاد كل السيناريوهات التي تتحدث عن الحرب في المنطقة كما الى الجانب الاميركي لضمان نهاية سعيدة لمبادرته في المنطقة. وان وصلت هاتان الرسالتان يبقي على لبنان ان ينتظر الرسالة الثالثة التي تعنيه عندما طالب بإحياء المفاوضات.وهو امر قد لا يطول انتظاره ان بقي متوقعا في نهاية تموز الجاري لتنطلق بعدها عملية ترسيم الخط الجديد المتوافق عليه بين كل الأطراف.

وعندها، تختم المصادر العليمة، قد لا يكون هناك حاجة الى العودة الى طاولة مفاوضات الناقورة غير المباشرة ان تم التوافق على الخط الذي سيتم ترسيمه وفق معايير واحداثيات لا نقاش حولها عند انتهاء الوسيط الاميركي من مهمته وقد يترجم عندها بوفد أو فريق تقني سواء في الناقورة او في أروقة الامم المتحدة حيث يتم اعتراف الطرفين بالحدود النهائية بين الدولتين.