التخطي إلى المحتوى

كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:

لا تهدأ حركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مقاربة انتخابات رئاسة الجمهورية. وهو يستند في خلفية حواراته مع حلفائه وخصومه إلى أن كتلته هي بيضة القبان، فلا رئيس للجمهورية من دون العبور به.

ترصد حركة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في الأيام الأخيرة، مع اقتراب بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. يعمل باسيل على أكثر من خط استعداداً لخوض معركة الرئاسيات من الباب العريض. وهو بدأ يوجه رسائله ويكثر من طروحاته المتعلقة بالحكومة وبمقاربة الفراغ الرئاسي والدفع لانتخاب رئيس جديد.

وقياساً بأزمة التيار الداخلية، والتجارب التي مر بها خلال ست سنوات من عمر العهد والهجومات عليه والإخفاقات، والتحديات داخل التيار وخارجه في علاقته مع خصومه وحلفائه، كان التوقع أن يعمد باسيل إلى وضع قليل من الماء في نبيذه، فيخفف من إيقاع حركته المضادة عشية مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قصر بعبدا.

ما حصل العكس. إذ ضاعف باسيل من حركته الهجومية وزاد من حدتها على أكثر من خط، طارحاً مبادرات وموجهاً انتقادات وعاملاً على خطي الحكومة ورئاسة الجمهورية. لكن إذا كان ملف الرئاسة ما يتقدم لديه، فلديه ما يكفي من أسباب تجعله يطمئن إلى أن لديه ورقة رابحة، أي كتلته النيابية، وهو يعرف تماماً كما يعرف حلفاؤه وخصومه، كيف يستخدمها في التحضير لمعركة الرئاسة.

حتى الآن لم يتبن حزب الله أي مرشح رئاسي، لا علناً ولا سراً. كل ما قيل وجرى تسريبه من تسميات ووعود وأولويات من ضمن المحور الواحد، سحبها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من التداول. فالوعد الذي أعطي لعون، لم يعط بعد لغيره. وهذا الأمر يريح باسيل في مكان ما. ومقاربة حزب الله بعيداً من تسمية مرشح معين لرئاسة الجمهورية تختلف جذرياً عن مرحلة انتخاب عون. ثمة موازين قوى في المجلس الجديد، مختلفة بالنسبة إلى الحزب عن مجلس عام 2018، هذا المجلس لا يوجد فيه الحزب السوري القومي الاجتماعي ولا الأمير طلال إرسلان وحلفاء آخرون. صحيح أن قوى 8 آذار وحلفاءها تملك 61 صوتاً، إلا أن لباسيل من دون الطاشناق والنائب محمد يحيي، كتلة نيابية من 17 نائباً. وهذا العدد يشكل بالنسبة إليه ورقة رابحة، فتتحول كتلته بيضة قبان في فريق 8 آذار وفي معركة الرئاسة ككل.

يضع باسيل هذا العدد أمام محاوريه. فمن دون المرور به تستطيع قوى 8 آذار في الحد الأقصى تعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية. لكن من دون الاتفاق معه لا يمكن لهذه القوى تسمية مرشح رئاسي سواء كان موالياً لهذه القوى أو مرشح تسوية بالاتفاق مع القوى المعارضة. وهذا الأمر يشكل له حصانة في وجه مفاوضيه. وهو بذلك يضع الحزب قبل خصومه أمام خط أساسي لا يمكن القفز فوقه. وباسيل الذي يعرف أن هناك الكثير ممن ينتظرون 31 تشرين الأول لتصفية الحسابات معه، داخل التيار وخارجه، لا يزال يمسك بقرار التيار، لكنه في الوقت نفسه يريد استعادة العصب الذي فقده نتيجة ما تعرض له منذ سنتين تحديداً وما تفاقم خلال ست سنوات من اهتراء وتدهور اجتماعي واقتصادي، حمل الكثير من تبعاته وصوب عليه مباشرة لمسؤوليته عن كثير من القرارات واللاقرارات التي شهدها العهد. وهو في محاولته استعادة خطابه التقليدي، يضع الحزب كما فعل في الديمان أمام مشكلة التعايش معه في ملف الحكومة والرئاسة. فباسيل حين صوب على الحزب، تحت مسمى الثنائي الشيعي، أخرج إلى العلن مرة أخرى عدم تفاهمهما في تسمية الرئيس المكلف وفي مقاربة تشكيل الحكومة وعدم الضغط على الرئيس المكلف لتشكيلها.

ورغم فتح نصرالله ملف الحكومة من باب التشجيع عليها، إلا أن الأمور توقفت عند حد عدم الضغط على ميقاتي. إلا أن الأمر قد لا يطول حتى يتحول الخلاف بينهما الذي ما زال بكاتم للصوت إلى خلاف علني وبصوت عال، بعدما تفاقمت خشية التيار من أن يكون الوقت بدأ ينفد أمام محاولة إيجاد حل جذري لموضوع الحكومة، قبل الوصول إلى الأهم: مقاربة انتخابات الرئاسة من زاوية عدم تخطيه لا انتخاباً ولا تعطيلاً ولا تسمية. وهو تحضيراً لذلك، يحاول استعادة خطابه الأساسي «المسيحي» من زوايا عدة، ويمد جسوراً مع الجميع رغم كل العثرات. من هنا كانت محاولته إدخال بكركي في خط الرئاسيات، قبل الوصول إلى مواعيد محتمة تضع الجميع أمام استحقاقات وخيارات نهائية. الأكيد أن أمام باسيل الكثير من التحديات في الشهرين الأخيرين، خصوصاً أن عامل اللاثقة بينه وبين خصومه بات السقف الذي يتعامل معه هؤلاء به، ولن يكون لاستحقاق الرئاسة مهما علا شأنه، دافع إضافي لهؤلاء كي يعيدوا اللحمة معه. لكن تحديه الأساسي في وضع حلفائه أمام خيارات باتت أصعب من مراحل سابقة، مدركاً أنهم في حاجة إليه لا عدداً فحسب، إنما لاعتبارات كونه الفريق المسيحي الأكبر من بين حلفاء حلفائه. لكنه الآن يلعب لعبة الوقت والعدد. وسيلعبها إلى النهاية.