الحفاظ على الخصوصية الرقمية في الوقت الحالي بات أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى، حتى لو كنت تعتبر أنك لست بهذا القدر من الاهتمام، تظل بياناتك، مهما كانت تافهة في نظرك، ذات قيمة. رأينا في السنوات القليلة الماضية كيف أصبحت بياناتنا هدفًا غاليًا للشركات والتطبيقات والمواقع المختلفة على الإنترنت، ودعونا لا ننسى أيضًا تسريبات البيانات التي تقع ضحاياها شركات عملاقة نتيجة وجود ثغرات أمنية غير مكتشفة.
باختصار، الأمثلة التي تصف الاستخدام التعسفي لبياناتك الرقمية لا حصر لها. صحيح أن الخصوصية الكاملة أمر غير قابل للتحقيق عمليًا، حتى لو أغلقت كل أجهزتك وحساباتك وبعدت عن الإنترنت تمامًا! لكن هذا لا يعني أن نفقد الأمل، هناك طرق كثيرة تساعدك على أمن بياناتك ضد محاولات الأطراف الخارجية غير المرغوب فيها للوصول إلى بياناتك، ولكن إذا تعمقت في التفكير ستجد أن أحد أكثر الطرق فعالية للحصول على مزيد من الخصوصية هي شراء جهاز NAS — إليك فيما يلي بعض الأسباب المقنعة لذلك.
اولًا: ما هو جهاز NAS اصلًا ؟
ببساطة، NAS يعتبر أحد حلول التخزين الذي يمكن النظر إليه على انه شكل من أشكال السيرفرات ولكن يمكن استخدامه في المنزل أو الشركة لتخزين الملفات بمساحات ضخمة تصل إلى عشرات التيرابايت.
ومقارنًة بأقراص التخزين الخارجية او المحمولة، تتميز أجهزة NAS بقدرتها على الاتصال بالإنترنت، ومن هنا جاء الاسم “Network-Attached Storage” فيمكنك التفكير في الأمر على أنه هارد عادي لكن بدلًا من توصيله مباشرًة باللوحة الأم أو كابل الـ USB في الكمبيوتر، تقوم بتوصيله بالراوتر وسيعمل على مدار الساعة للتمكن من الوصول للملفات المخزنة عليه عبر الإنترنت، مما يعني انه يمكن تصفح بياناتك المخزّنة عليه عن بعُد بغض النظر عن الوقت، المكان، والجهاز المُستخدم، كمبيوتر أو هاتف ذكي أو حتى التلفاز.
استخدامات جهاز NAS التي تحافظ على خصوصيتك الرقمية
1- انشاء خدمة التخزين السحابي الخاصة بك!
التخزين السحابي ربما يكون أحد أفضل الاختراعات التي تمت بنشأة الإنترنت! فيمكنك بكل بساطة حجز سعة تخزين كبيرة على شبكة الانترنت وتخزين كل ملفاتك مع القدرة على تصفحها والوصول إليها من أي مكان، دون حاجة لشراء وحدة تخزين خارجية حتى. هذا يُترجم إلى ان التخزين السحابي مريح للغاية، ولهذا يستخدمه الكثير منا، بل يتزايد نمو خدمات مثل Google Drive وOneDrive وDropbox وiCloud يومًا بعد يوم كونها الأشهر على الساحة في الوقت الحالي.
ومع ذلك، تخزين ملفاتك ومستنداتك التي قد تحمل معلومات سرية مثل شهادات الهوية أو الحسابات المصرفية، على خدمة تخزين سحابي تُديرها شركة أخرى، مهما كانت درجة ثقتك فيها، بالتأكيد يخلق مخاوف بشأن الخصوصية. لا يوجد ما يضمن تفردك بالوصول لملفاتك! بصرف النظر عن المزاعم التي تقدمها الشركة فالتحكم في الخدمة يخضع لها فقط، ناهيك عن احتمالية توقف الخدمة في أي وقت، فالأمر ليس بيدك! ولا ننسى رسوم الاشتراك الشهرية الباهظة التي تضطر دفعها إذا احتجت لترقية سعة التخزين… يمكننا التفرد بسلبيات خدمات التخزين السحابي في مقال آخر ولكن بشكل عام تخزين بياناتك سحابيًا للاستفادة من مميزاتها ليس أفضل حل على الإطلاق. إذا كانت لديك الفرصة لشراء NAS فأفعل وستتمكن من إنشاء خدمة تخزين سحابي تخضع لسيطرتك بالكامل.
2- مشاركة البيانات الحساسة مع الآخرين بأمان
كما أشرنا في المقدمة، كل شخص موجود على الإنترنت تعتبر بياناته الشخصية ذات قيمة بالنسبة للشركات، لا تحتاج أن تكون معارضًا لنظام الحكم في بلدك أو شخص معروف سياسيًا لتكون مثيرًا للاهتمام بدرجة كافية تدفع الشركات لمراقبة كل تحركاتك وأنشطتك على الإنترنت، فهذا يحدث معك يوميًا بغض النظر “من أنت”! ولأن الحصول على خصوصية كاملة في العالم الرقمي أمر غير قابل للتحقيق، يمكنك على الأقل الحد من وقوع بياناتك السرية في الأيدي الخاطئة.
سواء كنت تحاول مشاركة صور خاصة بك أو أطفالك، أو مراسلاتك المهمة مع طرف آخر أو بيانات خاصة بتعاملاتك البنكية، لا عليك بالاعتماد على وسائل مشاركة البيانات التقليدية غير الآمنة مثل السيرفرات العامة لمشاركة الملفات أو خدمات التخزين السحابي أو وسائل التواصل الاجتماعي. جميع هذه الوسائل معروفة وتُستخدم على نطاق واسع، لكن مرة أخرى، لا يوجد ما يضمن عدم اطلاع مسؤولي الخدمة على ما تشاركه فالتحكم ليس بديك.
3- حماية وأمان أفضل لتخزين صورك الشخصية
من الواضح أن خدمات تخزين الصور سحابيًا تساعد بشكل كبير في عملية ترتيب الصور ومشاركتها، خصوصًا إذا كنت شخصًا تحب التقاط الكثير من الصور الشخصية أو لأفراد العائلة، بل حتى ان بعض هواتف أندرويد الشائعة تأتي مع تطبيق Google Photos كخيار أساسي لتخزين الصور وحفظها على السحابة المرتبطة بحساب جوجل، كذلك هواتف آيفون التي توفر خيار حفظ الصور على خدمة iCloud Photos بدلًا من ذاكرة الهاتف لتوفير سعة التخزين لصالح بيانات أخرى كالتطبيقات والمستندات.
هذه الخدمات جيدة، لكن تضع قيود مزعجة مثل سعة التخزين المحدودة وربما قيود على جودة الصور بالإضافة إلى رسوم الاشتراك الشهرية لتخزين مزيد ومزيد من الصور. إذا نظرت إلى تلك الخدمات بشكل أعمق ستجد أنك (حرفيًا) تخزن صورك الشخصية وربما صور أسرية وعائلية على وحدة تخزين تخضع لسيطرة شركة أخرى، وهو ما لا تريده إذا كانت لديك مخاوف بشأن الخصوصية. ناهيك عن محاولة شركات التخزين السحابي في الاعتماد على صورك الشخصية وأسرارك الخاصة في مواد التعلم الآلي من أجل تحسين استهدافك بالإعلانات ومعرفة ميولك الشخصية، وهو ما يعرض خصوصيتك وبياناتك الحساسة للخطر.
4- انشاء خدمة بث الفيديو الخاصة بك!
إذا كنت مُحب لمشاهدة الأفلام والمسلسلات عبر أجهزتك المختلفة، فربما تكون خدمات بث الفيديو مثل نتفليكس مناسبة لتلبية احتياجاتك، فأنت تقوم بدفع اشتراك شهري للوصول إلى مئات العروض والأفلام. ولكن هل تعتقد أن دفع رسوم شهرية أو سنوية للشركات المقدمة للخدمة سيمنعها من انتهاك خصوصيتك؟ بالتأكيد أنت مخطئ، إذا تمعنت النظر في سياسة الخصوصية التابعة لكلًا من خدمات بث الفيديو ستجد اعترافي ضمني بجمع العديد من البيانات عنك مثل معرّفات الجهاز والموقع الجغرافي وتفاصيل متعلقة ببيانات الدفع…إلخ.
هل تعلم انه بامتلاكك جهاز NAS تستطيع إنشاء خدمة Netflix الخاصة بك؟ كل ما تحتاج إليه هو تخزين الأفلام والمسلسلات على وحدة تخزين NAS سواء بعد حصولك عليها من الإنترنت أو أقراص الـ DVD. ولكن مشاهدة هذه الأفلام من خلال المُشغل الافتراضي لنظام التشغيل الخاص بالـ NAS حل غير عملي ولن تحصل على أفضل تجربة بالتأكيد.
5- الحصول على خادم بريد إلكتروني خاص
إرسال واستقبال رسائل البريد الإلكتروني هو شيء من المسلمات في هذا العالم الرقمي، ولكن حاليًا تتم إدارة معظم رسائلنا الإلكترونية عبر خوادم تابعة لشركات مثل جوجل وياهو ومايكروسوفت وآبل. ومع ان خدمة Gmail أو Yahoo Mail توفر لك الكثير من الراحة والسهولة في التعاملات اليومية عبر الإيميل، إلا أنها غير موثوق بها إذا كنت تعطي أولوية لخصوصيتك. فمثلًا إذا كان لديك حساب على جوجل وتستخدم “جيميل” فيمكن للشركة أن تفحص محتويات رسائلك بغض النظر إذا كانت سرية أو لا، من أجل عرض إعلانات مستهدفة وتحسين الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للسلطات الحكومية ووكالات إنفاذ القانون أن تطلب من جوجل الكشف عن رسائلك الإلكترونية. هذا سيحدث لأن الخدمة التي تستخدمها في إدارة رسائلك الإلكترونية لا تخضع لسيطرتك.