وفاة “مانديلا”.. المثال العملاق للإنسانية والمساواة والعدل والسلام.
حزن كثير من الناس لسماع نبأ وفاة “نيلسون مانديلا” يوم 5 ديسمبر الماضي، بعد صراع مرير مع المرض. السياسي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والثوري الذي كان أول رئيس أسود اختير في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق.
رحل الزعيم التاريخي لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ولشعب جنوب إفريقيا “نيلسون مانديلا”، بعد مسيرة نضالية حافلة بالبطولة والعطاء والتضحيات والمثُل والمبادئ والقيم الثورية والإنسانية، تاركاً وراءه إرثاً شكّل مَعيناً لا ينضب لكل المناضلين ضد الاستعمار والظلم والعنصرية في كل زمان ومكان.
وأمضى الرجل، الذي عاش 95 عاماً، والرئيس السابق لجنوب إفريقيا، المناهض للفصل العنصري، أمضى حياته ملهماً لمختلف الأعراق والأديان في جميع أنحاء العالم، ومات بهدوء في منزله في جوهانسبورغ، بعد أن عاش حياةً طويلة من النضال والإنجازات التاريخية، جعلت منه زعيماً حقيقياً.
وُلد مانديلا في عائلة مالكة في جنوب إفريقيا وهي العائلة الملكية للتيمبو أكبر عشائر قبيلة الهوزا، حيث كان والده زعيماً تقليدياً للقبيلة، وحصل على درجة البكالوريوس من “فورت هير”، وعلى شهادة في القانون من جامعة ويتواترسراند. وعلى نحو بيّن، فإن الرجل الذي قاد البلاد للتخلص من حكم الأقلية البيضاء، يستحق التقدير لإنجازاته الإيجابية، إذ فكك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية.
عمل محامياً، وكان له دور رئيسي في المؤتمر الوطني الإفريقي، وساعد على تشكيل رابطة الشبيبة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وشغل منصب رئيس المؤتمر بين 1991 و1997. كافح بشجاعة ضد قوانين الفصل العنصري المشينة في بلاده، واعتُقل في الصراع من أجل حرية السود في جنوب إفريقيا.
ألقي القبض عليه مراراً وتكراراً، وحوكم في محاكمة الخيانة، وبُرِّئ فيما بعد. كان يحث في البداية على احتجاج غير عنيف. في عام 1961، ألقي القبض عليه، واتُّهم بالاعتداء على أهداف حكومية. وفي عام 1962 أدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، حيث بقي سجينا مدة 27 عاماً، انتشرت خلالها حملة دولية للضغط لإطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق فجأة في فبراير عام 1990، وهز أسس بلاده، وأعطى جرعة حقيقية من الأمل والتغيير.
قاد بعدها المفاوضات مع الرئيس دي كليرك لإلغاء الفصل العنصري، وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994. ولم يكن مانديلا نصيراً للأسواق الحرة والخصخصة أو الرأسمالية. وكان العديدُ من المحافظين، وبعضُ الليبراليين، قلقين في البداية حول رئاسته والمستقبل الاقتصادي لجنوب إفريقيا. وكان من المتعاطفين مع الشيوعية لسنوات عديدة.
كان نيلسون مانديلا مصدر إلهام لأبناء شعبه الذين خاضوا تحت قيادته نضالاً عنيفاً وعنيداً ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتهايد”، ولم يمض سوى فترة رئاسية واحدة قبل أن يستقيل من مهامه في عام 1999، ليصبح فيما بعد رجلاً من حكماء الدولة.
ركّز على العمل الخيري في مجال مكافحة الفقر وانتشار الإيدز، من خلال مؤسسة نيلسون مانديلا. ودولياً، شغل منصب الأمين العام لحركة عدم الانحياز 1998-1999. تلقى أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993. وفي مقابلة مع محطة (بي بي سي) في 2012، قال رئيس جنوب إفريقيا السابق دي كليرك: “عندما يذهب مانديلا، ستكون اللحظة التي يضع فيها جميع مواطني جنوب إفريقيا خلافاتهم السياسية جانباً، وستجمع الأيادي لرفع الجنوب إفريقي المعمَّر الأكثر شهرة عالياً”.
وأعلنت جنوب إفريقيا أن نحو 60 زعيماً ورئيساً من شتى أنحاء العالم، سيشاركون في التأبين الرسمي، وجنازة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا. ويتصدر قائمةَ الحاضرين، التي ستقام الثلاثاء في استاد جوهانسبورغ، الرئيسُ الأميركي باراك أوباما. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما أحد معجبيه المعروفين، وقد قام بجولة في موطن مانديلا الأصلي في وقت سابق من هذا العام، وجال في زنزانة سجن جزيرة روب سيئ السمعة، حيث سجن مانديلا لمدة 18 عاماً. ومع أن أوباما لم يتمكن من زيارة مانديلا في المستشفى، إلا أن دلالة زيارته كانت لافتة إلى حد بعيد.
وللعلم، أنجز مانديلا أشياء كثيرة وكبيرة، وفي كثير من الأحيان يوصف بأنه “أبوالأمة”؛ ولكنه لم يكن شخصية إلهية أو خارجاً عن المألوف لدرجة، كما يظنه بعض الناس، كان غير معصوم مثل كل البشر؛ قام بأشياء جيدة، وكان له نصيبه العادل من الأخطاء. ينبغي لنا، من ثَمَّ، تكريم مانديلا كشخصية عالمية مهمة، تستحق قسطاً من الراحة في سلام.
تنويه:
جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.