كتب قبلان قبلان في “الجمهورية”:
مع اقتراب موعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية يتصاعد النقاش والجدل وتنتشر الاجتهادات، وتعمّ الوشوشات والهمسات، التي منها ما يدعو رئيس الجمهورية إلى التزام النص الدستوري ومغادرة قصر بعبدا في 31/10 من العام الجاري، ومنها ما يقول انّه ليس على الرئيس تسليم صلاحياته إلى الحكومة الحالية، في اعتبار انّها حكومة تصريف اعمال. وحتى الآن لم نسمع او نرَ نقاشاً دستورياً يعالج الأمر من زاوية النصوص الدستورية والقانونية، ولا من زاوية الضغط في هذا الاتجاه او ذاك، من اجل تحقيق مطالب او تحسين شروط معينة مرتبطة بهذا الاستحقاق وما بعده.
وهنا نود الإشارة إلى مجموعة من النقاط المرتبطة بنصوص الدستور ومنها:
1 – نصّ الدستور اللبناني في الفقرة الثانية من المادة 49 المتعلقة برئيس الجمهورية على:
«… وتدوم رئاسته ست سنوات ولا يجوز إعادة انتخابه الّا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته…».
السنوات الست هنا محدّدة، ولا تقبل التأويل، من اليوم الاول لانتخابه وتنتهي في ليل اليوم نفسه من نهاية العام السادس لهذه الولاية، وهو ما درج عليه المشرّع الدستوري، والذي أشار صراحة إلى ذلك عندما أدخل نصاً مؤقتاً الى الدستور اللبناني اثناء تعديله للمادة 49 في 8 /5 /1929 حيث اصبحت مدة الولاية ست سنوات، وجاء في النص المؤقت:
«لا يستفيد رئيس الجمهورية الحالي من أحكام هذه المادة التي جعلت مدة الرئاسة ست سنوات بدلاً من ثلاث سنوات، بناءً عليه فإنّ رئاسته تنتهي في 26 ايار سنة 1932» .
2 – نصّت المادة 62 من الدستور على:
3 – في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.
4 – نصّت المادة 74 من الدستور على ما يلي:
«إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او بسبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية».
يتضح من هذه النصوص انّ المشرّع الدستوري أراد أولاً تحديد ولاية رئيس الجمهورية تحديداً دقيقاً لا يمكن مدَّه او تغييره الّا بتعديل دستوري.
1 – انّ مدة ولاية رئيس الجمهورية محدّدة بست سنوات ولا يمكن تغييرها او زيادتها الّا بتعديل دستوري.
2 – انّ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء هي عمل دستوري تلقائي يحصل بصورة مباشرة دون اي مراسم او إجراءات، بمعنى عندما ينتهي الوقت المحدّد يغادر رئيس الجمهورية القصر الجمهوري، وتصبح كافة صلاحياته في مجلس الوزراء، وليس من مسؤولية الرئيس أو دوره أن يسأل ماذا سيحصل بعده لأنّ ذلك لم يعد من اختصاصه.
انّ الدستور لحظ في المادة 74 حالة عدم وجود مجلس نيابي بصورة مباشرة، ولحظ وجود حكومة مستقيلة بصورة غير مباشرة في ذات النص، لأنّ حصول خلو في السلطة التشريعية ستعقبه انتخابات وولاية جديدة للمجلس، وفي هذه الحالة تصبح الحكومة مستقيلة استناداً إلى نص المادة 69 التي تحدّد الحالات التي تُعتبر فيها الحكومة مستقيلة ومنها الفقرة هـ: عند بدء ولاية مجلس النواب.
انّ الدستور نصَّ انّه في حال خلو سدَّة الرئاسة تنتقل الصلاحيات إلى مجلس الوزراء وليس إلى الحكومة، والحكومة هي الجزء المتحرك من مجلس الوزراء الذي أفرد له الدستور عنواناً محدّداً من ضمن السلطة الاجرائية المكونة من:
1 – رئيس الجمهورية
2 – رئيس مجلس الوزراء
3 – مجلس الوزراء
بمعنى آخر، انّ هذه هي أركان السلطة الإجرائية، ولم يلحظ الدستور انّ الحكومة هي من هذه الاركان.
ولم يرد عنوان خاص للحكومة التي ذكرت في معرض الحديث عن الثقة او نزعها، وفي معرض مسؤولية الوزراء الإجمالية عن اعمالهم او في تمركزها في بيروت إلى جانب مجلس النواب.
هناك بعض الاسئلة المحدّدة، مثلاً لنفترض انّه قبل انتهاء ولاية الرئيس، وفي ظلّ حكومة مستقيلة خلت سدّة الرئاسة بالاستقالة او بغيرها، او لنفترض انّ الخلو حصل في ظلّ حكومة عاملة وقرّر رئيس الحكومة الاستقالة او استقال اكثر من ثلث أعضائها او استقالت لغير ذلك، ماذا يكون الامر؟ هل نعيد الرئيس إلى العمل حتى تُشكّل حكومة جديدة؟ أم انّ الحكومة المستقيلة تصبح شاغلة لصلاحيات الرئاسية؟
اما الحديث عن شرعية ودستورية وميثاقية الحكومة القائمة اليوم، فيعيدنا إلى ما جرى عام 1988 عندما شكّل الرئيس امين الجميل حكومة عسكرية من ستة ضباط مناصفة من المسلمين والمسيحيين، وتمّت استقالة نصفها المسلم بعد دقائق من إعلانها.
واستمرت بضابطين مع العماد ميشال عون بمخالفة صريحة للميثاق الوطني، ولم تُعرض على المجلس النيابي لأخذ الثقة كما جرى العرف مع جميع الحكومات. فأي شرعية دستورية او ميثاقية كانت مع هذه الحكومة؟
خلاصة القول، عندما تنتهي ولاية الرئيس ينتهي دوره، ولا يبقى امامه سوى مغادرة القصر الجمهوري كما فعل أسلافه. وأي كلام آخر هو خروج على الدستور والميثاق، ودفع البلاد إلى مزيد من الفوضى التي لا يستفيد منها احد على الاطلاق، ولا مفرّ من استمرارية الدولة ومؤسساتها بالحكومة الموجودة.