التخطي إلى المحتوى


المزيد من المشاركات

تمثل منطقة بيلبارا بمناظرها الطبيعية الزاهية، وألوانها العميقة المتداخلة، صورة بانورامية خلابة، استطاعت أن تهدينا أقدم شكل للحياة على وجه الأرض، الذي خطف أبصار الملايين، وجعل من هذه البقعة وجهة لعلماء الجيولوجيا والباحثين، من جميع أنحاء العالم، وذلك لمعرفة سر المنطقة التي أصبحت فيما بعد مزارًا سياحيًا، لمحبي السفر والمغامرات والغموض.

منطقة بيلبارا

تقع منطقة بيلبارا في شمال ولاية غرب أستراليا، وعلى الرغم من مساحة المنطقة الكبيرة، المُقدرة بنحو 502.000 كم مربع، إلا أن عدد سكانها قليل، لا يتعدى 48 ألف نسمة، بحسب الإحصائيات التي أجريت عام 2010، إذ تعد بيلبارا من المناطق الجافة، غير الصالحة للمعيشة، والتي تعود شهرتها إلى وجود العديد من المعادن فيها، خاصة الحديد، بالإضافة إلى وجود الغاز الطبيعي والنفط، الأمر الذي جعل لها أهمية اقتصادية كبيرة، ولكن هل تقتصر شهرة بيلبارا على أهميتها الاقتصادية فقط؟

أقدم الأماكن على وجه الأرض

منطقة بيلبارا

توصل العلماء إلى أن بيلبارا، تمثل أعتق الأماكن على وجه الأرض، إثر القيام بعدة أبحاث في السنوات الأخيرة، والتي تضمنت العديد من الاستكشافات، والكثير من الأسئلة والمحادثات، مع سكان أستراليا الأصليين، إذ أكدوا أن تكويناتها الصخرية الهائلة، الغنية بالمعادن والحديد، تعد أبرز دليل على كونها مثالًا محفوظًا لأقدم قشرة، وثقافة حية مستمرة في العالم، والتي يظن العلماء أنها تشكلت قبل تواجد الأكسجين والحياة نفسها.

رواسب ضد التعرية

منطقة بيلبارا

كما ذكر  أستاذ الجيولوجيا في جامعة نيو ساوث ويلز، «مارتن فان كرانيندونك»، والذي أمضى عدة سنوات في دراسة منطقة بيلبارا ورسم خرائطها، أن أهمية بيلبارا وميزتها الفريدة، لا تكمن في عمر المناظر الطبيعية فقط، ولكنها تتمثل أيضًا في عدم تأثرها بعوامل التعرية والكوارث الطبيعية، كذلك التغيرات البيولوجية حتى وقتنا هذا.

هكذا توصل علماء الجيولوجيا والباحثون، إلى أن رواسب وصخور بيلبارا، ومناظرها الطبيعية الشاسعة، الممتدة من الساحل الغربي حتى حدود الإقليم الشمالي، تعود لأكثر من 3.6 مليار عام، كما يُعتقد أن رواسب الحديد الهائلة المتواجدة بها، قد تشكلت في وقت مماثل أيضًا.

ووفقًا لما ذكره فان كرانيندونك، فإن صخور بيلبارا عتيقة جدًا، للدرجة التي تجعلها لا تحتوي حتى على بعض الأحافير، بداخل هيكلها، باستثناء صخور الستروماتوليت الرسوبية، التي تمثل أقدم أشكال الأحافير على وجه الأرض، إذ عُثر على الكثير من أحافير ستروماتوليت في عام 1980، بالقرب من منطقة بيلبارا، والتي قُدر عمرها بنحو 3 مليار عام.

وقد تكونت هذه الهياكل الحجرية قديمًا عن طريق مستعمرات من الكائنات الحية الدقيقة المعروفة بالبكتيريا الزرقاء، فعند تراكم الرواسب في المياه الضحلة تنمو هذه البكتيريا، وتقوم بعمليه التمثيل الضوئي، مما يسهم في عملية الربط بين الجسيمات الرسوبية وطبقات البناء، حتى تصبح هذه الطبقات أخيرًا عبارة عن تلال، شكلت تأثيرا كبيرا وفعالا في تاريخ الأرض، حيث استفادت من أشعة الشمس لتوليد الطاقة، وإنتاج الأكسجين بنسبة 20% تقريبًا من الكمية الأصلية، التي يحتوي عليها الغلاف الجوي لسطح كوكبنا.

الكوكب الأحمر

منطقة بيلبارا

وبحلول عام 2019، أجرى علماء ناسا بعض الأبحاث في منطقة بيلبارا، بصحبة أستاذ الجيولوجيا «فان كرانيندونك»، استعدادًا لرحلة قاسية إلى المريخ، في محاولة للوصول إلى بعض الأدلة الواضحة، التي تنبئ بوجود حياة قديمة على هذه البقعة في أستراليا، وقد كانت التجربة مثمرة جدًا، إذ تمكنوا من رؤية وفهم التفاصيل المستترة، لملمس صخور الستروماتوليت المتحجرة، وبهذا تمكنوا من الحصول على فهم أعمق، للأدلة التي هم بصدد البحث عنها، أثناء رحلتهم لاكتشاف أدلة على الحياة في بيلبارا.

وقد أضاف فان كرانيدونك قائلًا: «إن تكوين كمية الصخور والحديد في بيلبارا مذهل، وتتشابه الصخور في هيئتها مع سطح المريخ»، مما جعلهم يطلقون عليها الكوكب الأحمر، تمامًا كما يُطلق على سطح المريخ.

مزار سياحي

منطقة بيلبارا

على الرغم من أن منطقة بيلبارا منطقة متطرفة، وتعد من المناطق الخطرة أيضًا، إذ تبدو كصحراء قاحلة، إلا أنها أصبحت من أكثر الأماكن جذبًا للزوار، من جميع أنحاء العالم، بل وأصبحت أيضًا ضمن أجمل المتنزهات الوطنية في العالم، لما تحتوي عليه من معالم تأسر الخيال، خاصة «حديقة كاريجيني الوطنية»، والتي اقتطعت من الأرض بفعل التعرية البطيئة، على مدى مليارات السنين، إذ تقع بين الصدوع والتشققات، والصخور الرائعة التي تغذيها الينابيع الجوفية، كذلك أعماق الوديان القديمة، وقد أضفت عليها الشلالات الجارية، وأحواض المياه الخلابة بين الصخور، المزيد من الجمال الطبيعي، والمشاهد التي تخطف الأبصار والعقول.

بيلبارا الساحرة

عند الحديث عن منطقة بيلبارا، لا يجدر بنا التغاضي عن وصف جمالها وسحرها، الذي جعل منها مشهدًا طبيعيًا خلابًا، من صنع الخالق سبحانه وتعالى، إذ تتجلى لنا شلالات المياه المتدفقة، آبار المياه، والواحات المتناغمة مع تضاريس المنطقة، والتي جعلتها أكثر إثارة ولفتًا للأنظار، خاصة بعد حفر المنطقة ليتكون مسبح طبيعي، ناتج عن التدفق المستمر للمياه، والذي يغلفه جدار صخري أملس، متعدد الألوان.

هكذا نستطيع القول إن سحر بيلبارا يكمن في جذورها القديمة، حيث تخلو تماما من الأسوار والمباني الشاهقة، مما يمنحك فرصة القيام برحلة استكشافية رائعة، تتخللها الطبيعة فقط، وهو ما جعل المنطقة بأكملها، خاصة متنزه كاريجيني، وجهة أيضًا للمصورين عشاق الطبيعة، الفنانين والرسامين، كذلك الجيولوجيين، الذين أتاحت لهم بيلبارا فرصة التعرف على أقدم الصخور على وجه الأرض، والنظر إلى طبقات الزمن، المتمثلة في الأخاديد والصخور ذات الطبقات المتعددة، التي منحتنا نبذة عن مليارات السنين، وذلك أثناء السير بين وديان المتنزه وشلالاته، وفقًا لما ذكره «بيت ويست» مرشد منطقة كاريجيني.

مصدر 1مصدر 2

رابط المصدر