التخطي إلى المحتوى

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

1- زوجكِ يحبكِ وتحبينه، ولكنَّ هناك أمورًا أخرى تشوش بعض الشيء على هذا الحب؛ منها شدة غضبه وعلاقته المحرمة بامرأة أخرى، وربما شدة غضبكِ أيضًا، وشدة غيرتكِ عليه، ومن ثَمَّ قسوتكِ في مناصحته.

 

٢- ذكرتِ أنه شديد الغضب لدرجة السبِّ والضرب، ثم ذكرتِ أمرًا متناقضًا مع ذلك؛ وهو أنه طيب وحنون، وحينما لا توجد خلافات بينكما يحتويكِ.

 

٣- ذكرتِ أنه قال لعشيقته: إنها حبه وعشقه، وأنه لا يحبكِ، ولكنه يقدركِ لأنكِ أمُّ أولاده.

 

٤- ذكرتِ أنه لا يقبل النقاش منكِ، ويغضب ويسب ويضرب، ويقول للناس: إنكِ سليطة اللسان.

 

5- ذكرتِ أنه يرى نفسه دائمًا على صواب، وأنكِ المخطئة دائمًا.

 

6- وأخيرًا تسألين: ماذا تفعلين لقلبكِ الذي عشقه وتحدى العالم لأجله؟

 

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: ما دام زوجكِ يحبكِ وتحبينه وطيبًا وحنونًا معكِ، فما أسباب التناقضات الأخرى التي منها شدة الغضب منكِ، والضرب، السب، التهديد بمفارقتكِ؟

 

فتِّشي في نفسكِ ولا تزكِّي نفسكِ؛ فقد تكونين من شدة غيرتكِ عليه غيبتِ الحكمة في التعامل معه، وأغلظتِ له القول وانتقصتِهِ وسفهَّتِهِ، وكل الرجال لا يقبلون الغلظة في القول من زوجاتهم، حتى ولو كانوا مخطئين، فراجعي أسلوبكِ، وصححي أخطاءكِ.

 

ثانيًا: لا ريب أنه أخطأ خطأً جسيمًا بإقامته علاقات مع امرأة أجنبية عنه، وتجب مناصحته، وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن لعل الأفضل ما دمتِ لا تحسنين أسلوب المناصحة أن تتم مناصحته من غيركِ من عقلاء أقاربه الذين يعرفون أحواله.

 

ثالثًا: يبدو أن لأسلوبكِ دورًا في شدة غضبه عليكِ، وضربه وشتمه لكِ، فراجعي وصححي طريقتكِ.

 

رابعًا: لتعلمي يقينًا أن الرجال الآن يُعانون من شدة فتنة النساء، خاصة مع ضعف الإيمان، وتسهيل وسائل التواصل للتواصل المحرم بين الجنسين، وكذلك وجود مواقع الإباحية وما فيها من فتنٍ تُزعزع القلوب، وتهوِّن عليها غشيان الفواحش أو القرب منها؛ ولذا فعليكِ – وعلى كل زوجة – بذل ما تستطيعه لإشباع رغبات زوجها الجنسية والعاطفية والرومانسية؛ حتى لا يُفتن بالبحث عنها عند غيرها.

 

خامسًا: قد لا تكونين مقصرة معه في شيء، ولكنه مفتون، وفتنة النساء على الرجال عظيمة شديدة جدًّا، عبَّر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الآتي: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ترَكتُ بعدي فتنةً هي أضرُّ على الرِّجالِ مِن النساءِ))؛ [متفق عليه].

 

سادسًا: لا تنظري لزوجكِ على أنه مجرم، بل انظري لزوجكِ على أنه مريض مسكين يحتاج للوقوف معه لانتشاله إلى بَرِّ الأمان؛ ولذا فمع العناية بما ذكرته لكِ، ادعي له كثيرًا وبصدق وإخلاص بصرف هذه الفتن عنه، وأكثري من الاستغفار والاسترجاع؛ لأن هذه مصيبة عظيمة.

 

سابعًا: اصبري ولا تيأسي أبدًا؛ وتذكري قوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

 

وقوله عز وجل: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

 

سابعًا: استمري في مناصحة زوجكِ بالحكمة، مذكِّرة له بالموت، والجنة والنار، وشدة عقوبة الزنا، ومذكرة له بما ينقله من أمراض مستعصية من هربس وإيدز وغيرها، ونوعِّي النصيحة تارة بمقطع مؤثر، وتارة بكلام طبي موثَّق، وهكذا.

 

ثامنًا: لا تشمتي به، ولا تفشي أسراره، ولا تغلظي له القول، ولا تكوني عونًا للشياطين عليه بالانتقاص والازدراء، بل كوني حكيمة، وأظهري له الحب والشفقة، وطعِّمي نصائحكِ بالودِّ والحب والخوف عليه والغَيرة عليه.

 

تاسعًا: ذكِّريه بأن ما حصل منه فتنة، وحذِّريه من مغبة الفتن، وذكريه بالحديث الآتي: قال حذيفة: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُعْرَضُ الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نُكِتَ فيه نكتة بيضاءُ، حتى تصير على قلبين، على أبيضَ مِثْلِ الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا؛ كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه))؛ [رواه مسلم].

 

عاشرًا: ذكريه بأن الله سبحانه عندما حرم الزنا ما قال: ولا تزنوا، وإنما قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

 

فنهى الله سبحانه عن الزنا وعن كل ما قد يقرب له من نظر أو خلوة أو كلام أو تبرُّجٍ، فكله مُحرَّم.

 

حادي عشر: ذكريه بأن العلاقة الشرعية سكن ومودة ورحمة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

بينما العلاقات المحرمة معصية وقلق، وتوتر وتشتت للذهن عن طاعة الله سبحانه، وعن القيام بالحقوق الزوجية من محبة وخدمة، وإعفاف ومودة.

 

ثاني عشر: لعل ما يصيبه من تغير المزاج، وضربٍ وسبٍّ بسبب العلاقات المحرمة، وبسبب ما يتبع هذه العلاقات من معاصٍ، تُظلم القلب، وتكسوه بالقسوة والكآبة؛ كما قال سبحانه: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].

 

وكما في الحديث التالي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زِيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))؛ [رواه الترمذي وحسنه].

 

ثالث عشر: لا تهتمي كثيرًا بما قاله لعشيقته عنكِ، فهو كلام كذبٌ أملاه الشيطان عليه؛ ليستميل قلبها له، بل الصحيح أنه يُحبكِ ولا يحبها حبًّا حقيقيًّا، فقط يعشقها عشق شهوة محرمة.

 

حفظكما الله، وحمى زوجكِ من الفتن، وأعانكِ على نصحه وعلى إعفافه.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.