في البداية، تخيل معي أن ينطق ابن أخيك صاحب الـ 9 أعوام كلمة غير مفهومة فيعجبك لفظها وتختارها كاسمٍ علميٍ لرقمٍ كثير الاصفار – واحد بجانبه مئة صفر – ثم تتفاجأ بأن طالب دراسات عليا بعلوم الكمبيوتر أتى بعد عدة عقود واختار تلك الكلمة كاسم تجاري لأهم شركة بالعالم، والمفاجأة طبعاً ليست لاختيارها وحسب، وإنما لأن هذا الطالب أخطا بكتابة تلك الكلمة والخطأ ذاك أصبح اسم أهم شركة تكنلوجيا بالعالم: جوجل! هل انتهت الحكاية هنا ؟ بالطبع لا.
لا تقتصر الأخطاء الهجائية على تلك التي وقع بها مصرف لبنان المركزي سنة 2013، ولا على الخطأ الفادح الذي وقع به المصرف الأسترالي المركزي سنة 2018 حين طبع ملايين العملات من فئة 50 دولار دون الانتباه لخطأ هجائي محرج في كلمة “مسؤولية”، بل هناك أيضاً خطأ هجائي طريف من نوعه كان وراء تسمية جوجل بهذا الاسم! كيف ذلك؟ سأخبرك بالقصة الكاملة.
جوجل قبل أن تسمى Google
لا تختلف بداية جوجل عن فيس بوك ولينكس، فالبداية عبارة عن مشروعٍ بحثي، ظهر في أواخر تسعينيات القرن الماضي صممه اثنان من طلاب الدراسات العليا في علوم الكمبيوتر لجامعة ستانفورد وهما لاري بيج وسيرجي برين وأطلقا عليه حينها Backrub، على اسم براءة اختراعهم الخاصة بخوارزمية البحث، والمشروع عبارة عن محرك بحث بخوارزمية مدهشة كانت لا تعتمد على تصنيف الصفحات بناءً على محتواها فيما يُعرف بالـ “بيج رانك” وإنما أيضاً على عدد صفحات الويب الأخرى المرتبطة بها. تطورت فكرة المشروع فيما بعد وأصبحت شركة، ليست أي شركة وإنما جوجل — رائدة التقنية في العالم.
معنى “جوجل” الأصلي
لمعنى جوجل الأصلي قصة طريفة أيضاً، بطلها عالم الرياضيات إدوارد كاسنر. بدأت الحكاية حين لم يجد عالم الرياضيات اسماً مناسباً لعددٍ يساوي الرقم عشرة مرفوعاً للأُس 100 أيّ (¹⁰⁰10) أو واحد وبجانبه 100 صفر. لذلك لجأ لأبن شقيقه الصغير – ميلتون سيروتا – صاحب الـ 9 أعوام وسأله بيأس: ما اسم العدد الذي يحوي عدد كبير من الاصفار ؟ فأجابه الطفل حينها – وأستبعد أن يكون الطفل مازال طفلاً خصوصاً وأن القصة تلك حدثت عام 1920 – بسذاجة أو ربما سخرية: Googol أو “جوجول” حتى دون ان يستوعب معنى السؤال. وبالفعل وبحسب الرواية الرسمية أعجب عالم الرياضيات غريب الاطوار بالاسم ونشره كاسم رسمي للعدد 10 أُس 100 في كتابٍ من تأليفه اشتهر فيما بعد باسم “Mathematics and the Imagination”.
كيف تطور جوجول إلى جوجل ؟
من المؤكد أن لا علاقة لداروين ونظريته المشهورة بتطور جوجول إلى جوجل وإنما لطالب آخر من طلاب الدراسات العليا لعلوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد واسمه Sean Anderson (بالعربية: شون أندرسون)، تحديداً حينما أوكل كلًا من لاري بيج وسيرجي برين مهمة تغيير اسم محرك البحث “BackRub” لطلاب الدراسات العليا في الجامعة المذكورة، وبعد بحثٍ طويل اقترح شون تسمية: “Googolplex” وهي تعني الرقم جوجول ولكن أُس عشرة، أو عدد غير معروف الحجم تقريبًا.
أعجب لاري بيج وسيرجي برين بالاسم خصوصًا وأنه يشير إلى المقدار الكبير والهائل من البيانات التي تُعالَج عبر محرك البحث، ولكنهما اقترحا أن يكون الاسم أقصر: جوجول مثلاً، وبما أن شون هو الذي عثر على الاسم فمن الطبيعي أن توكل له مهمة حجز اسم الموقع على الويب، لذلك الامر أجرى بحثاً صغير عن إمكانية توفر الاسم، ولكنه بسبب الإرهاق أخطا بكتابته، وفعلاً كان Google.com متاحاً ولم يكترث لاري بيج للخطأ الاملائي، على العكس تماماً، اعجب بالاسم وقام بحجزه على الويب عام 1997 ليصبح بعدها الخطأ الهجائي أسما لأكبر محرك بحثٍ على الاطلاق.
في النهاية، بالتأكيد حكاية تسمية جوجل هي الاغرب على الاطلاق بداية من تسمية الرقم جوجول مروراً باختياره ولا ينتهي الأمر بسبب كون الاسم غير محجوز على ويب بعد، ولكنها الحكاية الرسمية من الشركة نفسها، والسؤال يبقى هل حقاً بأن تسمية جوجل جاءت من خطأ هجائي فقط؟ أو أن للحكاية وجهٌ آخر سيكشف عنه فيما بعد! أخبرني ما رأيك أنت ؟