المشكلة أن استمرار موسوعة بضخامة ويكيبيديا تحتاج إلى أموالٍ ليست بقليلة سواء لاستضافة الموقع أو لتحفيز المؤلفين والناشرين، فكما قلنا الموقع موجود منذ ما يزيد عن الـ 20 سنة، وبالتأكيد لن يظل المؤسسون يمولون المشروع ذاتيًا كل هذه المدة لأجل معرفة المستخدمين فحسب، ولأن الموقع ليس به إعلانات، فهذا أثار حيرة المستخدمين وطرح تساؤل اليوم: كيف تحقق ويكيبيديا أرباحًا ؟
تأسيس ويكيبيديا.. المعرفة للجميع!
غير ربحي! لماذا إذًا ؟
لكل شخصٍ في الحياة مبادئه الخاصة؛ ولأن الغالبية الكاسحة من الشركات اليوم تسير بنهج رأسمالي جشع؛ هدفه المال فقط، لا يعني عدم وجود أشخاص يؤمنون بمبادئ سامية ومن أجل المبادئ السامية وحسب. لا يجب أن يكون هناك هدفًا خفيًا بالضرورة، هناك من يحب أن ينفع البشرية ويُخلد اسمه. لذلك إذا بحثت عن الهدف الذي أُسست من أجله موسوعة ويكيبيديا، وكما وضحنا في الفقرات الأولى، فستجد أن الموسوعة تهدف إلى إتاحة المعرفة أينما كان وبالمجان! ولا يجب أن تكون المعرفة حكرًا على أحد.
إذا وضعت موسوعة ويكيبيديا إعلانات على موقعها، فهذا يخالف هدفها الأساسي بوضوح صارخ؛ فتخيل أنك تبحث على الموسوعة عن “العناية بالشعر” وفوجئت بإعلان عن كريم ما للشعر، هل ستصدق المعلومات الموجودة بنسبة 100%؟ قد تقول لي: إن موسوعة ويكيبيديا تحتوي على الكثير من المعلومات الخاطئة بالفعل؛ لأن أي شخص يمكنه أن يعدل فيها كيفما يشاء، فما الفارق الذي سيشكله هذا الإعلان إذًا؟ وهذا يضعنا أمام معضلة كبيرة.
إذا تبنت ويكيبيديا فكرة الإعلانات وفتحت أبوابها للمعلنين، فلن يرض المعلنون بالسياسيات التي تسير بها ويكيبيديا؛ لن ترغب شركة ما في وضع إعلانًا لأحد منتجاتها ويأتي شخص يسبُ ويطعن في هذا المنتج على نفس الصفحة.
أما عن النقطة الأخرى الواضحة للعيان، فهي أن الإعلانات من أكثر الأشياء المزعجة في الوجود. تخيل أنك منغمس في قراءة مقال ما، ويخرج لك ملصقًا ينصحك بشراء المنتج الفُلاني؛ لأنك بحاجة إلى نقصان الوزن. ماذا عن الإعلانات التي تظهر بين الفينة والأخرى وفي كل مكان على الشاشة ؟ الأمر مزعج للغاية ولا يتناسب طرديًا مع آداب القراءة على الإطلاق.
أهذا يعني أن الموسوعة لا تحقق أرباحًا ؟
هذا الرقم ليس بقليل بالنسبة إلينا كمستخدمين بالطبع، بل مهولٌ جدًا، ولكن بنسبة لشركة مثل جوجل، والتي تصرف 2 مليار دولار على الإعلانات سنويًا، مجرد فُتات! لحسن الحظ أن ويكيبيديا تجمع تبرعات تفيض عن احتياجاتها أضعافًا مضاعفة، فلا تقلق على استمرارية الموسوعة.
الغريب في الأمر فقط هو ما قد لُوحظ في الفترة الأخيرة؛ إذا كنت تدخل على موسوعة ويكيبيديا باستمرار، فلربما لاحظت إعلانًا في بداية كل المقالات هذه المرة. يُحسب للموسوعة أنها واحدة من الشرفاء الذين لم يغيروا من نموذجهم التجاري “Business Model” منذ بداية تأسيسها، ولكن هل حان الوقت ؟
ما هذا الإعلان الذي أتحدث عنه ؟
هذه المرة الوضع مختلف، الإعلان الذي ربما لاحظته هو إعلان عن جمع التبرعات، يقول الإعلان- بتصرف: “إن الموسوعة قائمة على تبرعات القراء الاستثنائيين، ولكن حوالي 2% فقط هم من يتبرعون. إذا تبرعت بأي شيء قد تساعدنا على الاستمرار.”
عندما ظهر هذا الإعلان، خشينا جميعًا أن تكون تلك بداية النهاية؛ فعبارة “من أجل استمرار ويكيبيديا” جعلتنا نشعر بشيء من القلق على أكبر الموسوعات على الإطلاق، ولكن لا تقلق، فالتبرعات أكثر من كافية؛ وفقًا للتقرير المالي للشركة، استطاعت ويكيبيديا أن تجمع حوالي 28 ونصف المليون دولار في عام 2018-2019 فقط، وهذا يكفي ويفيض لدفع رواتب الموظفين واستمرارية الموقع الذي يحتاج إلى 3 ملايين دولار سنويًا.
طلب المزيد من التبرعات أو المال لا يعني الإفلاس، ولكن لا تنس أن المؤسسين يحتاجون إلى أموال من أجل استمرارية ويكيبيديا وباقي مشاريع الشركة الأم، ولا تنس أنه لا ضير من طلب المزيد من المال!