تؤمن مؤسسة قطر أن توفير التعليم عبر التكنولوجيا يمكن أن يكون سبيلا للنهوض بالمجتمعات التي يواجه التعليم فيها تحديات وتعترضه عثرات، لا سيما في تلك المناطق التي تنتشر بها خدمة الإنترنت بأسعار معقولة وتتوفر بها أجهزة ذكية مثل الهاتف المحمول، حتى في أيدي الأسر الأشد فقرا.
وثمة مثال رائع على توظيف التكنولوجيا في خدمة التعليم وهو تطبيق «تعليم أباد» الذي أنشأه هارون ياسين، أحد خريجي جامعة جورجتاون في قطر، وهي جامعة شريكة لمؤسسة قطر. وكان لهذا التطبيق اثر كبير في الارتقاء بقدرات أطفال المدارس في باكستان.
مدرسة عن بُعد
بدأت مبادرة «تعليم أباد» باعتبارها «مدرسة عن بُعد» تبث سلسلة تعليمية تعتمد على الرسوم المتحركة عبر إحدى قنوات التلفزيون الباكستاني. وبفضل هذا التطبيق، تمكن الأطفال من مواصلة التعلم افتراضيا وهم في منازلهم لموضوعات مثل اللغة الإنجليزية أو اللغة الأردية أو الرياضيات والعلوم. وخلال ذروة جائحة كورونا، انطلقت شهرة «تعليم أباد» وذلك حينما أصبح أداة تعليمية أساسية لدى الطلاب في باكستان. وبحسب الجهة الحكومية المسؤولة عن وسائل الإعلام، يتابع ستة ملايين طفل البث التلفزيوني في كل أسبوع.
ولاحقًا، طور «تعليم أباد» عروضه ليصبح بمثابة شريان الحياة للمدارس الخاصة ذات الأسعار المعقولة واستعان بطريقة جديدة للعمل في أثناء الجائحة وبعدها. وفي وقت كان إغلاق المدارس يهيمن على الأحاديث المتعلقة بالجائحة، أطلق «تعليم أباد» منظومة رقمية شاملة تهدف إلى تمكين المعلمين من التدريس بطريقة أفضل، وكذلك إلى تمكين المدارس رقميًا، وضمان استمرارية توفير التعليم للأطفال سواء كان حضوريًا عبر ذهابهم للمدارس أو في منازلهم. وحينما هدأت حدة تفشي الجائحة، توقع فريق العمل المسؤول عن التطبيق انخفاضًا في الطلب عليه، ولكنهم فوجئوا باستمرار نمو الطلب.
حماس كبير
وقال ياسين: «معظم المعلمين في باكستان لم يتلقوا تدريبًا مسبقًا قبل انخراطهم في العملية التعليمية، كما أنهم ينتمون إلى خلفيات مهنية متنوعة، ولذا كما هو متوقع، لم يكن لديهم الحماس الكافي. ومثلما أنشأنا تطبيقًا رائعًا للأطفال، أردنا أيضًا أن نقدم شيئًا لمعلمينا حتى يستمتعوا بتعليمهم هؤلاء الأطفال بطريقة جذابة».
وأضاف: «لقد أنشأنا أول تطبيق يختص بتدريب المعلمين في باكستان ويحصل على شهادة دولية وقد استلهمناه من أساليب التدريس المستخدمة في فنلندا. ويحتوي البرنامج التدريبي على خطط دروس «مكتوبة» تعمل بطريقة مشابهة لشاشة التلقين فيما توجد جميع الدروس ومقاطع الفيديو والإرشادات ضمن مكتبة المحتوى التي يتعين على المعلم متابعتها. وفي غضون أسابيع من بعد ذلك لمسنا تغيرًا جذريًا في بيئة العمل بالمدارس وفي جودة التعليم الذي يقدَّم بها. وخلال عام واحد، وصل تطبيقنا الخاص بتدريب المعلمين إلى 42 مدرسة و16 مدينة في باكستان.
وتابع ياسين هارون: هكذا أنشأ فريق «تعليم أباد» نموذجًا للتعليم المستمر أتاح لأطفال المدارس في باكستان إمكانية الوصول الدائم لمصادر التعلم على مدار اليوم. ففي الصباح الباكر، يقدم «تعليم أباد» دروسه التعليمية عبر التلفزيون، حيث يتلقاها المعلمون ثم يعرضونها بتعمق في الصفوف الدراسية، وفي المساء يتلقى تطبيق الهاتف المحمول الدروس نفسها مصحوبة بالمزيد من الأنشطة والألعاب. وبمجرد انتهاء ذلك، يتم إرسال الواجب المنزلي إلى أجهزة الأطفال مباشرةً. إنها سلسلة متتالية الحلقات وتضمن أن يحظى الطفل دائمًا بإمكانية الوصول إلى مصادر تعليمية جذابة أينما كان.
البداية من استيقاط الطفل
ويذهب ياسين إلى أن تطبيق الهاتف المحمول والبث التلفزيوني ما هما إلا جزء من الرؤية وليس كل شيء، ويعطي مثالا للكيفية التي يمضي بها يوم في حياة طفل مسجل ضمن مبادرة «تعليم أباد».
وقال ياسين: «حينما يستيقظ الطفل، يمكنه تعلم درس الكسور عبر البث التلفزيوني. وحالما يذهب إلى المدرسة، سوف يقدم له المعلم الدرس نفسه وجهًا لوجه. وبمجرد عودته إلى المنزل، سوف يتابع الطفل دروسه عبر تطبيق الهاتف المحمول بإشراف من والديه. ونتيجة لهذه التجربة المفيدة، أصبح بإمكاننا أن نحدث أثرًا أعمق في حياة الأطفال».
شراكة مع مؤسسة قطر
وتواجه باكستان تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بوجود نسبة مئوية عالية من الطلاب من ذوي المستويات التعليمية المتدنية. «إذا اخترت طفلاً في الصف الخامس، فإن 45 بالمائة من هؤلاء الأطفال لن يتمكنوا حتى من تلبية معايير الصف الثاني. وفوق ذلك، وبحسب بعض التقديرات، فقد تسببت الجائحة في خسارة الأطفال ما بين سنة واحدة إلى سنة ونصف من التعلم. وهذا ما يزيد الوضع خطورة.
وقال ياسين: «لقد واجه «تعليم أباد» هذه القضايا وحدد المستوى الدراسي الذي يجب وضع الطفل فيه وقدم المشورة بشأن المدارس والبرامج التي يمكنها الحد من هذه الخسائر. نحن نخطط أيضًا لإنشاء منصة لدعم الأطفال الذين يواجهون صعوبات تعلم والذين يمكنهم الاستفادة أيضًا من التطبيق».
وتابع: «كانت مؤسسة قطر داعمًا ثابتًا لقضيتنا ولرؤيتنا. ونحن الآن بصدد إطلاق مشروعين كبيرين بالشراكة مع مؤسسة قطر، مما سيعزز تأثير مدارس «تعليم أباد» وتستخدم النموذج في معالجة المشكلات المتوطنة فيما يتعلق بالحصول على التعليم وبجودته في باكستان».
وكان ياسين متحدثًا رئيسيًا في حفل تكريم خريجي مؤسسة قطر الذي أقيم مؤخرًا حيث تحدث عن مسيرته المهنية بعد إتمامه الدراسة الجامعية في مجال تكنولوجيا التعليم.