التخطي إلى المحتوى

إذا كنت تنوي شراء حاسوب ممكساويّ أو لابتوب فلابدّ أنّك ستبحث في الأسواق عن أفضل مواصفات يتيحها لك كلّ جهاز منها مثل سعة وحدة التخزين، وقوّة المعالج المركزي (CPU)، وسعة الرام (RAM)، والحجم الفعلي المناسب، وجودة الشاشة. ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن معظم الشركات المنتجة للحواسب الممكساويّة والمحمولة قد بدأت تتخلّى في إصدارات أجهزتها الجديدة عن تضمين جزء محرّك الأقراص الضوئيّة الداخليّ في أجهزتها، بل وان بعض الشركات باتت تنتج محرّكات أقراص ضوئيّة بشكلٍ منفصل بحيث يمكن توصيلها خارجيًّا بالجهاز كلما دعت الحاجة.

إذًا، ما هي محرّكات الأقراص الضوئيّة ؟ وما أهمّية وجودها في الأجهزة ؟ وكيف تعمل ؟ وما السبب في خلو بعض الحواسب منها ؟ وما الفرق بين محرّك الأقراص الضوئيّة الداخليّ المضمّن في الجهاز وبين محرّك الأقراص الضوئيّة الخارجيّ ؟ سنجيب عن كلّ هذه الأسئلة في السطور التالية.

  مبدئيًا، ما هو محرّك الأقراص الضوئيّة ؟

عملت الشركات على تطوير محرّكات الأقراص الضوئيّة منذ ستّينيّات القرن العشرين، ولم تخرج أولى هذه الأجهزة إلى النور حتّى سبعينيّات القرن العشرين، وكان استخدامها وقتئذٍ لا يزال قاصرًا على قراءة أقراص ضوئيّة بدائيّة غير قابلة لإعادة الكتابة عليها، والتي تُختزن فيها البيانات بآليّة معقّدة لا يمكن أن تتمّ باستخدام مُحرك الأقراص الضوئيّة نفسه، وكان محتوى الأقراص الضوئيّة في أغلب الأحيان عبارة عن وسائط ترفيهيّة مثل الأفلام والموسيقى والصور فقط.
وفي عام 1982 طرحت كلّ من شركة فيليبس للإلكترونيّات وشركة سوني في الأسواق لأوّل مرّة الأقراص المضغوطة القابلة للقراءة فقط (CD ROMs) والتي تميّزت بسعة تخزين أكبر من سعة تخزين الأشكال الأقدم من الأقراص الضوئيّة، وأكبر من سعة تخزين الأقراص المرنة (Floppy disks).
وفي أواخر تسعينيّات القرن العشرين ظهرت أولى محرّكات الأقراص المضغوطة القادرة على قراءة البيانات وكتابتها أو تخزينها على الأقراص المضغوطة على حد سواء، كما بدأ تطوير أولى محرّكات الأقراص الرقميّة متعدّدة الاستخدامات (DVD drives)، والتي كانت قادرة على تشغيل أقراص رقميّة متعدّدة الاستخدامات تتميّز بقدرتها على تخزين قدر أكبر من البيانات مقارنةً بالأقراص المضغوطة، ثمّ ظهرت بعد ذلك في العقد الأوّل من الألفيّة الثالثة مُحرّكات البلو-راي (Blu-ray) القادرة على قراءة أقراص البلو-راي، أو ما يُعرف بالأقراص الشعاعيّة الزرقاء، والتي لاقت انتشارًا واسع النطاق لقدرتها على تخزين قدر أكبر من البيانات من أقراص الدي في دي الرقميّة متعدّدة الاستخدامات قد يصل إلى نحو 200 جيجابايت. 
القرص المضغوط او القرص الضوئيّ أو البصري، أيًا كان المُسمى، هو عبارّة عن قُرص يبلغ قطره 120 ملليمتر وسُمكه 2,1 ملليمتر، ويتكوّن من عدّة طبقات فوق بعضها البعض تتمثّل في طبقة بلاستيكيّة شفافة من مادّة البولي كربونات، وطبقة معدنيّة عاكسة مصنوعة من الألومنيوم وهي الطبقة التي تُقرأ فيها البيانات المختزنة، وطبقة واقية بلاستيكيّة شفّافة من مادة الأكريليك.

تختزن الأقراص الضوئيّة البيانات والمعلومات، بدءًا من البرامج وأنظمة التشغيل، ووصولًا إلى الوسائط بمختلف أنواعها مثل الصور وملفات الموسيقى ومقاطع الفيديو، في صورة بتّات أو وحدات رقميّة ثنائيّة تكون قيمتها إمّا أن تساوي 0 أو تساوي 1، وتُمثّل هذه البتّات على طبقات القرص الضوئيّ بمناطق غائرة أو مسطّحة تترتّب في مسار حلزونيّ ضيّق للغاية يمتدّ من الفتحة الداخليّة في قلب القرص المضغوط متّجهًا إلى حافته.

تُعبّر كلّ منطقة غائرة في هذا المسار عن وحدة بت قيمتها تساوي 0، وتُعتبر كلّ منطقة مسطّحة فيه عن بت قيمتها تساوي 1. كانت هذه الشفرات كما ذكرنا تكتب في البداية على الأقراص الضوئيّة باستخدام طرق معقّدة لا يمكن لمحرّك الأقراص الضوئيّة إجرائها وكان دوره يقتصر فقط على قراءتها، قبل أنّ تتطوّر محرّكات الأقراص الضوئيّة لتصبح قادرة على قراءة وكتابة البيانات على الأقراص الضوئيّة.

ومحرّك الأقراص الضوئيّة هو جهاز يحتوي على قُرص زجاجيّ دوّار ويستخدم نوع من الأشعّة منخفضة الكثافة يُعرف باسم ليزر الأشعّة تحت الحمراء لكي يُجري مسحًا ضوئيًّا بمعدّل ثابت للأقراص الضوئيّة المختلفة؛ حيث يرسل محرّك الأقراص الضوئيّة شعاع الليزر إلى الطبقة السطحيّة الموجودة على القرص المضغوط، وإذا اصطدم هذا الشعاع بنقطة مسطّحة ينعكس عنها ليمثّلها بإشارة ضوئيّة قيمتها تساوي 1، أمّا إذا اصطدم الشعاع بنقطة غائرة فهو حينئذٍ لا ينعكس وتكون قيمة الإشارة الضوئيّة في هذه النقطة تساوي 0. يحوّل ومحرّك الأقراص الضوئيّة بعد ذلك جميع الإشارات الضوئيّة إلى إشارات كهربائيّة ويرسلها إلى جهاز الحاسوب الذي يعالج هذه الإشارات ومن ثمّ تتمّ عمليّة قراءة البيانات.

أمّا في حالة الأقراص الضوئيّة القابلة لإعادة الكتابة وتخزين البيانات عليها يُصدر محرّك الأقراص الضوئيّة شعاع ليزر يعمل على تسخين أجزاء من طبقة التسجيل بالقرص، وهي طبقة مصنوعة من سبيكة بلوريّة، فيؤدي إلى صهرها في هذه المناطق لتتكوّن بها نقاط غائرة وأخرى مسطّحة تُمثّل البتّات اللازمة لترميز البيانات المطلوب تخزينها.

هناك نوعين رئيسيّين من محرّكات الأقراص الضوئية، فمنها ما هو داخليّ، والذي يكون مركّبًا داخل الحاسوب الممكساويّ أو المحمول، ومنها ما هو خارجيّ يوجد بشكلٍ منفصل عن الجهاز ويمكن توصيله بالحاسوب باستخدام كابل USB، أو فاير واير، أو كابل ثاندر بولت.

  الفرق بين محرّكات الأقراص الضوئيّة الداخليّة والخارجيّة

تتميّز محرّكات الأقراص الضوئيّة الخارجيّة بكونها أرخص ثمنًا مقارنة بمحرّكات الأقراص الداخليّة، ويمكن صيانتها أو تغييرها بسهولة متى تعرّضت للأعطال، بينما يصعب إزالة محرّكات الأقراص الضوئيّة الداخليّة المركّبة داخل الحواسب، والتي كما تكون أكثر عرضة للتلف، وقد تضرّ في بعض الأحيان بسلامة الجهاز ككلّ نتيجة للحرارة الناتجة عن تشغيلها، كما يقلّل استهلاكها للطاقة من عمر البطّاريّة في «اللابتوبات».

  أسباب خلو اللابتوبات الحديثة من محرّكات الأقراص الضوئيّة

ظلّت الأقراص الضوئيّة بمختلف أنواعها لعقود طويلة واحدة من أكثر طرق تخزين البيانات الرقمية شيوعًا إلى أن بدأ استخدامها يتراجع شيئًا فشيئًا حتّى أن أقراص البلو-راي وأقراص الدي في دي تكاد تندثر في الوقت الحالي مثلما اندثر من قبل القرص المرن أو الفلوبي ديسك، والذي كان ذو سعة تخزينيّة ضئيلة للغاية ولا يتحمّل ظروف ارتفاع درجة الحرارة والضغط، لتحلّ محلّها طرق أخرى لنقل ونسخ وتخزين البيانات مثل التخزين السحابيّ، والقرص الثابت أو الهارد ديسك، والفلاش ميموري.

ومنذ عام 2015 اتّجهت معظم الشركات المصنعة للحواسب الممكساويّة والمحمولة إلى العزوف عن تضمين محرّك الأقراص الضوئيّة الداخليّ في أجهزتها لعدّة أسباب لعل من أهمّها انخفاض الجدوى الاقتصاديّة من استخدام الأقراص الضوئيّة، إذ بات من الممكن استخدام جهاز واحد مثل القرص الصلب، والذي وصلت سعته التخزينيّة إلى تيرا بايت (1000 جيجابايت) لكي يحلّ محلّ عدّة أقراص ضوئيّة في تخزين ونسخ البيانات.

كما لا تصلح جميع أنواع محرّكات الأقراص الضوئيّة لتشغيل الأنواع المختلفة من الأقراص الضوئيّة، لذا فإن وجود محرّك أقراص الـ DVD على سبيل المثال ضمن تكوين جهازك قد لا يتيح لك تشغيل بعض أنواع الأقراص الضوئيّة الأخرى مثل أقراص البلو-راي، بل سيشغّل فقط الأقراص التي تتوافق معه.

ساهم انتشار التخزين السحابيّ أيضًا في تقليص دور الأقراص الضوئيّة، فقد أصبح ملايين الأشخاص حول العالم يفضّلون استخدام شبكة الإنترنت كوسيلة منخفضة التكلفة لحفظ البيانات بمختلف أنواعها بدءًا من ملفّات الوسائط مثل الموسيقى ومقاطع الفيديو والأفلام والكتب، مرورًا بالبرامج والتطبيقات، ووصولًا إلى أنظمة التشغيل وحتّى الألعاب من خلال حفظها على المواقع التي تتيح خوادم التخزين السحابيّ. تتمتّع الكثير من تلك المواقع بطرق حماية جيّدة لتأمين بيانات المستخدمين.

بالإضافة لما سبق، تحتاج الأقراص الضوئيّة إلى طرق حفظ وعناية خاصّة حيث أنّ تعرّض الطبقة العاكسة التي تُختزن فيها البيانات لأي خدش سيؤدّي إلى تلف القرص الضوئيّ وفقد البيانات المختزنة بشكلٍ دائم. بينما يتيح التخزين السحابيّ وصول المستخدمين إلى كمّ هائل من البيانات المخزّنة عبر شبكة الإنترنت في أيّ وقت، ومن أي جهاز، وفي أي مكان حول العالم دون الحاجة إلى حمل علبة مليئة بالأقراص المضغوطة المُعرّضة لظروف الحرارة والخدش والكسر والتلف والضياع معهم طيلة الوقت! كما تتيح لهم وصول أشخاص آخرين من جميع أنحاء العالم إلى تلك البيانات وقتما أرادوا ذلك.

صار معظم مطوّرو البرمجيّات ومصممو الألعاب وحتّى بعض ناشرو الكتب وموزّعو الأفلام والموسيقى أيضًا يتيحون منتجاتهم للبيع عبر متاجر أو منصّات إلكترونيّة تستخدم التخزين السحابيّ على شبكة الإنترنت، وصار بإمكانك الحصول على نسختك الرقميّة في الحال وأنت جالس في مكانك بدلًا من الخروج أو السفر لمكان بعيد لشراء نسخة مخزّنة على قرص مضغوط.

يُعد صغر الحجم وخفّة الوزن والمتانة الميكانيكيّة أيضًا من بين الاعتبارات الهامّة التي يهدف مصنّعو أجهزة الحواسب الشخصيّة إلى توفيرها للمستخدمين. ولقد ساعد التخلّي عن جزء محرّك الأقراص الضوئيّة الذي لم يعد كثير من المستخدمين بحاجة ماسّة له على تقليل حجم ووزن الجهاز، وسمح بإضافة مزايا أخرى مثل وحدات التبريد، كما قلّل من التكلفة الإجماليّة النهائيّة للجهاز.

يجب أن نشير أيضًا إلى أنّ أحد مكوّنات محرّك الأقراص الضوئيّة الرئيسيّة الهامة، وهو القرص الزجاجيّ الدوّار، يستهلك بطبيعة الحال قدرًا أكبر من الطاقة من الذي يستهلكه محرّك القرص الصلب (HDD)، وهو ما يؤثّر بالسلب في النهاية على عمر بطّاريّات الحواسب المحمولة بكلّ تأكيد.

يحتاج تصنيع الأقراص الضوئيّة بمختلف أنواعها إلى استخدام كمّيات مهولة من الموادّ الخامّ قد ينجم عنها انبعاثات كربونيّة ونفايات إلكترونيّة، ناهيك عن قصر العمر الافتراضيّ لها مقارنةً بطرق التخزين الأخرى ممّا يعني أنّ استخدامها قد يؤثّر بالسلب على البيئة وجودة المناخ.

 حلول بديلة 

لا يزال بعض المستخدمين على أيّة حال يمتلكون أقراصًا مضغوطة أو أقراص دي في دي أو أقراص بلو راي قد يرغبون في تشغيلها من وقت لآخر أو نسخ محتواها في يوم من الأيّام، وقد يملك البعض موادًا مختزنة على أقراص ضوئيّة ويرغبون في نقلها إلى الحواسب المحمولة لبثّها عبر شبكات الإنترنت ووسائل التخزين السحابيّ، كما لا تزال بعض البرمجيّات تستخدم الأقراص الضوئيّة لتثبيتها في حالات الطوارئ، إذن ما هي السبل المتاحة لتشغيل مثل هذه الأقراص في حال محرّك الأقراص الداخليّ؟ لا تزال هناك العديد من الطرق لتشغيل الأقراص الضوئيّة ومن بينها على سبيل المثال ما يلي:

  • يمكنك شراء محرّك أقراص ضوئيّة خارجيّ، وهو متوفّر في الأسواق بأسعار معقولة، لاستخدامه عند الحاجة، ويمكنك توصيله بحاسوبك الشخصيّ بسهولة تامة باستخدام كابل USB أو فاير واير (FireWire) أو كابل ثاندر بولت، وبمجرّد توصيله بالجهاز سيتمّ تثبيته بشكلٍ تلقائيّ، ولكن عليك مراعاة ضرورة شراء النوع الذي يتوافق مع نظام تشغيل حاسوبك، وكذلك مع نوع الأقراص التي تريد تشغيلها عبر الجهاز.
  • يمكنك استخدام جهاز وسيط يحتوي على محرّك أقراص ضوئيّة بحيث تفرغ محتوى القرص الضوئيّ على هذا الجهاز ثمّ تعيد نقله من الجهاز إلى أيّ وسيلة تخزين أخرى مثل قرص صلب أو فلاش ميموري يمكن قراءتها بسهولة بعد ذلك باستخدام حاسوبك المحمول.

الملخّص | تتلخّص الأسباب التي دفعت الشركات المصنّعة للحواسب الممكساويّة والمحمولة إلى الاستغناء عن إضافة محرّكات الأقراص الضوئيّة ضمن المكوّنات الداخليّة للإصدارات الأحدث من أجهزتهم في العوامل التالية:

  • انخفاض الجدوى الاقتصاديّة من استخدام الأقراص الضوئيّة محدودة السعة وقلّة عدد مستخدميها مع ظهور طرق تخزين أخرى تمتلك أضعاف سعتها التخزينيّة وأرخص منها في التكلفة الإجماليّة وتستهلك طاقة أقلّ مثل التخزين السحابيّ والأقراص الثابتة والأقراص الصلبة.
  • انخفاض الحجم الإجماليّ والتكلفة الإجماليّة وخفّة وزن اللابتوبات بعد التخلّي عن تزويدها بمحرّكات أقراص ضوئيّة داخليّة مع إمكانيّة استغلال الحيّز الذي كان مخصّصًا من قبل لكي يشغله ذلك الجزء في إضافة أجزاء تضيف مزايا جديدة لنفس الجهاز.
  • إطالة العمر الافتراضيّ لبطّاريّات اللابتوبات حيث لم تعد بحاجة لاستهلاك نفس القدر من الطاقة لتحريك القرص الزجاجيّ الدوّار الذي يحتويه محرّك الأقراص الضوئيّة.
  • التقليل من المواد الخام والموارد الاقتصاديّة والمستخدمة في تصنيع الأقراص الضوئيّة ذات السعة المحدودة والعمر الافتراضيّ المنخفض نسبيًّا ممّا يقلّل من النفايات الإلكترونيّة والانبعاثات الكربونيّة الناتجة وهو ما يقلّل بالتالي من المخاطر والأضرار البيئيّة المصاحبة.
  • كون البيانات المختزنة على الأقراص الضوئيّة أكثر عرضة للفقد والضياع بشكل دائم نتيجة لحساسيّة هذه الأقراص وقابليتها للخدش والكسر والتلف، مع توافر وسائل أخرى أكثر أمانًا لحفظ البيانات.