التخطي إلى المحتوى

يمتلئ عالمنا اليوم بالرموز التعبيريّة. ثمّة وجوه ضاحكة ووجوه باكية ووجوه مذهولة ووجوه غاضبة تطالعنا في كلّ يوم عبر شاشات حواسبنا الشخصية أو هواتفنا وعلى شبكات الإنترنت وخاصّة إن كنا نستخدم مواقع التواصل الاجتماعيّ. رموز نستخدمها في محادثاتنا النصّية خلال يومنا المزدحم بالمهام بدلًا من الحروف المكتوبة لكي نُعبّر عن مشاعرنا وانفعالاتنا بصورة أسرع وأكثر سلاسة وإيجاز. بل وتسلّلت تلك الرموز التعبيريّة إلى صفحات بعض الأعمال الأدبيّة المطبوعة وحتّى التقارير والبيانات الرسميّة.

لما لا والتعبير باستخدام الرسوم والصور لطالما كان حاضرًا في التراث الإنسانيّ على مرّ العصور؟ فلقد عبّر الإنسان عن أولى انفعالاته ومشاهداته في الطبيعة باستخدام النقوش المحفورة قبل اختراع الكتابة بآلاف السنين، حيث ترجع أصول أقدم رسم معروف لنا حتّى الآن نقشته يد إنسان إلى عصور ما قبل التأريخ، وهو لوحة محفورة على الحجر الجيريّ تمثّل رسمًا لخنازير وُجدت في كهوف جزيرة سولاويزي الإندونيسيّة، ويبلغ عُمرها حوالي 45500 عامًا.

تُعتبر الصورة بوجه عام وسيلة أكثر جاذبيّة ودلاليّة وإيجازًا من وسائل التعبير الأخرى مثل الحروف المكتوبة، فإذا كنت تستخدم الرموز التعبيريّة بكثرة على هاتفك أو حاسوبك الشخصيّ في مواضع عديدة لإظهار حالتك المزاجيّة أو ما تشعر به، فهل فكّرت من قبل في استخدام تلك الرموز بدلًا من الحروف المكتوبة في مواضع أخرى بخلاف المحادثات النصّيّة مثل استخدامها في تسميّة شبكة الإنترنت المحلّية اللاسلكيّة التي يُشار إليها على سبيل التخفيف باسم شبكة الواي فاي مثلًا ؟ وإن كان هذا ممكنًا من الأساس ؟ فهل يؤثّر على جودة الوصول لشبكة الواي فاي لديك ؟ إليك الإجابة في السطور التالية.

  لمحة سريعة حول تاريخ “الإيموجي” !

بدأ إدخال الرموز التعبيريّة إلى العالم الرقميّ في أواخر تسعينيّات القرن العشرين لتضفي بعدًا عاطفيًّا على المراسلات النصّية بعدما ظهرت لأوّل مرّة على بعض الهواتف يابانيّة الصنع. كان أوّل من صمّم هذا النوع من الرموز هو المبرمج اليابانيّ شيجيتاكا كوريتا في عام 1999 أثناء عمله على تطوير منصّة أي مود، وهي منصّة رقميّة مبكّرة أنشأتها شركة الاتّصالات اليابانيّة دوكومو، للتعبير بشكلٍ أكثر إيجازًا عن تنبؤّات حالة الطقس فمثلًا بدلًا من ظهور كلمة «غائم» بالأحرف المكتوبة على الشاشة يمكن كتابة رمز تعبيريّ بحيث تظهر على الشاشة صورة بحجم 12*12 بكسل على هيئة غيوم.
كانت واجهة منصّة أي مود تضمّ مجموعة من هذه الرموز التعبيريّة التي يمكن الاختيار بينها من خلال شبكة تشبه لوحة المفاتيح، وهذه المجموعة محفوظة الآن ضمن المجموعة الدائمة في متحف الفنّ الحديث في نيويورك. دفع نجاح الفكرة شركات الاتّصالات اليابانيّة المنافسة إلى أن تحذو حذو “دوكومو”، ومع انتشار الحواسب المحمولة في مطلع الألفيّة الثالثة بدأت شركات من خارج اليابان مثل شركة أبل تفكّر في دمج هذه الرموز في واجهات المنصّات المختلفة. وفي عام 2007 حصلت جوجل على حقّ تدويل استعمال قائمة الرموز التعبيريّة المعترف بها من جمعيّة “يونيكود”، وهي منظّمة دوليّة غير هادفة للربح تختصّ بتوحيد معايير النصوص الحوسبيّة. أضافت شركة أبل 625 رمزًا تعبيريًّا جديدًا إلى هذه القائمة في عام 2009.  

أخذ استخدام الرموز التعبيريّة يتزايد بعد ذلك لتصبح لغة بصريّة عالميّة في حدّ ذاتها يتواصل بها الناس في جميع أنحاء العالم ويستخدمونها في المحادثات النصّية الخاصّة، وفي المراسلات الإلكترونيّة الرسميّة، وفي البيانات الصحفيّة، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك؛ فقد استخدم مسؤولون حكوميّون أمريكيّون الرموز التعبيريّة ذات مرّة في تقرير اقتصاديّ أصدره البيت الأبيض، وفي عام 2015 أصبح الرمز التعبيريّ الذي يمثّل وجهًا يضحك حتى البكاء هو كلمة العام في قاموس أكسفورد.

كانت رموزًا بسيطة مثل الوجه المبتسم والوجه الحزين [🙂  و 🙁] من أوائل الرموز التعبيريّة التي استخدمت في المراسلات النصّية وفي غرف الدردشة كإيماءاتٍ مصاحبة للعبارات المكتوبة، ومع ازدهار العولمة والازدياد المطّرد في استخدام طرق التواصل الرقميّة شهدت هذه الرموز انتشارًا سريعًا وتضاعف أعداد مستخدميها حول العالم، فتطوّرت هذه اللغة التعبيريّة واستُحدثت بمضيّ الوقت رموزًا جديدة، ويوجد في وقتنا الحالي آلاف الرموز التعبيريّة التي تصوّر أشخاصًا من شتى الأعراق والبلدان، وأشياءًا يستخدمها الناس ويتفاعلون معها في عالم اليوم بمختلف ثقافاتهم، ورموزًا دينيّة ترتبط بالعديد من الأديان.

  هل يمكننا استخدام الرموز التعبيريّة في تسمية شبكات الواي فاي؟

قد يبدو هذا الأمر غير منطقيّ ومثير للدهشة، فلقد اعتدنا منذ زمن على رؤية واستعمال الحروف والأرقام العاديّة عند كتابة أسماء الشبكات أثناء ضبط إعدادات شبكة الإنترنت اللاسلكية أو الواي فاي فيما يُعرف باسم مُعرّف مجموعة الخدمات (SSID)، ولكن في الحقيقة أنّ هذا ممكن بالفعل.

وفقًا لمعايير 802.11 الخاصّة بمجموعة عمل الشبكات المحلّية اللاسلكيّة، والتي حدّدها معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، يُشترط لضبط إعداد مُعرّف مجموعة الخدمات أو الـ SSID أن يتراوح طوله ما بين 1 و32 بايت، والبايت الواحد يساوي ثمانِ بتّات (Octets) وهي وحدات الأرقام الثنائيّة التي تُقاس بها كمّية البيانات الحوسبيّة، وهو ما ينطبق على جميع الأحرف الموجودة ضمن معيار صيغة تحويل نظام الحروف الدولي الموحد بقوة 8 بت، والذي يضمّ 144,697 حرفًا تشمل أبجديّات وحروف مئات اللغات وآلاف الرموز التعبيريّة ممّا يجعلها بالتالي صالحة للاستخدام في إعداد مُعرّف مجموعة الخدمات.

يتألّف الرمز التعبيريّ الواحد من زوج من البايتات وليس بايت واحدة كالتي تتألّف منها الحروف الهجائيّة مثل «أ» و«ب» أو التي تتألّف منها الأرقام من 0 وحتّى 9، لذا يُمثّل كلّ رمز تعبيريّ عند استخدامه في كتابة تسمية مُعرّف مجموعة الخدمات كحرفين عاديّين، وبالتالي نستنتج أنّ طول مُعرّف مجموعة البيانات لا ينبغي أن يحتوي على أكثر من 16 رمزًا تعبيريّا دون إضافة أي حروف أو أرقام أخرى إليها، أو يجمع ما بين الحروف والرموز التعبيريّة على ألّا يزيد الحجم الكلّي عن 32 بايت كأن يحتوي على 30 حرفًا ورمز تعبيريّ واحد كحد أقصى. 

  طريقة كتابة الرموز التعبيريّة في تسمية الواي فاي

كل ما تحتاج أن تقوم به هو الوصول إلى صفحة اعدادات الراوتر والعثور على حقل الـ SSID أو Wi-Fi Network Name حيث يتم تعيين اسمًا لشبكة الواي فاي خاصتك. إذًا ابدأ بتشغيل متصفح الإنترنت على الكمبيوتر ثم أكتب في شريط البحث عنوان IP الراوتر. هذا العنوان افتراضيًا يكون 192.168.1.1 أو 192.168.0.1 لكن قد يختلف في حالتك لذا لمعرفة عنوان IP الراوتر الصحيح لديك اضغط على مفتاح ويندوز + حرف R معًا لفتح نافذة Run ثم اكتب امر “CMD” واضغط على مفتاح Enter وفي موجه الأوامر اكتب الأمر “ipconfig” واضغط Enter الآن قم بالتمرير إلى أسفل وصولًا إلى سطر Default Gateway حيث يظهر عنوان IP الراوتر.

بعد كتابة هذا الـ IP في المتصفح، اضغط Enter لعرض صفحة اعدادات الراوتر. ولكن قبل التحكم في أي شيء، يجب عليك تسجيل الدخول اولًا؛ حيث سيتم مطالبتك بكتابة إسم المستخدم (Username) وكلمة السر (Password)، وفي بعض الحالات قد يطلب كلمة السر فقط. في هذه المرحلة، جرّب أن تستخدم “admin” كاسم مستخدم وكلمة سر، حيث تعتبر الكلمة الافتراضية لتسجيل الدخول إلى أي راوتر. ولكن إذا رفض تسجيل الدخول، قم بمراجعة مقال: معرفة يوزر وباسورد الراوتر.

بعد الولوج إلى صفحة إعدادات الراوتر انتقل إلى قسم “Wireless Settings” علمًا أنه قد تختلف المسميات وفقًا لنوع الراوتر لديك، وعادًة يحتوي هذا القسم على الخيار المعني لتغيير تسمية شبكة الواي فاي ممثلًا في حقل “(Network Name (SSID” فبعد العثور عليه قم بإزالة التسمية الحالية واستبدلها بالرموز التعبيرية وفقًا لتفضيلاتك.

من السهل كتابة الرموز التعبيريّة على الأجهزة المحمولة كالهواتف أو الحواسب اللوحيّة والتي توفّر أنظمتها صندوق الرموز التعبيريّة في لوحة مفاتيحها بشكل تلقائيّ، ولكنّ هذه العمليّة قد تكون غير مألوفة على مستخدمو الحواسب الشخصيّة التي تعمل بنظاميّ التشغيل ويندوز 10 وويندوز 11 حيث تحتاج إلى الضغط على مفتاحي Win + . (ز) لفتح نافذة الوجوه التعبيرية، أمّا في الحواسب الشخصيّة التي تعمل بنظام ماك فيمكن سحب صندوق الرموز التعبيريّة إلى أي صندوق نصّي من خلال الوقوف بالمؤشر داخل موضع كتابة النصّ والضغط على الأزرار الثلاثة التالية معًا في نفس الوقت (Control + Command + Space) ، ثم تختار الرمز المطلوب من صندوق الرموز التعبيريّة.

يمكنك إدخال ما يصل إلى 16 رمزًا تعبيريًا في حقل “(Network Name (SSID” ثم بعد الانتهاء اضغط على Save أو Submit لحفظ الاسم الجديد.

على هذا النحو! أصبح لديك اسمًا مميزًا لشبكة الواي فاي الخاصة بك، فكما ترِ من خلال الصورة المرفقة، هذا ما يبدو عليه الاسم المكون من رموز تعبيريّة ضمن قائمة الشبكات القريبة المتاحة على هاتف آيفون وكمبيوتر يعمل بنظام ويندوز 10.

إذاً، أدركنا الآن إمكانيّة استخدام الرموز التعبيريّة في تسمية مُعرّف مجموعة الخدمات لشبكات الإنترنت المحلّية اللاسلكيّة (الواي فاي) حيث لا تحدّنا معايير 802.11 الخاصّة بمجموعة الشبكات المحلّية اللاسلكيّة سوى بألّا نستخدم أكثر من 16 رمزًا تعبيريًّا فحسب، ولكن لحظة.. تمهّل قليلًا .. هل رأيت من قبل بين أسماء شبكات الواي فاي القريبة منك اسمًا يحتوي على رموز تعبيريّة ؟ ما السبب يا ترى إذن في عدم شيوع هذا الأمر رغم ميل الكثير من المستخدمين إلى استخدام الأسماء المميّزة والجذّابة أو المضحكة حتّى في بعض الأحيان ؟ وهل يُعتبر استخدامها هو خيارك الأفضل حقًّا ؟

  هل استخدام الرموز التعبيريّة في تسمية الواي فاي فكرة جيدة ؟

على الرغم من إمكانيّة استخدام الرموز التعبيريّة في ضبط إعداد مُعرّف مجموعة الخدمات لشبكات الواي فاي، ولكن قد لا يعدّ استخدامها خيارك الأمثل، بل ثمّة أسباب وجيهة للغاية ستدفعك للعدول عن هذه الفكرة، ونلخّصها فيما يلي:

  • عند ضبط إعدادات مُعرف مجموعة الخدمات (SSID) سيكون من الضروريّ استعمال مجموعة من الأحرف التي تكون قادرًا على الوصول إليها في أي وقت ومن خلال أيّ لوحة مفاتيح، بحيث يسهل عليك إعادة كتابة اسم الشبكة يدويًّا إذا طُلب منك ذلك من لوحة مفاتيح أي جهاز تودّ توصيله بهذه الشبكة.
  • تستخدم معظم الحواسب الشخصيّة وبعض أجهزة الهواتف والحواسب اللوحيّة التي تعمل باللمس لوحة مفاتيح “كويرتي” القياسيّة والتي لا تتيح وصولًا سريعًا لصندوق الرموز التعبيريّة في بعض الأحيان، وبالتالي لن تسعفك هذه الأجهزة في حال احتجت للدخول إلى شبكة الواي فاي باستخدامها وطُلب منك كتابة اسم مُعرّف مجموعة الخدمات وكلمة المرور يدويًّا، ونفس الشيء بالنسبة للأجهزة التي تستخدم واجهة سطر الأوامر لبدء التشغيل.
  • تتسبّب بعض الأخطاء والأعطال البرمجيّة التي تحدث في بعض نظم التشغيل أحيانًا في تعطيل ومنع الوصول بشكلٍ دائم إلى شبكات الواي فاي التي تحتوي أسماءها على رمز معيّن مثلما لوحظ في نظام iOS للآيفون الذي يمنع الوصول إلى شبكات الواي فاي إن احتوى الاسم على رمز النسبة المئويّة %.

قد تسيء بعض الأجهزة ترجمة الرموز التعبيريّة أحيانًا وعرضها بالشكل الصحيح لأسباب مثل تضارب لغة الإدخال مع معايير الترميز الموحّد ممّا يصعّب الوصول إلى الشبكة بعد ذلك.

 الملخص  | يمكن استخدام ما يصل إلى 16 رمزًا تعبيريًّا في تسمية شبكة النترنت المحلّية اللاسلكيّة (الواي فاي) عند ضبط إعداد مُعرّف مجموعة الخدمات (SSID) بدلًا من استخدام الحروف والأرقام، حيث لا يتعارض هذا مع مجموعة معايير 802.11 الخاصّة بمجموعة الشبكات المحلّية اللاسلكيّة، والتي حدّدها معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيّات، ولكن لا يُعد هذا هو الخيار الأمثل فقد يحدّ من قدرتك على الوصول السريع والسهل لشبكة الواي فاي، بل من الممكن أن يمنع وصولك للشبكة بشكلٍ كامل في بعض الأحيان، ومن هنا يتضّح لنا أنّ الخيار الأفضل هو تسمية الواي فاي باستخدام الحروف والأرقام فقط كما هو معتاد وتجنّب استخدام الرموز التعبيريّة أو الحروف الهجائيّة للغات الغريبة غير المستخدمة بكثرة.