وفق ما جاء في آخر حديث لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى موقع “الإنتشار”، وما فيه من تحريف لحقيقة ما جرى مع الرئيس المكّلف تشكيل الحكومة، فإنه يمكن الإستنتاج بأن هذا التشكيل قد أصبح في خبر كان، أو من أفعال الماضي الناقصة.
الأسباب كثيرة ولكن النتيجة واحدة، وهي أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي باقية، أقّله حتى نهاية ولاية الرئيس عون، وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية. أمّا إذا تعثّر إنتخاب رئيس، وهذا هو المرجّح، فإن حكومة “التصريف” باقية أيضًا، بإعتبار أن الدستور ليس مجرد وجهة نظر، وليس كأذن الجرّة يركّبها الفاخوري كيفما يشاء.
الدستور في هذا المعنى واضح وضوح الشمس، ولا يحتاج إلى الكثير من الإجتهادات والتفسيرات لكي تسري مفاعيله، مع أن الزمن ليس لتفسير الماء بالماء، بل لإيجاد الوسائل الكفيلة بإبعاد شبح الجوع عن الناس، الذين لا يهمّمهم إذا كانت حكومة تصريف الأعمال هي التي تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية أم لا. المهمّ بالنسبة إليهم ألا يقع الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى مرّة جديدة. فإذا لم يتمّ التوافق على رئيس من غير الإصطفافات التقليدية فإن الفراغ سيكون هذه المرّة أشدّ وقعًا وخطرًا من المرّة السابقة، لأن البلاد والعباد لم يعد في مقدورهم تحمّل المزيد من النكسات والسقطات. فالوضع الإقتصادي في أسوأ أحواله، والمسؤولون عن صندوق النقد الدولي سيجدون أنفسهم بعد طول إنتظار، وبعد “الدلع” اللبناني، مضطرّين لأن يقفلوا صندوقهم ويرحلوا…
الخبز مقطوع مثله مثل الكهرباء والماء،وإذا إستمر هذا النهج فإن سلعًا كثيرة ستنضمّ إلى سلسلة ما هو مقطوع وغير متوافر.
أيام قليلة وندخل شهر الإستعداد للإستحقاق الرئاسي. في هذا الشهر، الذي سيحتفل اللبنانيون في بدايته بعيد الجيش، ستنصرف مختلف القوى السياسية إلى “ضرب الأخماس بالأسداس”. الخيارات ضيقّة وكذلك الوقت. التحالفات غير واضحة وكذلك الإصطفافات. لا حل ممكنًا يلوح في أفق أي تسوية رئاسية. الإتصالات واللقاءات ستزّخم وتيرتها. الحديث عن عدم إمكانية التوافق بين نقيضين يعزّز المناخ بذهاب البلاد إلى فراغ، وإلى مزيد من الشلل، وإلى المزيد من الأزمات والمعاناة والفقر والجوع.
في المختصر المفيد من المؤسف ألا يكون عندنا حكومة كاملة المواصفات اليوم قبل الغد. والمؤسف أيضًا وأيضًا ألا يتحمّل نواب الأمّة المشتتّون بين “ممانعة” من هنا، و”سيادية” من هناك، و”تغييريين” من هنا وهناك، مسؤوليتهم التاريخية ويؤمّنوا النصاب القانوني للجلسة الإنتخابية التي سيدعو إليها حكمًا رئيس مجلس النواب في بدايات شهر أيلول.
ومع هذا، فإن الإجتهادات القانونية قد كثرت في الأيام الأخيرة، وسط انقسام قانوني حول تفسير معنى تصريف الأعمال وجواز تسلم حكومة مستقيلة مهمات رئيس الجمهورية. لكن رغم أن النقاش قانوني تقوده مراجع دستورية، إلا أن القرار الأخير سيبقى سياسياً وسياديًا في الوقت نفسه، مع الأخذ بالمنطق الذي يقول وفق ما تنص عليه المادة 62 من الدستور على أنه في حال خلوّ سدة الرئاسة لأي علةٍ كانت تنوط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء، والدستور لم يحدّد بوضوح اذا كانت الحكومة هي حكومة تصريف أعمال او كاملة الصلاحيات”.
فما بين الفراغ وحكومة تصريف أعمال فإن الخيار يقع حتمًا على حكومة تصريف أعمال.