التخطي إلى المحتوى

ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، عاشت البشرية على وقع عصر الاكتشافات الجغرافية الذي قاد خلاله عدد هام من المغامرين والبحارة رحلات محفوفة بالمخاطر، متحملين تقلبات الطقس والأمراض كالإسقربوط، لاكتشاف ممرات بحرية ومناطق جغرافية لم يسبق للإنسان، الذي قطن بالعالم القديم، بلوغها سابقا.

إلى ذلك، لم تتوقف هذه الاكتشافات الجغرافية عند القرن السابع عشر. فعلى الرغم من تراجع وتيرتها، واصل العديد من المغامرين هذه الرحلات التي قادتهم نحو مناطق جديدة من الكرة الأرضية. ومن ضمن هؤلاء المغامرين، يذكر التاريخ اسم المستكشف النرويجي روال أموندسن (Roald Amundsen) الذي تحوّل عام 1911 لأول إنسان يبلغ القطب الجنوبي.

بداية المغامرات البحرية

وفي الأثناء، قرر روال أموندسن، المولود قرب أوسلو يوم 16 تموز/يوليو 1872، اختيار طريق المغامرات البحرية والاكتشافات الجغرافية عقب النجاح الباهر الذي حققه فريتيوف نانسين (Fridtjof Nansen) عام 1890 تزامنا مع نجاحه في اكتشاف مناطق هامة من غرينلاند.

وأملا في تحقيق حلمه، شارك أموندسن ما بين عامي 1897 و1898 في رحلة مغامرة نحو القارة القطبية الجنوبية على متن سفينة قادها الكابتن البلجيكي أدريان دي جيرلاش (Adrien de Gerlache). وأثناء هذه الرحلة، بلغت السفينة أرض غراهام وقضى طاقمها شتاءهم ببحر بلنغهاوزن (Bellingshausen) أين نجوا بصعوبة من مرض الإسقربوط بفضل تدخل الطبيب الأميركي فريدريك كوك (Frederick Cook) الذي قدم لهم وجبة غذائية اعتمدت أساسا على لحم البطريق.

وما بين عامي 1903 و1905، برز اسم روال أموندسن بالصحف العالمية حيث قاد الأخير رحلة تمكن من خلالها من عبور الممر الشمالي الغربي وأتقن طريقة استخدام كلاب جر المزلجة.

أول من يبلغ القطب الجنوبي

مع نجاح عمليات استكشاف القطب الشمالي من قبل عدد من المغامرين الأميركيين عام 1909، قرّر أموندسن توجيه ناظره نحو القطب الجنوبي. ويوم 3 حزيران/يونيو 1910، غادر هذا المغامر النرويجي أوسلو باتجاه القطب الجنوبي تزامنا مع بداية رحلة ثانية قادها البريطاني روبرت فالكون سكوت (Robert Falcon Scott) لبلوغ نفس المنطقة.

ويوم 14 يناير 1911، نصب أموندسن مخيّمه الأساسي بخليج الحيتان الذي مثّل منفذا رئيسيا نحو القارة القطبية الجنوبية. وبحلول 19 تشرين الأول/أكتوبر، غادر الأخير هذه القاعدة، رفقة زملائه، معتمدا على مزلجة جرّتها الكلاب ليسبق بذلك نظيره البريطاني روبرت فالكون سكوت الذي انطلق بعده باثني عشر يوما.

ويوم 14 ديسمبر 1911، حقق أموندسن حلمه ببلوغه القطب الجنوبي. ومع حصوله، وضع الأخير علم النرويج وترك عددا من أدوات النجدة لمنافسه روبرت فالكون سكوت، في حال بلوغه لنفس المكان ومعاناته من أزمة صحية، إضافة لرسالة لملك النرويج في حال وفاته في طريق العودة لوطنه.

وفي الأثناء، فشل البريطاني روبرت فالكون سكوت في تحقيق ما حققه أموندسن. فعلى بعد 17 كلم فقط من أحد مخازن الطعام، توفّي الأخير بالقطب الشمالي رفقة 4 من زملائه بسبب الطقس البارد والجوع، وقد تمكّن البريطانيون من العثور على جثته، رفقة عدد من رسائله الأخيرة، بعد نحو عام.

وبعد مضي 16 عاما عن مغامرته بالقطب الجنوبي، عرف أموندسن بدوره نهاية مأساوية. ففي الخامسة والخمسين من العمر، فقد الأخير ببحر بارنتس (Barents Sea) يوم 18 يونيو 1928 أثناء مشاركته في عمليات البحث عن بقايا طائرة الجنرال الإيطالي نوبيلي.