كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يدخل لبنان فعلياً الفراغ الرئاسي ليل31 تشرين الأول. كأس مرّة ستتجرّعها البلاد مرّة جديدة، لتضاف إلى كلّ الأمراض والعلل والمآسي التي تحيط بها على كلّ المستويات.
لا يبدو أن مشهد 2022 سيختلف عن مشهدَي 2007 و2014، فالتعطيل بات لعبة «حزب الله» وهو الذي يدير المسرح السياسي الداخلي بشكل يناسب مصالحه الاقليمية والمحلية.
قبل توقيع ورقة تفاهم «مار مخايل» في 6 شباط 2006، كان «حزب الله» شبه معزول. حلفاء سوريا لا مكان لهم في الساحة السياسية، لا بل شعر معظمهم، بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2015، بأنّه منبوذ ومطوّق. التحقيق الدولي الخاص بلبنان يلاحق النظام السوري ومعه محور «الممانعة». 14 آذار في عزّ فورتها محصّنة بدعم داخلي وخارجي، لدرجة أنّ الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش كان يأتي على ذكر لبنان وقوى 14 آذار وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة كل يوم تقريباً.
لكن «حزب الله» تعلّم جيداً من خبرة النظام الإيراني الذي يُحيك السياسة كالسجاد، ومن الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي يعمل على شراء الوقت، حين وافق مثلاً على «اتفاق الطائف» وراح ينتظر «غلطة» الرئيس العراقي صدام حسين باجتياح الكويت ليشارك في «القوات الدولية» التي حاربت لإخراجه من الكويت وليعقد صفقة نال بموجبها «حكم الوصاية» على لبنان.
حتى الآن، لا تزال الساحة اللبنانية أسيرة تأثّرها بالخارج رغم التبدّل في الأسماء، في حين أنّ «حزب الله» إستفاد من عامل الوقت ونسج إتفاق «مار مخايل» الذي أتاح له تأمين غطاء مسيحي فخاض حرب «تموز» بعدها بأشهر وقلب الموازين. اليوم يقف «الحزب» وهو يتأمل المشهد اللبناني، فمن جهة إجتاز «قطوع» المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ومن جهة ثانية خرج بأقل خسائر من انتفاضة 17 تشرين 2019، تلك الإنتفاضة التي أصابت جسم الأحزاب والقوى اللبنانية باستثناء قلّة قليلة، لذلك هو يكمل بالإستراتيجيته ذاتها وهي الحفاظ على الغطاء المسيحي أولاً وعلى الحلفاء من بقية الطوائف ثانياً.
وواهم من يظن أنّ «حزب الله» يتخلى عن «التيار الوطني الحر» ورئيسه النائب جبران باسيل كرمى لعيون رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أو أي مرشح لا ينال رضى باسيل، ولو كان يريد الاقدام على ذلك لما كان «دوزن» التحالفات النيابية بشكل أدى إلى التضحية بكل حلفاء سوريا من أجل إنقاذ كتلة باسيل النيابية ونفخها.
وهذه الأجواء موجودة في أوساط «حزب الله» الذي يرغب في إبرام تسوية رئاسية لكنه لن يقدم عليها قبل أن يتفاهم مع باسيل الذي ورث من الرئيس ميشال عون زعامة «التيار البرتقالي».
ومن أجل ذلك، فإن الحوار ما زال مستمراً بين «الحزب» و»التيار» وتطرح كل المسائل على الطاولة، ولا يبدو أنّ هناك خوفاً على «الباسيليين» من تركهم وحيدين في الساحة وسير «الحزب» بتسوية لا ترضيهم، لأن من مصلحة «الحزب» الحفاظ على أجنحته وأهمها الغطاء المسيحي وسط تشظّي الساحة السنية والضعف والخوف الدائم الذي يسيطر على الدروز.
إذاً، زمن التسوية لم يحن بعد، لذلك فإن «الحزب» يمنح باسيل كل ما يريد ويسمح له بالمناورة في كل الإتجاهات، في حين أنّ الأخير يكمل بتمنين «الحزب» بأنه أصبح على لائحة العقوبات الأميركية بسبب رفضه التخلي عنه، لذلك هناك سؤال يطرح نفسه، وهو: هل سيقف «الحزب» على خاطر باسيل مثلما وقف على خاطر عون حتى النهاية ليمنحه القدرة على التحكّم بالإستحقاق الرئاسي؟ أم أن قطار التسوية سيكون أقوى ويجرف ما تبقّى من قوة «التيار»؟