التخطي إلى المحتوى
مع نهاية كل عهد يتردّد السؤال نفسه: هل يكون فلان آخر رئيس للجمهورية؟ 
هذا ما سمعناه في آخر عهد الرئيس ميشال سليمان، ونعود فنسمعه اليوم في نهاية العهد الحالي، فهل سيكون الرئيس ميشال عون هو آخر رئيس للجمهورية، أو في شكل أوضح: هل يكون الرئيس ميشال عون آخر رئيس ماروني؟ 

الأسئلة كثيرة، لكن الأجوبة قليلة. السبب أن الأداء لم يكن في مستوى الآمال، إن لم نقل الطموحات. والأسئلة المتداولة لا بدّ من أن تستتبعها أسئلة أخرى، كمثل: هل تُحّل الأمور بالمداورة؟ هل يعود الموارنة إلى رشدهم إذا ما إنتزع من تحت أقدامهم هذا الكرسي، الذي يعتبره البعض “مصيبة المصائب” بالنسبة إلى جو الإحتقان الذي يسبّبه هذا “الكرسي – اللعنة”، وبالنسبة إلى التشاحن القائم بين الأقطاب الموارنة؟ 
كان العميد ريمون إده، رحمات الله عليه، وهو كان مرشحًا دائمًا لرئاسة الجمهورية، يستطيب أن يسرد أمام زواره ما حصل معه في أحدى الليالي مع زميل له، ولكن من غير الطائفة المارونية. 
يقول: كنت أنا وفلان(بالطبع يذكر الإسم) عائدين من إحدى حفلات ليالي بعلبك، وكنا في سيارة واحدة. صودف أن تعطّلت السيارة بالقرب من منزلي الصيفي في صوفر، وكانت الساعة قد تخطّت منتصف الليل، ولم يكن ثمة وسيلة لتصليح السيارة في تلك الساعة، فإنتقلنا إلى منزلي الصيفي لقضاء الليلة فيه… “والصباح رباح”. 
آويت إلى فراشي بعدما إطمأننت إلى أن كل مستلزمات الضيافة قد تأمّنت لضيفي الصديق.  
ويتابع العميد: ولكن وقبل بزوغ الفجر قصدت الحمام لقضاء حاجتي ففوجئت بأن ضيفي يتمّشى في الصالون بطوله وعرضه. إنشغل بالي. وأعتقدت للوهلة الأولى أن شيئًا ما حصل معه منعه من النوم بهدوء. 
سألته عن سبب قلقه. فأجابني، وفي صوته شيء من الحسرة: هل يُعقل يا عميد أنك تستطيع أن تصبح رئيسًا للجمهورية كونك مارونيًا، بينما أنا الذي لا أنتمي إلى الطائفة المارونية ممنوع عليّ أن أصبح رئيسًا للبلاد، وقد أكون أحقّ منك بهذا المنصب. 
هذه الرواية، وما فيها من معانٍ ومقاصد، ليست جديدة، بل تعود إلى سنوات ما قبل الحرب اللبنانية. فيها من الواقعية ما يبرّر السؤال الذي يتردّد عند نهاية كل ولاية أي رئيس للجمهورية، إنطلاقًا من ثابتتين، أولها مدى جدوى أن يكون في لبنان رئيس للجمهورية في بلد برلماني وليس رئاسيًا. والثاني، هل من الضروري، في حال الإقرار بجدلية الوجود الرئاسي، أن يكون منصب رئيس الجمهورية محصورًا بالطائفة المارونية؟ 
إذا سألنا الرؤساء السابقين للجمهورية، والذين لا يزالون على قيد الحياة، أطال الله بأعمارهم، وآخرهم الرئيس ميشال عون، عن تجربتهم الرئاسية لآتانا الجواب تلقائيًا ومن دون تردّد “مش آكلة فايتة”. وهذا ما عبّر عنه الرئيس الحالي في حديث صحافي حين قال إنه نادم لأنه لم يسمع كلام جدّه ويستثمر في الأرض التي أورثه أياها بدلًا من السعي إلى رئاسة الجمهورية، وكأنه كان يقصد بذلك توجيه نصيحة إلى صهره النائب جبران باسيل، الذي لم “يهضم” بعد فكرة ألا يكون الخلف الطبيعي لعمّه، على رغم الحديث المتكاثر هذه الأيام عن إمكانية قبوله بترشيح رئيس تيار “المردة” للرئاسة، وهو أمر لم يحسمه أحد من المقربين من مركزية القرار في “ميرنا الشالوحي”، فيما تضع “القوات اللبنانية” كل ثقلها لمنع وصول رئيس للجمهورية من محور “الممانعة”. 
وهذا يعني في ما يعنيه أن الإستحقاق الرئاسي، الذي يطالب الجميع بأن يكون في موعده الدستوري، سيكون في مهبّ الريح، إن لم نقل أن الرئيس عون قد يكون آخر رئيس جمهورية في الجمهورية الثانية.