كـتب- علي شبل:
استمرارًا لمشروعه التثقيفيّ «#حكاية_كتاب»، قدم مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونية حكاية كتاب «آداب البحث والمناظرة» لشيخ المحققين فضيلة الدكتور محمد محيي الدين عبد الحميد، في ذكرى وفاته
ورصد الأزهر للفتوى، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، أبرز المعلومات عن شيخ المحققين الراحل ونبذة تعريفية عن كتابه القيم.. تعرف عليها في النقاط التالية:
1- مؤلف الكتاب في سُطور
ولد الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد عام 1318هـ، الموافق 23 سبتمبر عام 1900م، بكَفر الحمام بمحافظة الشرقية. نشأ في أسرة مُحِبَّة للعلم والفقه؛ فوالده الشيخ عبد الحميد إبراهيم شيخ المعهد الديني بدمياط، ثم معهد الإسكندرية، وقد تولَّى القضاء والفُتيا، مما كان له بالغ الأثر في تكوينه العِلمي والثَّقافي، حيث كان يحضر مجالس الفقه واللغة وعلوم الحديث التي يقيمها والده. حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة بكُتَّاب القرية، ثم التحق بالأزهر الشريف، حتى تخرج في كلية اللغة العربية عام 1926م، وكان ترتيبه الأول على دفعته آنذاك.
بعد تخرجه، عمل مدرسًا بمعهد القاهرة، ثم اختير للتدريس بكلية اللغة العربية سنة 1931م بعد إنشاء كليات الجامع الأزهر، وكان أصغر أعضاء هيئة التدريس بالكلية سنًّا. تدرَّج في السُّلَم الأكاديمي بالجامعة، حتى عُيِّنَ وكيلًا لكلية اللغة العربية، ثم عميدًا لها مرتين. اختير عضوًا بلجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ثم تولَّى رئاستها، كما اختير عضوًا بمجمع اللُّغة العربية بالقاهرة، ورئيسًا للجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، وعضوًا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وتم ترشيحه لمشيخة الأزهر الشريف أكثر من مرة.
استعانت به حكومة السودان لوضع مناهج العلوم الشرعية حينما أنشأت كلية الحقوق، وتولَّى تدريس الشريعة الإسلامية وعلوم العربية بها.
اهتم بشرح وتحقيق الكثير من كتب التراث الإسلامي، والتعليق عليها وترتيبها ليتسنى لطلاب العلم الرجوع إلى تراث علمائهم بيسر وسهولة، وتتلمذ عليه كثير من العلماء، إما مشافهة أو من خلال كتبه التي لا يستغني عنها طالب علم في عصرنا، وكان من تلامذته الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشاعر طاهر أبو فاشا.
لم يقتصر جهده العلمي على علوم العربية فحسب؛ بل ألَّف وحقق العديد من علوم الشريعة وعلم الكلام والمنطق والمواريث والأحوال الشخصية. قضى الشيخ ما يقرب من 50 عامًا في خدمة العلم، وتحقيق تراثه، أثرى فيها المكتبة العربية والإسلامية بما يزيد على 300 كتاب في سائر العلوم، والعديد من المقالات في المجلات العلمية، حتى وافته المَنيِّة في 25 ذو القعدة 1392هـ الموافق 30 ديسمبر 1972م.
رحم الله الشيخ محيي الدين عبد الحميد، وأجزل له الثواب، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
2- سبب تأليف الكتاب
- ذكر الشيخ محيي الدين عبد الحميد في بداية كتابه سببَ تأليف هذا الكتاب، وهو معرفة طرق البحث والمناقشة والمحاورة، والرد على المبطِلين، وعصمة الذهن من الانسياق وراء ادعاءات المرجفين أو التسليم بشُّبَههم، ومعرفة طرق الاستدلال وإثبات صحة الدليل.
- – يقول الشيخ: «وقد كان العلماء في الصدر الأول غير محتاجين إلى هذه النُّظُم؛ لما وهبهم الله من سلامة الفطرة، وصفاء الذهن، وكانت أساليب حوارهم ومناظراتهم تجري على وفق هذه القواعد، من غير أن تكون عِلمًا مُدونًا؛ فلما طال العهد وقصرت القرائح احتاج الناس إلى استنباط قواعدَ يلتزمها المتباحثان».
3- وصف الكتاب
جاء الكتاب في رسالة صغيرة موجزة العبارة مكونًا من ثلاثة أبواب، تندرج تحت كل باب منها عدة فصول، تُسَلِّط الضَّوء على الفكرة ببساطة وبراعة، ليقف المُناظر على خطوات المناظرة وشروطها وآدابها بوضوح وموضوعية، كل هذا مع ضرب الأمثلة لتتضح الصورة للقارئ ويسهل عليه التطبيق، ويورد في نهاية كل باب بعض الأسئلة التطبيقية حتى يستوثق القارئ من فهم المعلومة، ثم يلخِّص ما جاء في هذا الباب ليسهل الرجوع إليه.
4- أهمية الكتاب
لا غنى للمجتمع عن هذا العلم الذي حواه الكتاب، سيما حين تخلي كثير من الناس عن آداب الحوار والمناقشة.وقد ضَمَّن الشيخ محيي الدين كتابه خطوات المناظرة وآدابها، فلا يكون هدف المناظر مجرد إفحام الخصم، وإنما تحليه بآداب المحاورة، وتفنيد أقواله ودعواه والوقوف على مدى صحة مقدمات موضوعه، والتسليم بما يلزم التسليم به، وطلب الدليل على ما تتوقف صحته على دليل.
5- بين يدي الكتاب
بدأ الشيخ ببيان مبادئ علم البحث والمناظرة؛ فذكر تعريفه وموضوعه، وعلاقته بغيره من العلوم، وبيان ما تجري فيه المناظرة، وفصَّل شروطه حتى تصح معارضة ما لا يصح منه، وما يرد من اعتراضات على كل منها، وطريقة الاستدلال على هذا الاعتراض، وبيان طرفي المناظرة وما يلزم كل منهما قبل الشروع فيها، وما يقوله الممانع أو صاحب الدعوى من أجوبة على ما وُجِّه إليه من اعتراضات.
كما أوضح أن أهم ما يتحلى به المتناظران هو السعي لطلب الحق وليس مغالبة الخصم أو إفحامه. ثم اختتم الكتاب ببيان معاني بعض المصطلحات التي يحتاجها المتناظرين كالمصادرة والمكابرة والمعاندة والمجادلة. واختتم الشيخ -رحمه الله- كتابه بذكر آداب المتناظرَين والتي منها:
(1) أن يتحرزا من إطالة الكلام ومن اختصاره.
(2) وأن يتجنبا غرابة الألفاظ وإجمالها.
(3) وأن يكون كلامهما ملائمًا للموضوع.
(4) وألا يَسخَر أحدهما من صاحبه.
(5) وأن يقصد كل منهما ظهور الصواب، ولو على يد صاحبه.
(6) وألا يتعرض أحدهما لكلام صاحبه قبل أن يفهم غرضه منه.
(7) وأن ينتظر كل منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه.وبذلك يكون هذا الكتاب قد جمع قواعد فن من الفنون التي يحتاجها الناس في كل زمان ومكان.