التخطي إلى المحتوى

ليس كل البيوت تبنى على الحب!

 

الاهتمام يعني الكثيرَ، فليس الاهتمام مجرد ما هو مكتوب في كتب الفقه من حقوق للزوج على الزوجة وحقوق للزوجة على الزوج، تلك الأطر والأركان الأساسية التي تؤدي إلى الألفه ومِن ثَم الود والحب، لكن الاهتمام يتعدى ذلك بكثير، فالحياة الزوجية ليست كأية علاقة، هي علاقة لا تنقضي للحظة ولا لثانية من ليلٍ أو نهار، هي مشاركة في الصحو وفي النوم، وفي الصحه وفي المرض، وفي السعة وفي الضيق، لذلك فهناك اعتبار للنظرة وللكلمة وللإيماءة وللهمسة، وإذا كان التفريط في الحقوق الفقهية قد يعرِّضك لسخط الرب، فالتفريط في الاهتمام يجلب لك الشقاء والنكد والعذاب النفسي المقيم الذي ليس منه مهرب، ويزداد الأمر صعوبة بعد حدوث الإنجاب وخروج الأبناء للحياة.

 

الحياة الزوجية القائمة على الحب بين الزوجين هي بلا شك الصورة المثلى للزواج، ولكنها ليست الوحيدة، ولا يعني كمال تلك الصورة استحالة استمرار غيرها مما تخلو من الحب، فهناك زيجات كثيرة سعيدة قائمة على عوامل أخرى، وربما الأقل من البيوت التي تُبنى على الحب، فالبحث عن المثالية في مجتمع هش هو كالبحث عن إبرة في كوم قش.

 

في الأجيال الناشئة بخاصة هناك من يخوض الزواج على سبيل التجربة، ورغم أن ذلك لم يكن هو المفهوم السائد قديمًا، فالزواج عند آبائنا وأجدادنا كان مسؤولية، وكان رباطًا أبديًّا، وكان تجربة غير قابلة للفشل، ولا يخطر حتى على البال، ولو سلمنا بمفهومه الحديث هذا وبأنه تجربة، وهذا مفهوم رسخته في أذهان أبنائنا الميديا ومواقع التواصل، وأساليب الغرب في المعيشة، فينبغي لنا أن نقول: إن أية تجربة تؤدي إلى النتائج المطلوبة تحتاج إلى عوامل مساعدة، عوامل حفازة، وربما تكون بحاجة لظروف تفاعل خاصة.

 

فعلى الزوجين المصارحة وبذل الجهد في إصلاح الأخطاء والتغاضي عن العيوب والصفح، فالحق تبارك وتعالى يقول لرسوله صلي الله عليه وسلم ولنا: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]؛ يقول السعدي في تفسيره: هو الصفح الذي لا أذية فيه، بأن تقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران؛ لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، هو الصفح الذي قد سلِم من الحقد والأذية القولية والفعلية.

 

والإسلام ينظر إلى الحياة الزوجية بوصفها سكنًا وأمنًا وسلامًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودةً ورحمة وأنسًا، ومن ثم يَكرَهُ فَصْمَ عقدتها إلا عند الضرورة القصوى؛ يقول تعالى: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

فيدعو الحق تعالى إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح الأعين على العاقبة الحميدة: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾.

 

فمن يحافظ على بيت الزوجية وعلى تلك العلاقة المقدسة، يدخر الله له من الخير الكثير، فلا يجوز التفريط فيها والإقدام على فصْمها لأول خاطر ولأسباب واهية ولنزوة عابرة كما نرى.

 

وما أعظم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل جاءه يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: (لا تفعل)، فقال الرجل: ولكني لا أحبها، قال عمر رضي الله عنه: (وَيْحك وكم من البيوت يبنى على الحب؟ فأين الرعاية؟ وأين التذمم؟).

 

فهناك أشياء أخري تبنى عليها البيوت كالرعاية بمعنى التراحم والتكامل، وتأدية الحقوق والواجبات، وكالتذمم، وهو أن يصبح الرجل مصدرًا لهدم وتفريق شمل جمعه الله، وتقويض البيت الذي أراد الله له العمران، وشقاء الأبناء إن كان هناك أبناء، فليس في الوجود شخص كامل الصفات ومَرضِي عنه في كل الطباع والخصال.

 

وجاء في الأثر عنه رضي الله عنه في رواية أخرى أن امرأة سألها زوجها: هل تبغضه؟ فقالت له: نعم، فهمَّ الزوج بطلاقها، فقال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فلتكذب إحداهن ولتتجمل، فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام)، فقد أباح رضي الله عنه الكذب للزوجة والتجمل في القول لزوجها حفاظًا على الزوجية، والمراد إظهار الود والمحبة واللين فى القول؛ مما يساعد على استقرار العلاقة الزوجية، ومن المعلوم كما ورد في الحديث عن أم كلثوم بنت عقبه قالت: (لم أسمَعْ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يرخَّصُ في شيءٍ مِمَّا يقولُ النَّاسُ: إنَّه كذِبٌ إلَّا في ثلاثٍ: الرَّجلُ يُصلِحُ بينَ النَّاسِ والرَّجُلُ يكذِبُ لامرأتِهِ والكذِبُ في الحَربِ)؛ صحيح الجامع.

 

وقد جعل الإسلام الحياة الزوجية سبيلًا إلى سعادة الإنسان، ليس في الدنيا فقط وإنما أيضًا في الآخرة، فالسعيد مَن رُزق زوجة صالحة تُعينه على أمر دينه ودنياه، وتكون له حفظًا وسكنًا وأمنًا، ويجد في كنفها المودة والرحمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. وكان من دعاء عباد الرحمن ما وصفهم الحق تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

 

والحياة الزوجية ليست للمتعة فقط، بل هي للحفظ والصيانة وللعفة، وغض الطرف والوفاء وعدم الخيانة، هي للاستقامة والتوازن النفسي، هي كالنهر الجاري تتبدل مياهه كل لحظة فلا تجد فيه نفس الماء، قد ينتابة الهدوء والصفو أحيانًا، وقد يعتريه الهياج والكدر أحيانًا أخرى، كل ذلك في إطار من المبادئ والمواقف والمعاشرة بالمعروف.

 

فعلى الزوجين العاقلين أن يتعاملا مع حياتهما الجديدة بواقعية، ولا يتركا أمواج الخيال والمثالية المطلقة يقذفان بقاربيهما إلى قاع الوهم والعواطف غير المنطقية.

 

فالإسلام بمنهجه الوسطي المتوازن هو دين الواقعية، دين يحقق السعادة من خلال الانسجام مع النفس، وقد جعل الخالق وأشار بوضوح إلى أن الزوج والزوجة هما من نفس واحدة، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء:1]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

وقد أمر الله وشرع لعبادة ما تستقيم وتستديم به الحياة بين الزوجين، ومن ذلك:

حسن العشرة: قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي).

 

رُوي أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ على الزَّوْجِ؟ قَالَ: أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلاَ يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلاَ يُقَبِّحْ، وَلاَ يَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ).

 

بل إن الإسلام رخَّص في الكذب بين الزوجين مما يقتضي حسن العشرة وطيب المجاملة بينهما، فعَنْ أسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ في ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ في الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ).

 

عَنْ أَبِى سَعِيد قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَىَ الْمُصَلَّى، فصلى ثُمَّ انْصَرَفَ، فقام فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، تَصَدَّقُوا، ثم انصرف فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّى أريتكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ؛ (أي الزوج).

 

جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ تستأذن عليك، فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَال: نَعَمِ ائْذَنُوا لَهَا، فَأُذِنَ لَهَا، فقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَنا الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِى حُلِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ)؛ متفق عليه.

 

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)؛ متفق عليه.

 

فعلى الرجل إذا رأى من زوجته ما لا يُعجبه أو يوافق رغباته، فعليه أن يكون واقعيًّا، وأن يعرف أن لها محاسنَ كما لها عيوب، وكذلك على المرأة إذا رأت في زوجها عيبًا فلتتذكر بأن له محاسنَ، فهما ليسا مختلفين عن عامة الناس.

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)؛ أخرجه أحمد ومسلم.

فليس هناك ذو خلق كامل سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم.

 

وقد جعل الشرع الخير كله في الصلح، وشرع للصلح مجالًا واسعًا وحبلًا ممدودًا مهما كانت الخلافات، فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرا ﴾ (النساء: 35). وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ (النساء: 28).

 

والحياة الزوجية في الاسلام تقوم على مبدأ المصارحة والحوار والمحاولة تلو المحاولة، والمسامحة والتغافل بين الزوجين، حتى يزداد الحب شيئًا فشيئًا مع الأيام، ويمتلئ البيت دفئًا وسرورًا ينعم فيه الأبناء، وإن اعترى الحياة الزوجية منغصات، فلا تعصف بالبيت ما دام الكل يؤدي ما عليه، ويتقي الله في الآخر، فحُسن العشرة وتبادل الحقوق والواجبات، كفيل مع الزمن برأب الصدع، وإنشاء المحبة والرحمة بينهما.

 

وعلى الأجيال الناشئة أن تعي بأن هذا هو شرعنا، وتلك هي طبائعنا التي نشأنا عليها، وقامت عليها البيوت التي قد نشؤوا وتربوا فيها، فها هي بيوت آبائكم وأجدادكم لا تخلو ساعة من شجار وخصام وصراخ، وربما بكاء وجفاء لفترات تطول أو تقصر، فما تركت زوجة زوجها، وما ذهبت هنا أو هناك، بل ظلت الزوجة في بيتها حتى هدأت النفوس واستقامت بالعتاب الرقيق الهادئ بلا عصبية وبلا تشنُّج أو انفعال، وبصوت خفيض لا يشعر به حتى الأبناء، وهكذا تبنى البيوت.

 

لو طبقنا قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ (الطلاق: 1)، لو طبقنا أمر الله المؤكد بالتكرار في قوله تعالى: ﴿ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾، لن تكون هناك حالة طلاق واحده، فالآية تلزم الزوجة بالبقاء في بيت الزوجية فترة العدة ثلاثة أطهار – كما قال الشيخ الشعراوي – لقوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ (البقرة: 228)؛ أي ثلاثة شهور لا تترك فيها منزل الزوجية حتى يتم التأكد بأنه لا نية عند الرجل للرجوع، ولا حل عنده سوى الفراق، وعندها يكون: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ (الطلاق: 2). أكاد أجزم بأنه لو طبَّقنا هذا الأمر الإلهي ما حدثت حالة طلاق وما انهدم بيت، وفي سورة الطلاق محفزات ليس لها وجود في بقية السور رغم قصرها (12 آية)، هذه المحفزات لدَرء الإقدام على الفراق وهدم البيوت لأسباب واهية، وهي قوله تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا – وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ – وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ – وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا – وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا – وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ – سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا – فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا – قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا)، فهل وعى أبناؤنا تلك الرحمة في شرع الله وهذا الحرص الشديد من المشرع الأعظم جل في علاه؟!

 

يقول تعالى: ﴿ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ (الأعراف: 89).