تمثل هذه الفنون هوية وطنية، تمزج الأصالة بالحداثة، وتشتمل على عناصر العادات والتقاليد، والآداب، والقيم، والمعارف الشعبية، والثقافية، والألعاب، والأغاني، والأمثال الشعبية، والاحتفالات، والرقص والفنون.
تشويه ملحوظ
اختلطت الفنون الشعبية في الآونة الأخيرة ببعض التصرفات المشوهة لأصالتها عبر إدخال تعديلات لا تمت للفن بصلة عليها، مما أثار استياء كثيرين باتوا يتجنبون حضور مناسباتها، وتمثلت أبرز تلك التداخلات مع الفنون التراثية في «رقصة السامبا»، و«التعطاف»، و«ميول الجسم أمام طبالي الدفوف»، و«الجلوس على الأرض وهز الجسم»، وإدخال ألوان شعبية لمناطق أخرى، وعدم التقيد بزي موحد، والعشوائية، وهو ما عدها البعض غير لائقة، وتشويها لنصاعة الماضي، وتهديدا له.
مطالب تأسيسية
ارتفعت الأصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بإنشاء أندية تعنى بالموروث الشعبي، وتحفظ الموروث الأصيل من التشويه، وتصدرت تلك المطالبات مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، ووجدت ترحيبا كبيرا.
ففي جازان، طالب كثيرون بإنشاء أندية للفنون الشعبية، تستقطب المواهب في أداء العرضات أو الأغاني والقصائد الشعبية، بهدف حفظ هويتها الحقيقية من أي تشويه أو اجتهادات شخصية في غير محلها.
وحوّلت «الوطن» هذه المطالب إلى رئيسي النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، لإبداء رأييهما حيالها، إلا أنهما تجاهلا الرد على الاستفسارات لأكثر من أسبوع كامل.
ناد جامعي
استبق نادي الفلكلور الشعبي بمنطقة جازان جميع المطالب المنادية بتأسيس أندية شعبية، إذ يعد النادي الأول والرسمي في المنطقة، وهو يعمل تحت مظلة الجامعة، ويشارك في المناسبات الرسمية بالمنطقة وغيرها.
وأكد رئيس النادي، عماد أحمد سوادي، لـ«الوطن»: «النادي الشعبي يعد الأول من نوعه على مستوى المنطقة بشكل رسمي، ويبلغ عدد أعضائه 50 مشاركا، كل عدد منهم يتميز بالمشاركة في لون شعبي مختلف»، مضيفا أنهم يقدمون فنون «العرضة السعودية – المعشى – السيف – الجيش – الخطوة – الربش»، ويشاركون في مناسبات المنطقة الرسمية وغيرها بالمحافظات الأخرى، وأن لهم مشاركات مميزة في اليوم الوطني والمهرجان الشتوي واحتفالات المحافظات وحفلات التخرج، والمشاركة دوليا في الجزائر والجنادرية وأوليمبياد ألعاب القوى للجامعات. وأوضح «سوادي» أنه يتم التواصل معهم للمشاركة في مختلف المناسبات، وذلك مقابل مبلغ رمزي يتراوح ما بين 2000 و4 آلاف ريال، حسب نوع المناسبة وأهميتها.
تشاؤم
لم يبد كثير من المهتمين بالموروث الشعبي، ممن استطلعت «الوطن» آراءهم، تفاؤلا حيال ما يمكن للمؤسسات الأدبية والثقافية أن تقدمه في هذا الإطار، واتهمها البعض بالخضوع للمحسوبيات والمعارف والأصدقاء، وعدم الاهتمام بالفنون الشعبية الجميلة، مؤكدين أن فكرة استحداث أندية شعبية هي فكرة جيدة، ستدر أرباحا جيدة للأندية أو الجمعيات.
وأوضح كاتب القصة المهتم بالأدب والموروث الشعبي في جازان، محمد الرياني، لـ«الوطن»: «الفن الشعبي يرتبط بعدد من المظاهر الاجتماعية، وهي بلا شك حالة من الفرح يترجمها الفن الشعبي، وسط أجواء عارمة من السرور، ولذا فهو مستمر ما دامت الأفراح مستمرة، سواء كانت أفراح زواج أو نجاح أو «أهواد» ترتبط بالختان أو حتى في حالات الفرح العامة مثل تحقيق الانتصار والفوز أو في المناسبات الوطنية. كما أن الفن الشعبي على الرغم من أنه يخضع للنطاق المحلي، فإنه قد يخرج إلى نطاق العالمية، ويحظى بشهرة عالمية مثله مثل الغناء والرقص ونحوهما، وقد رأينا بعض فنوننا الشعبية في محافل عربية وعالمية، وكيف حظيت بحضور وإقبال ومتابعة وتقليد من لدن العرب والأجانب، لذا فالفن الشعبي مظهر من مظاهر الفرح والسرور والبهجة، ويمثل الوجه المشرق للمحلية، وقد تشرق شمسه خارج النطاق المحلي، ليرتقي عالميا».
وأضاف «الرياني»: «جمعيات الثقافة والفنون هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الفن، فهو جزء مكمل للفنون الحديثة الأخرى، وقد تابعنا على مدى عقود ماضية كيف مزج الفنانون أعمالهم بألوان أخرى مثل «السامري» في نجد، و«الربش» في جازان، و«العرضة» في عسير، وربما «الدحة» في الشمال، واللون البحري في المنطقة الشرقية، لذا فجمعية الثقافة والفنون في كل منطقة هي المسؤولة عن استمرار هذا الموروث الأصيل، والمحافظة عليه، سواء من ناحية الأداء أو الإيقاع أو حتى الزي الرسمي، وذلك بعيدا عن الابتذال الممجوج أو المبالغة في الأداء كما رأينا في بعض المناسبات. أما الأندية الأدبية، فاسمها ارتبط بالشعر والسرد بعمومه، وصنعت لها تاريخًا عبر هذه البوابة، ولا أرى أن تدخل الفنون الشعبية ضمن أنشطتها بشكل رسمي ما لم تكن الحاجة لهذا اللون من باب إحياء الشعر مثل الأوبريتات أو نحو ذلك».
ممارسة متوارثة
أوضح «الرياني»: «تطوير الفنون الشعبية يعتمد على استمرارها في المناسبات المختلفة، والاعتماد على الرعيل الأول الذين برزوا فيها، حيث إن الفنون الشعبية في العادة هي ممارسة متوارثة، فنحن نشاهد في حفلات الزواج أو أي مناسبة أخرى كيف يتبارى الكبار والصغار، ومعهم كبار السن، في إحياء ليال في غاية المتعة. أما مسألة التدريب أو ما يشبه أكاديميات الفنون، فلربما تعقد المسألة، لأن مسألة التدريب، خاصة في مجال الفنون الشعبية، تختلف تماما عن الممارسات الأخرى مثل الرياضة أو نحوها، والفنون الشعبية لدينا بكل صراحة متنوعة وراقية ومستمرة، ولا يزال الإقبال عليها كبيرا ولن تندثر، حيث إن لدينا وطنا واسعا يزخر بعدد من الموروثات الرائعة، وليس الفن الشعبي وحده».
منافسة شرسة
يرى «الرياني» أن «الأدب الشعبي منافس شرس للفن الأدبي، فالشعر الشعبي يحظى بمتابعة عريضة، وله جمهوره العريض والكبير، علاوة على سهولة غنائه بسبب قبوله عند كثير من المتابعين، وهذا لا يعني أن «الفصحى» ليس لها حظ من المتابعة، حيث نجحت كثير من قصائد الفصحى في أن تكون أغنيات خالدة. وفي المجمل، لغة الفن الشعبي والفن الأدبي واحدة مع احتفاظ الفنون الأدبية بقواعد الإعراب، والاثنان يسيران في خطين متوازيين بقواعد وأسس وجماهير، ولا نستطيع دمجهما، لأننا بطبيعة الحال لا نستطيع إرغام الجمهور على فن أو لون لا يناسب ميوله، لذلك سيظل الصراع قائمًا بين الاثنين، وهذا شيء جيد أن تتنوع الفنون ليتنوع الإبداع».
مطلب ملح
أكد الشاعر الشعبي محمد عطيف لـ«الوطن» أن «المناداة بإنشاء أندية شعبية تعد مطلبا ملحا، ويفترض من كل محافظة أن تضع في أجندتها زاوية شعبية، تضم فرقة وفناني المحافظة الذين يتبعون لها على أقل تقدير»، مشيرا إلى أنه لا يتوقع أن تستوعب المحافظات هذه الأندية، وإنما يجب أن تقتصر على محافظات تهتم بالفنون، بالإضافة إلى تجنب العنصر الأجنبي في تلك الفرق، وإعداد نواة من أبناء المنطقة، لتكوين فرق في كل مجالات الفنون.
وبيّن «عطيف» أن الفرق الشعبية لها فضل كبير في الحفاظ على استمرارية هذه الفنون، وأن الأثر الأكبر لها يتجلى في مواسم الجنادرية، لافتا إلى أن «جمعية الثقافة والفنون والنادي الأدبي قدما ما يستطيعان، كل حسب إمكاناته، وأخص بذلك جمعية الفنون، لأن التركة أكبر من طاقتها، وكلنا يدرك أن النادي الأدبي ليست له علاقة إلا بالأدب العربي والقصة على حد علمي».
وأوضح: «لا توجد مرجعية رسمية للفنون التراثية، فكيف نجد خططا لتطويرها، والتطوير الحالي هو اجتهاد خاص من الفرق في الشكل وتشويه للمضمون أحيانا باستحداث رقصات بعيدة عن أصل التراث»، مضيفا أنهم «يحتاجون إلى مهرجانات، وساحات شعبية، وعروض مستمرة، وتنافس بين المحافظات، خاصة ونحن مقبلون على طفرة سياحية وترفيهية».
وعلى مستوى منطقة جازان، قال «عطيف»: «المنطقة تحتاج إلى الكثير من أجل الحفاظ على الموروث، وإبرازه بشكل مميز، من أهمها أن يكون هناك جيل واع يدرك أهمية المرحلة، وصناعة إرث حقيقي، يحفظ للمنطقة أصول تراثها، مع الإيمان بأن لكل جيل بصمته، ولكن ضمن الأصالة، إلى جانب وجود مرجعية تنظيمية وإدارة متخصصة من ممارسي الفنون، والحفاظ على ما تبقى، حتى لا نندم في يوم على ما صنعه الأجداد من أصالة في العادة والسلوك الشعبي، ولا ننسى أن يشتمل ذلك على الفنون الشعبية النسائية، خوفا من التغريب»، مبينا أنه «يوجد عدم اهتمام صريح وممنهج، تقابله جهود فردية ورؤى واهتمام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي دون وجود نشاط حركي على الأرض».
دعم مادي
أفاد الشاعر الغنائي خالد العمودي: «إذا نظرنا إلى فكرة إنشاء الأندية الشعبية أو الصوالين الفنية للاهتمام بالموروث الشعبي، فإن ذلك يتطلّب عدة أمور، أهمها الدعم المادي الذي نفتقره في المنطقة، وهذا الدعم المادي لن يحدث ما لم تكن هناك رعاية مباشرة من المسؤولين، وعقد اجتماعات فاعلة، يُراعى فيها بشكل أساسي الدعم المادي، وصولا إلى وضع اللبنات الأساسية لإنشاء هذا النادي الشعبي ورسم أهدافه، واستدعاء الأسماء الفنية البارزة التي لها لمسات فنية في الموروث الشعبي، ناهيك عن كثير من الفنانين الذين تزخر بهم المنطقة، وتكوين إدارة فاعلة، يواكبها دعم من الجهات المعنية بالفعاليات والمهرجانات، سواء كانت تلك الجهات حكومية أو قطاع خاص، لتقديم هذه الفئة في تلك الفعاليات والمهرجانات، والاهتمام بدعم المشاركين، معنويا وماديا، عند كل فعالية».
وأضاف «العمودي»: «هناك حاجة ماسة لإنشاء ناد يهتم بالفنون الشعبية نظير ما تملكه المنطقة من تراث فني غزير وشباب واعد، ومن خلال ذلك يمكن الاهتمام بالمواهب والرقصات الشعبية، وإبرازها للمجتمعات على وجه البسيطة بشكلها الصحيح دون تكلُّف أو ابتذال»، مؤكدا أن «جمعية الثقافة والفنون في المنطقة لا تملك إلا الاسم من حراكها وأهدافها حيال إبراز الفنانين والشعراء والموروث الشعبي، لذلك فإن هناك قصورا واسع النطاق للجمعية. أما النادي الأدبي، فدوره يكمن في الاهتمام بالشعر الفصيح، وإقامة الأمسيات الأدبية وما إلى ذلك»، ومبينا أن «دور إمارة المنطقة مهم في توجيه الجهات المعنية بضرورة مراجعة بعض الأدوار العملية من خلال الاهتمام بالموروث الشعبي، ودعمه معنويا وماديا، للنهوض به، وتطوير أعماله وأهدافه، لإبرازه بالشكل الأمثل والأجمل».
جهود شخصية
أيد رئيس صالون الفن والأدب، الفنان علي عيسى، فكرة إنشاء أندية شعبية، تشرف عليها جهات معنية ومتخصصة، ولها خبرة عريضة في هذا المجال، مشيرا إلى أن جمعية الثقافة والفنون لم تعمل بهذا الخصوص، وقد تكون غير مكلفة بهذا المجال، ومضيفا أنهم في صالون الفن والأدب يهتمون بتقديم الشعراء والفنانين بشكل جيد، وتقديم الرعاية لهم، وصقل وتنمية مواهبهم، وأن الصالون يحتوي على كوكبة كبيرة منهم، ويبلغ عدد أفراده 40 شخصا، وأنهم يعملون بمجهودات شخصية، ولا توجد أي جهة تمول أو تدعم هذا النشاط، وتحتضنه بشكل رسمي.
نادي الفلكلور الشعبي بجامعة جازان
50 مشاركا
6 فنون شعبية يقدمها
2 حتى 4 آلاف ريال قيمة مشاركته الواحدة
أبرز الفنون التي يقدمها النادي
العرضة السعودية
المعشى
السيف
الجيش
الخطوة
الربش
التصرفات الدخيلة على الفن الشعبي
السامبا
التعطاف
ميول الجسم أمام الطبالين
الجلوس على الأرض وهز الجسم
إدخال ألوان شعبية أخرى
عدم التقيد بزي موحد
العشوائية